06-أغسطس-2018

الروائي سفيان مخناش

ألترا صوت - فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


سفيان مخناش روائي من الجزائر. اشتغل في المحاماة، ثم ترأس شركة متخصصة في التجهيز والديكور، صدرت له رواية "لا يترك في متناول الأطفال"، وبعدها صدر الجزء الثاني منها بعنوان "مخاض سلحفاة.. قصة بوذا الذي لم يعبد"، الحائزة على جائزة عبد الحميد بن هدوقة.


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتاب؟

سفيان مخناش لم يك شيئًا مذكورًا إلا بعد صدور أولى رواياتي "لا يترك في متناول الأطفال". هذه الرواية التي كلما نظرت إليها أعتز وأفتخر أني صاحبها، وهي نتيجة تراكمات من حبّ للقراءة وشغف بالكتابة ومصاحبة الكتاب في الحل والترحال، لا يمكنني تحديد وقت دخولي إلى عالم الكتابة بالضبط لأن الموهبة هي فطرة يفطر عليها الإنسان منذ ولادته، اكتشفها من اكتشفها وجهلها من جهلها، لكن في المقابل يمكنني تحديد وقت دخولي إلى عالم النشر أين كان مجرد اتصال بسيط على إيميل دار نشر جزائرية كفيل أن يضع قاطرتي على سكة الرواية ويكسبني لقب "الروائي" الذي أراني أستحقه، خصوصًا بعد تجربتني الثانية "مخاض سلحفاة قصة بوذا الذي لم يعبد"، وهذه ثقة بنفسي وبما أكتب، وليس غرورًا.

جئت وأنا أعلم مسبقًا أن هذا العالم ليس ورديًا، كما كنت على علم أيضًا أن في هذا العالم سأجد من يثبط أكثر ممن يشجع، المنتقد أكثر من الناقد، دون أن أحدثك عن المنافسة غير الشريفة، خصوصًا بعد تكاثر دور النشر التجارية كالفطريات.

كلمة "جئت" تستلزم منطقيًا حضور كلمة "تغادر"، أي نعم أظنني سأغادر هذا العالم، لكن متى، أبقى محتفظًا به عندي لأنه لا أحد يعلم ماذا سيحدث غدًا.

جئت، وأنا أحمل فكرة مسبقة علني أحدث التغيير، في نمط الكتابة، بفكرة، بمشهد، بأفق، فكم يا ترى من كاتب جاء إلى عالم الكتابة وأقنع قارئًا واحدًا بفكره بغض النظر عن المتعة؟

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

أكذب عليك (وهنا تحضرني إحدى روائع وردة) أكذب عليك لو قلت لك أنه لدي عنوان أو عناوين أثرت في شخصي أو مساري الإبداعي، وهنا تدخل بعض العوامل، وخذ لك هذا المثال، هو أنني من مواليد الثمانينات، ووقتها كانت المعلومة أو الكتاب غير متاح بضغطة زر كما هو الحال عليه اليوم، كان غرامي في الكتب العلمية والمعرفية أكثر شيء، وموروثة من أفراد العائلة، ولا أخفيك أنه عندنا في الجزائر كانت لنا مجلات أيام الحزب الواحد الاشتراكي في فترة السبعينات، وهو العصر الذهبي للجزائر حسب رأيي، تغنينا بزادها المعرفي، ويأتي بعدها الكتاب الديني الذي لا يخلو بيت جزائري منه، ولأن الكتاب الأدبي يتذيل الترتيب لم يكن يصلنا من المحلي إلا النزر القليل ومن المستورد إلا ما تجود به الأقطار المشرقية، خصوصًا إذا تعلق الأمر بما يلائم المناهج والمقررات الدراسية.

  • من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

سؤالك بريء لكن الإجابة عنه ستوقعني في تهمة حاولت مرارًا الدفاع عنها، لكن ما لبثت أن تخليت، أعتقد أنني عقّدت عليك الأمر صح؟ لا تقلق، كل ما في الأمر أنني اتهمت بـ"المستغانمية" أو "الشعرية" أي الكتابة على طريقة الكاتبة والشاعرة أحلام مستغانمي إن لم أقل تقليدها، ومنهم من راح إلى أبعد من ذلك مدعيًا أن أحلام من تكتب بدلًا مني بسبب الصداقة التي تجمعني بها قبل أن أولد روائيًا عام 2011، العام الذي صدرت فيه أولى اعمالي، والمضحك في الأمر أن أحلام نفسها متهمة بأن نزار من يكتب لها، يعني أن سفيان نزاري إذا استخدمنا المنطق، لهذا صرت أجدني أفتخر بهذه التهمة بدلًا من نفيها.

لا أنكر أن هناك شخصيات أثّرت في حياتي وربما تحولت إلى شخصيات ملهمة، وبدرجات متوافتة، ومن يتزعم قمة الهرم في الترتيب شخصية لا علاقة لها بعالم الأدب والرواية، لكن لها علاقة بعالم الإبداع في كتابة الأشعار، التأليف الموسيقي، الرقص، الإخراج، الرؤية الفنية، الصرامة في العمل، التوق إلى الكمال.

مايكل جاكسون الشخصية الأبرز التي دفعتني إلى ولوج عالم الإبداع، ربما لو طاوعتني حنجرتي الصدئة أو جسمي الفاقد للياقة لكنت في مجال الإبداع نفسه، لكن قلمي اختار لي طريقًا آخر، يؤدي إلى الهدف ذاته. فن مايكل جاكسون الإنساني، الملتزم، النظيف، الهادف، هو من ولّد لكم سفيان مخناش الذي ترونه اليوم.

حاولت مرارًا أن أتبنى شخصية روائية تكون كاتبي المفضل أو ملهمي أو حتى منافسي، لكنني فشلت لهذا أجدني وأقولها بصراحة قليل القراءة رغم محاولاتي المتكررة للاطلاع على الأدب الغربي، كما نصحني بعض الأصدقاء المقربين مني.

  • هل تكتب ملاحظات او ملخصات لما تقرأه عادة؟

سؤالك قد أشطره إلى قسمين، قسم يتعلق بالملاحظات التي أدونها على قصاصات، وإلى ما ألاحظ عن ما أقرأه. كما سبق وقلت لك أنا متابع جيد للموسيقى، تقريبًا بكل أنواعها، وأعتقد أنني أملك أذنًا موسيقية لم أستغلها، لهذا أجد نفسي مرات أدون ملاحظة عن مقطوعة ما: لماذا المؤلف اختار هذه النوتة بدلًا من تلك؟ أو لماذا هنا خفض الصوت ورفعه هناك؟ تظن أني خرجت عن موضوع سؤالك أليس كذلك؟ لكن دعني أكمل لك وستتضح الصورة أكثر، فأنا خاماتي الإبداعية سمعية بصرية بامتياز، لهذا لمّا أشاهد فيلمًا لا أكتفي بفكرته وموضوعه، وربما هذا آخر شيء أفكر فيه، بل أقطعه صورة صورة، مركزًا على زوايا التصوير، وأستخدام الموسيقى التصويرية، ورؤية المخرج. كل هذا أدوّنه على قصاصات أحتفظ بها لنفسي، وإن زاوجتها بالأفكار التي تأتيني وأنا أمشي أو أقود السيارة تولد عندي فكرة ممتازة أوظفها لاحقًا في أعمالي الروائية.

أما عن ما أقرأه، ولأن القراءة عندي مرتبطة بمزاج معين، أرمي أي كتاب يعكر مزاجي أو لا تتفاعل معه حواسي في عشر صفحاته الأولى، أو الأربعين صفحة الأولى على أكثر تقدير، أما تلك الكتب التي تستهويني آخذ عنها ملاحظات منها ما يدون على الصفحة، ومنها ما أحتفظ بها لنفسي لأني لست ضليعًا في كتابات المقالات النقدية.

  • هل تغيرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

إطلاقًا لا، اتركني هكذا أفصل لك في المسألة، لأنه بصراحة هذه الكائنات التكنولوجية هي آخر من يهدد كياني أو يغير طباعي، فأنا إنسان تقليدي بامتياز، ما زلت أكتب على الورق، وأستمتع بالتشطيب ورائحة الحبر، وأقرأ من الورق، حتى تلك المقالات أو الكتب المتوفرة على النت أقوم بطباعتها لأتمكن من قراءتها، لسبب طبي حفاظًا على العين، ولسبب تقليدي كما أسلفت آنفًا، لا نستطيع إنكار أن الكتاب الإلكتروني فرض نفسه وله روّاده، لكن تبقى للورقي مكانته ولو بقيت البشري الوحيد على الأرض من يدعمه ويناصره.

  • حدّثنا عن مكتبتك؟

أملك مكتبة ليست بالحجم الضخم كما أنها ليست بالحجم الهين، تراكمت فيها الكتب بشكل تدريجي بسبب زاياراتي لمعارض الكتاب، وهنا أريد أن أوضح نقطة أن العناوين التي اقتنيتها كزبون (قبل أن أكون روائيًا) أجود من العناوين التي اقتنيها الآن، كوني كنت أقتني الأعمال، الآن صرت أقتني الأسماء.

مكتبتي مصنفة حسب الرفوف، رف لكتاب الدراسات القانونية بحكم تكويني الجامعي، كتب للطب والعلوم بدافع الفضول، كتب للدين بحكم الانتماء العقائدي، وكتب للروايات ومجموعات شعرية وقصصية، ولا تستغرب إن وجدت كتبًا للطبخ وأسطوانات للموسيقى والغناء أغلبها لمايكل جاكسون، فأنا إنسان محب للاكتشاف أزور المطبخ وأعبث به كما أزور مكتبي.

مكتبتي متفتحة على أغلب اللغات، كون الترجمة قبل ظهور التكنولوجيا غير متاحة، متفتحة على الأديان بداعي الفضول والمقارنة، متفتحة على العلوم بداعي النهل من المعرفة مهما كان صنفها.

مكتبتي حاليًا تعرف نوعًا من التنظيم بسبب تبرعي لجزء كبير منها لمكتبات الشارع، هذه الظاهرة الجديدة في شوارعنا التي أتمنى فعلًا أن تدوم وتصير تقليدًا لا موضة.

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

سؤالك محرج (أضحك)، يمكنني الغش هنا وأعطيك أي عنوان، يمكنني التحفظ على اسم ما بخلًا مني بالإشهار لاسم أو عنوان معين، لكن لأكون صريحًا معك وهذا ليس جوابًا إعلاميًا، أنا قليل القراءة وهذا ليس مدعاة للفخر، لكن إن قرأت أقرأ عدة أعمال بالتوازي مجبرًا وليس عادة، مثلًا كتاب في السيارة أشغل به وقتني في أماكن الركن المطولة أو انتظار شخص، كتاب في المحفظة أشغل به وقتي في الطوابير أو قاعات الانتظار، فأنت تعرف أن بلداننا شاطرة في خلق هكذا مواقف، وكتاب في مكتبي، وكتاب آخر عند السرير، لاحظت لماذا عجزت عن الإجابة؟ لكن في مجملها أعمال روائية لمبدعين جزائريين أقرؤها بدافع جس نبض الإبداع المحلي لا غير.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة عبير اسبر

مكتبة طارق الشرع