23-يوليو-2018

الناقد طارق الشرع

ألترا صوت- فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


طارق الشرع ناقد أدبي وسينمائي من ليبيا. كتب في صحف ومجلات ثقافية ليبية وعربية، وعمل في الصحافة مديرَ تحرير لمجلة "رؤى" الثقافية، وصحيفة "قورينا" اليومية، كما ترأس تحرير صحيفة "المجلس الثقافي" الليبية. صدر له كتاب نقدي بعنوان "البحث عن نقطة الصفر".


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

لم أفكر مسبقًا في أسباب تواصلي مع عالم الكتاب، فسيرة القراءة كما أتصور تتأسس على البحث عن "الذات القارئة"، إن جاز لنا التعبير، عن أسئلة لم تتشكل بعد، عن ملامح حياة مختلفة تحتفظ بأسرارها بعيدًا عن شكل وتركيبة وطموح حيواتنا المادية، سيرة القارئ في بداية تكونها تكون أشبه بحياة المجنون أثناء قطعه آلاف الأمتار بين الأزقة والطرقات العامة دون هدف، ذاكرة القارئ كرجُلي المجنون، ضحايا القراءة والجنون، تبحث عن شيء يستحق البحث، ويحدث كثيراً أن تدهس أحلام القارئ خطوات أقدام المجنون.

للقراءة حياة مستقلة تتألف من أطوار متفاوتة تتشكل وتنمو بعدد سنوات المعرفة بعد أن تمر بمراحل الطفولة والمراهقة فالنضوج، نعم للقراءة دورة حياة مهددة بالزوال في أي وقت.

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

عن الكتب التي شكلت محطة فارقة في حياتي فأظنني سأتحدث عن سيرة الكاتب اليوناني الرائع نيكوس كازنتزاكس "تقرير إلى غريكو"، وهي سيرة ثرية لكاتب مهم انطلقت من الذات وعادت إليها، بعد أن خاضت معارك فلسفية وأيديولوجية شرسة طرحت من خلالها أسئلة بسيطة بعمق وصدق. كازنتزاكس حاول تقديم خلاصة تجربته بعد أن تعثر في حياته بثلاثة مراحل هامة، كان في كل مرة يتأثر فكريًا بإحداها لتستحوذ على حياته لفترة محددة ولا يلبث أن يخرج منها حتى يجده منتقلًا لمرحلة أخرى، وقد تمثلت هذه المراحل في كل من "بوذا، برجسون، نيتشه".

  • من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

كغيري تأثرت تجربتي المتواضعة كقارئ لفترات زمنية متفاوتة بتجارب أظنها مهمة وأجدني حتى اللحظة أدين لها بالكثير من المعرفة والمتعة، وقطعًا ستكون روائع الكاتب العظيم دوستويفسكي في مقدمة الأعمال التي تشرّفت بالاطلاع عليها في وقت مبكر، وساهمت ولو بجزء يسير جدًا في تأسيس وتشكيل المخزون الذي أقف عليه اليوم، بصرف النظر عن أهميته للآخر، فقيمة أعمال هذا الكاتب لا تُختزل فقط في ارتباطها ببواكير علاقتي كما علاقة الكثير من أبناء جيلي بالأدب، وليس بسبب الإمكانيات الفنية الاستثنائية التي تحتفظ بها حتى يومنا هذا فحسب؛ وإنما أيضًا بفعل القيم الإنسانية والاجتماعية التي قدمتها هذه الأعمال بطريقة تندر في أعمال كتاب اليوم. نعم دوستويفسكي أعتبره حتى هذه اللحظة أفضل من كتب الرواية وضمن أهم الكتاب إن لم يكن أهم الذين تحدثوا بلسان الإنسان وآلامه.

الآن وبعد مرور هذا الزمن وأثناء استذكاري لمراحل مبكرة في حياتي، أقدر أهمية الكتاب والقراءة، وأتساءل عن مسار حياتي وأفكاري بدون الاطلاع على إبداع دوستويفسكي وقيمة كازنتزاكس وسحرية ماركيز وعمق فوكنر وجنون هاروكي وإمتاع بارت وروعة المتنبي... القراءة فعلًا تشكل حيوات إضافية، حيوات نختارها نحن هذه المرة.

اليوم أستطيع الجزم بأن القراءة أهم شيء مارسته في حياتي، الكتاب شيء جميل، أنا أيضًا أستمتع بجمع الكتب كما يجمع التاجر الأموال ويكدسها.. الفرق بين المال والكتاب أننا نحتفظ بالكتاب بعد استخدامه أما المال فلا يمكن تكديسه بعد استخدامه، وهل هذا هو الفرق فحسب!

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟

لا أفكر عادة في إحضار مدونة الملاحظات أثناء القراءة، الأمر يحدث بشكل تلقائي من وقت لآخر ويتوقف على طبيعة نوع القراءة ومزاجها، فأحيانًا أقرر بصوت عال تجاهل أي نداء من أجل التوقف عند أي مطب، وأحيانًا أخرى أسير في القراءة كما تسير السلحفاة بسبب توقفي المتكرر عند محطات التدوين، إلا أن كتابتي للملاحظات العامة لا يعني عودتي لقراءتها بالضرورة، الحالة الوحيدة التي أهتم فيها بالتدوين وأقوم بفعل القراءة من أجل ذلك هي فترة إعداد الدراسة أو المقالة النقدية.

  • هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

رغم أن الكتاب صار اليوم أحد مصادر القراءة إلا أنه يظل المصدر الأهم لذاكرة أجيالنا على أقل تقدير، فالكتاب ارتبط في وعينا ارتباطًا وثيقًا بالقراءة حيث تشكلت من صفحاته الطرق والدروب التي لطالما قادتنا إلى طرق مسدودة وأخرى وعرة، وغيرها مزدهرة، فلم يعد الكتاب يكتفي اليوم بكونه وسيطًا لغويًا أو وسيلة معرفية بل بات يشكل إمكانية ثقافية مستقلة، وهنا تقوم المفارقة، فالتنقيب والبحث عن الكتاب كوسيط مستقل وكينونة بدأ بعد أن وجد الكتاب شركاء له كوسائط متنوعة أهمها بالتأكيد الشريك الرقمي، والسؤال القيمي للكتاب ظهر بعد أن صارت تنافسه قيم أخرى، فاليوم بات المهتم يرصد عملية القراءة قياسًا بما كانت عليه منطلقًا من الجانب السيكولوجي للقارئ كطقوس القراءة مثل رائحة الورق، التعامل مع الورق، وضع الجسد أثناء القراءة، تصنيف الكتب وترتيبها.. وهو جانب أجده شديد الخصوصية ويستحيل الاستناد عليه لتحديد شكل مميز للقراءة، لا سيما ونحن نتحدث في المقابل عن آخر ما توصلت إليه التقنية الرقمية من وسائل مذهلة لمصلحة الإنسان ورفاهه، عن تقنيات اهتمت بالاقتصاد في الوقت والجهد وأتاحت إمكانيات إضافية للقراءة بطرق نوعية.

عن نفسي أعتقد بأن عدد الكتب التي قرأتها كان سيتضاعف في حال أدركت المكتبة الرقمية والقراءة الرقمية في وقت مبكر من حياتي، فطريقة الحصول على الكتاب والتواصل مع عالم الكتب صار أسرع وطرق العرض للقراءة باتت أجود من القراءة الكلاسيكية بمراحل.

  • حدّثنا عن مكتبتك؟

اليوم أفتقد مكتبتي كما أفتقد الاستمتاع بالجلوس والقراءة في حضرة كتبي وموسيقاي التي أعشق، أفتقد عالمي الذي أسّسته عبر سنوات طويلة بعد أن حالت الحرب بيني وبينه.

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

أنا متفرغ في هذه الأيام لقراءة أعمال الروائي الياباني كازو إيشيغورو.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة شوقي برنوصي

مكتبة طارق عزيزة