21-مايو-2018

الشاعر صفاء سالم إسكندر

ألترا صوت - فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


صفاء سالم إسكندر شاعر من العراق. يكتب قصيدة تميل إلى بنية شذريّة. تخرّج من كلية الكيمياء ويعمل في مجال اختصاصه. حين وجد كيمياء أخرى في الكتب، راح يسجّل حضورًا أقرب إلى الإدمان في شارع المتنبي في بغداد، الذي بات قِبلة دائمة. من إصدارته الشعرية "الكون قبر لوحدتي".


  • ما الذي جاء بك الى عالم الكتاب؟

نهرني أبي، أتذكر ذلك اليوم بشكل جيد، كانت ظهيرة حارة من صيف العراق الذي لا يرحم، كنت ألعب في الطين بنوى التمر، أتخيلها شخصيات طفولية. العطلة الصيفية بدأت للتو، ومن عادة عائلتي أخذ قيلولة الظهيرة كالباقين تمامًا، أنا عكسهم، كنت أكره نوم الظهيرة وأستغلها في اللعب بالطين، أقصد حديقة البيت الصغيرة جدًا، طولًا بعرض قد لا تكون أكثر من متر واحد. المهم، في ذلك اليوم وبشكل شبه غاضب، فهو عصبي جدًا، طلب مني أن أستغل العطلة بمطالعة الكتب، أو تعلم الإنجليزية. في بيتنا كانت مكتبة، تعود أغلب كتبها لجدي، كانوا يسمونه "الملا" فهو لم يدخل المدرسة أبدًا لكنه يعرف القراءة فقط. في المكتبة وبشكل طفولي تخيلت أن الكتب الصغيرة، والمتوسطة الحجم، خاصة بالأطفال، فأخذت بشكل لاإرادي كتاب "النظرات" للمنفلوطي، خادعت نفسي على قراءته، لم أستطع أن أكمل ورقة واحدة، وبعدها قلبت الكتاب الذي بجانبه وكان "ماجدولين" وتركت الأمر عند هذا الحد، لأني قررت تعلم الإنجليزية عن طريق تعلم الكلمات، والرسم أيضًا. أتذكر أني كنت فرحًا برسم  للصورة التي على غلاف كتاب لم أعرف فحواه ولا عمن يتكلم، والآن أحتفظ به. كان كتاب "تيشخوف" لإيليا إيرنبورغ. هذه من الأشياء التي أتذكرها في طفولتي، لكني أملك أكثر من بداية مع عالم الكتاب، فبعدها في مرحلة المراهقة، والتي تزامنت مع سقوط نظام صدام، توجّه الناس بشكل فظيع نحو التدين، فكنت مع من هبّ منهم، وقرأت بشكل كبير كل ما يقع في يدي من كتب الدين، ومن المفارقات أني صرت أكره الشعر بشكل لاإرادي، ولا أعرف لماذا؟ لكن فقط كنت أقول: ما الجدوى من الشعر؟ وأحيانًا أضيف الرواية إلى السؤال. ما حصل بعدها أني قرات قصيدة أمل دنقل عن الحسين فأعجبت بالقصيدة، وكيف أن شاعرًا مصريًا يكتب عن الحسين والفرات. والبداية التي تلت هذه القراءات كانت بسبب هامش قرأته في كتاب لمحمد جواد مغنية عن الشيعة، وذكر فيه علي الوردي الذي قادني بدوره لعلي شريعتي، وهنا كانت بداية النفور من الكتب الدينية. وبعد تخرجي من كلية العلوم، بدأت بقراءة الأدب. تخيل كل هذه الفترة من عمري لم أقرأ شعرًا جيدًا، ولا رواية، سوى بعض الكلاسيكيات، قرأت لنجيب محفوظ، وطه حسين، ولم أقتنع بعد هذا كله، وبعد أن أصبحت لدي مكتبة بالقراءة التي أنا عليها، دائمًا ما أشك في سعيي إلى أن أصبح قارئًا حقيقيًا.

  • ما هو الكتاب، أو الكتب الأكثر تأثيرا في حياتك؟

كتاب "هوس العبقرية" لباربارا جولد سميث، الذي يتحدث عن الحياة السرية لمدام كوري. هذا الكتاب يعلمك إلغاء المستحيل، والعقبات في حياتك، كتاب فذ عن عبقرية مثل مدام كوري. وكتاب "فن القراءة" لألبرتو مانغويل، علّمني هذا الكتاب كيف أقرأ بشكل جديد، كيف أتعلم من الكتب، وكتاب "حياتي" لأحمد أمين. أحبّ كتب السيرة، فهي معلم حقيقي.

  • من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

سأقول لك جاك دريدا، ومن ثم أقول رولان بارت، أو أقول رولان بارت ومن ثم أقول جاك دريدا. إنهما يفكران بطريقة مدهشة، ما يدهشني فيهما هو السؤال الذي يطرحانه، إنهما يطرحان أسئلة كونية، صحيح أنها تتعلّق بنص واحد، إلا أنها بشكل نظري تؤخذ على جميع النصوص، ومرة ذكرت، قلت: كنت أتمنى لو أن بارت أو دريدا فسّرا القرآن، ما النتيجة التي سيخرجان بها وفق نظريتهما عن النص؟ لا أتحدّث بالقالب الديني، أنما قصدت التأويل، والنص بما هو نص.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟

لا أفعل ذلك بشكل دائمًا، أو بشكل روتيني، إنما فقط الكتب التي تستفزني، وتحرّك داخلي الأسئلة هي التي أسلك معها هذا المسلك.

  • هل تغيرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

أنا صديق الكتاب الورقي، لكنني لستُ عدوًا للكتاب الإلكتروني في الوقت نفسه، ففي فترة ما أردت تعويد نفسي على قراءه الكتب الإلكترونية، لكن لم أنحج، فحبي للكتاب الورقي والاستمتاع به مختلف تمامًا. للورق مذاق خاص.

  • حدّثنا عن مكتبتك؟

في الفترة الأخيرة، صرت أحاول جعلها مختصة ونخبوية أكثر، لم أعد أقرأ الروايات، فبدأت أتخلص من الروايات بشكل تدريجي، الآن أعيد ترتيب مكتبتي وفق اهتماماتي الفعلية، فصارت تختص بالشعر، واللغة، والفن، والفلسفة، وبعض الكتب القليلة عن النساء والأيروتيك، وهذه الأخيرة أرى فيها جمالًا خاصًا، لم نطلع عليه بعد بشكل كاف ليكون لدينا وعي جنسي عن الجسد.

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

من عادتي ألا أقرأ كتابًا واحدًا، بل أقرأ أكثر من كتاب في اليوم نفسه، وهذه العادة لها إيجابيتها وسلبياتها، ما عدا الكتب التي تأخذني نحوها من البداية، وهذه أسميها الكتب الفاتنة. الآن أقرأ كتاب "النساء" لـ ديفيد إم باس، وسيندي إم ميستون، بترجمة أحمد الناصح. وكذلك كتاب "تاريخ الجنسانية" لفوكو. ومن عادتي أن أعود إلى الكتاب أكثر من مرة في حال لم أفهمه من المرة الأولى، ولو بعد حين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة روزا ياسين حسن

مكتبة مريم العطار