12-نوفمبر-2018

الشاعر والناقد صالح لبريني

ألترا صوت – فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


صالح لبريني شاعر وناقد من المغرب. من أعماله الشعرية: "تغريبة الناي" و"حانة المحو"، إلى جانب العديد من الدراسات النقدية في المواكبة لحركة الشعر في العالم العربي.


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

إن الذي قادني إلى عالم الكتب الصدفة والرغبة، ذلك أني كنت أعيش في قرية ينعدم فيها وجود مكتبة، ولا أي شيء يحفزني على ارتياد هذا العالم الرمزي، لكن إرادتي، وربما مشيئة الحياة، كانت وراء الشغف والهوس بهذا العالم. إضافة إلى السياق الوجودي الذي يتصف بحياة اليتم والشعور بسند يعضدني ويأخذ بيدي، فكان الكتاب الرفيق والصديق منذ السلك الإعدادي إلى هذه اللحظة؛ فهو النبع الصافي الذي يزودني بضرورة الاستمرار في الحياة والتشبث بمحبة الخيال والسفر بعيدا في التباسات الروح والكون. دون نسيان إرادة تحدي واقع الحال المتّسم بكل المظاهر التي تزرع في الإنسان اليأس، فكان عالم الكتاب منقذي من ضلال قبيلة تتنفس الفراغ.

  • ما هو الكتاب أو الكتب الأكثر تأثيرا في حياتك؟

هناك أربعة كتب لعبت دورًا هامًا في حياتي، الأول "القرآن الكريم" الذي عايشته وعاشرني في السيّد بمحبة ودهشة ورعشة وحيرة، والذي أوقعني في شِراك اللغة. أما الثاني فرواية "ماجدولين" لمصطفى لطفي المنفلوطي التي خلقتني من جديد، ونفحتني بحياة أخرى حيث الحب عنوان القلوب، وبنبض لغة تعج باهتزازات وارتجاجات الخوافي، والثالث  "الفروسية" للشاعر أحمد المجاطي. هنا أقف أمام عظمة شاعر كان له الفضل علي؛ في اقتراف جنحة الكتابة والسير على هدي المشائين السارقين الحكمة من النار. فلهما مني كل المحبة.  والرابع "الخبز الحافي" لمحمد شكري التي شكلت وعيًا جديدًا مختلفًا عن ما ألفناه في الكتابات السردية، فهذا الكتاب علمني كيف أتحدى الواقع وأتجاوز محن الحياة التي لم تنصف طفلًا صغيرًا عثر على ذاته وحيدًا مفردًا إفراد البعير -كما قال الشاعر- في مواجهة شظف العيش ومحنة الوجود.

  • من هو كاتبك المفضل ولماذا أصبح كذلك؟

أدونيس نظرًا لما تميز به من تفرد وشجاعة في طرح قضايا ثقافية وفكرية، كان لها الأثر في تقويض النسق التقليدي في الفكر العربي والشعرية العربية، فكان مبدعًا ومفكرًا جريئًا وصادمًا لبنية العقل العربي المنغلق والثابت والمنمط في قالب التقليد والاجترار، ومحطمًا للتنميط الشعري الذي ساد قرونًا من تاريخ العرب. وكان خارج الإجماع محبذًا الاختلاف، كارها الائتلاف، والأكثر من ذلك أنه يجمع بين الفكر والإبداع، وينتصر للإنسان.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأ عادة؟

في الغالب ما أدوّن ما بدا لي من أفكار وإشارات على هوامش وجوانب الكتب التي أقرأها لما في ذلك من أهمية، فعلى الأقل أظل قابضًا الخيط الرابط بين الأفكار التي يتداولها الكتاب، وفي تدوينها أيضًا متعة العين القارئة ببصيرة المتأمل المتدبّر، لكنني أركز على الأفكار ذات الأهمية والإشكاليات التي تحفزني على مغامرة التفكير. وأعتبر عملية كتابة الملاحظات على الهامش عملية أساسية في بناء المعرفة، في حين أدون الملخصات في جذاذات بغية العودة إليها عند الحاجة والبحث.

  • هل تغيرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

بالنسبة لي بقيت علاقتي مع الكتب كسالف العهد، بل تجسّرت وتوطدت أكثر، وهذا لا يعني انفتاحي على الكتاب الإلكتروني الذي غدا، اليوم، وسيلة من وسائل المعرفة وبناء المدارك، ومصاحبًا للإنسان أينما كان، لكن الكتاب الورقي له نكهة استثنائية، وعلاقة يصعب علي وصفها، فهو حين تلامسه تشعر بارتباط روحي عاطفي وجسدي غريب ومذهل، ويوميًا أزور جل المكتبات الموجودة بالمدينة التي أستقر بها، وأقتني ما استجد في عالم الطبع والنشر من كتب ومجلات ثقافية وفكرية، فبدون كتاب ورقي لا معنى لوجودي، لذلك يبقى الكتاب الورقي هويتي وانتمائي لعالم الأحياء.

  • حدّثنا عن مكتبتك؟

أعتبر مكتبتي عائلتي الثانية، إذ تربطني بها علاقة حميمة ووجدانية، عاطفية ووجودية، وهي الفضاء الذي أشعر فيه بالسكينة والحياة، والكتب إخوة لي من الخيال، لكنهم مفعمون بالحياة بتجلياتها المختلفة، والمكتبة لا تضنّ عليّ، فهي كريمة معي إلى حد الإسراف في العطاء والبذل، وذات قلب مشرع على الاستعارات التي نحيا بها، والتي تركها الأسلاف لنا إرثًا رمزيًا، وعلى التاريخ والحضارة والموروث والعقل والقلب، وهي أيضًا تمد يديها إليّ ولغيري بدون كلل ولا ملل، صبور على تحمُّل فوضاي وشغبي، توتري ونشوتي، وسلالتي التي أنتمي إليها، وأفتخر بهذا الانتماء الذي ضيّعه الكثير من أبناء جلدتي.

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

أقرأ كتاب "البلاغة العربية أصولها وامتداداتها" للدكتور محمد العمري الذي يندرج ضمن دراساتي العليا هذا من جهة، ومن جهة أخرى لتعميق معرفتي بالجهود الجبارة الذي يبذلها الباحثون العرب في مجال البحث البلاغي، وحتى لدي إحاطة شاملة حول هذا المجال الذي نجهله كثيرًا، إضافة إلى كتاب "التفكير البلاغي عند العرب أسسه وتطوره إلى القرن السادس" لحمادي صمود، وهو أيضًا من المظّان البلاغية المهمة التي يجمل على القارئ  قراءته، نظرًا لقيمته المعرفية حول البلاغة العربية من منظور جديد يختلف اختلافًا جذريًا عن المناولات السابقة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة صلاح بوسريف

مكتبة معاوية عبد المجيد