25-فبراير-2019

الكاتب ربيع محمود ربيع

ألترا صوت – فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


ربيع محمود ربيع كاتب من الأردن، من مواليد عام 1984، صدرت له مجموعة قصصية بعنوان "الذاكرة لا تَعشق"، وله رسالة ماجستير غير منشورة بعنوان "القبيلة والنّص: تحوّلات البداوة في الرواية العربية".


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

جئت إلى عالم الكتب من عالم الإسلام السياسي؛ أيام الدراسة الثانوية كنت أضع كتيبات حزب التحرير في كتاب الجغرافيا لأقرأها، بينما كانت أمي تظن أن أمور الدراسة تسير على خير ما يرام. وعلى الرغم أنني لم أكن حزبيًا في يوم من الأيام فإنني كنتُ مغرمًا بأفكار هذا الحزب وبفكرة استعادة أمجاد الخلافة؛ فقرأتُ أغلب كتبهم، أذكر منها: "الديمقراطية نظام كفر" و"الحملة الأمريكية على الإسلام" و"نظام الإسلام" و"كيف هدمت الخلافة". وكنت شبه مواظب على قراءة أعداد مجلتهم "الوعي" ومتابعة موقعهم الإلكتروني، والآن بعد أن صارت المسافة شاسعة بيني وبين أفكار الحزب أستطيع أن أقول إن مؤسس الحزب الشيخ تقي الدين النبهاني كان شخصًا ذكيًا، وعلى الرغم من أنه كان يطالب بإقامة الخلافة فإنه فشل في إيجاد خليفة يسد مكانه في الحزب بعد رحيله.

في المرحلة الجامعية أخذت أنقاد نحو الأفكار الوطنية والثورية؛ فذهبت إلى قراءة كتب تشي جيفارا ومرافعات فيدل كاسترو أمام المحكمة وشدتني مذكرات الثوّار الفلسطينيين، أذكر أنني قرأت مذكرات الشهيد صلاح خلف "فلسطيني بلا هوية" أكثر من مرة، وكان الأصدقاء لا يكفون عن استعارتها حتى فقدتها. وفي أثناء ذلك، قرأت بالمصادفة رواية "عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم، وهي أول عمل أدبي يقع تحت يدي، هذه الرواية أخذتني إلى عالم الأدب والنقد والثقافة وهو العالم الذي لا أزال غارقًا فيه.

الآن، بالإضافة إلى ما سبق، أجدني مغرمًا بكتب التاريخ: التاريخ العربي الإسلامي بشكل عام والتاريخ الأردني بشكل خاص، وأميل إلى الكتب التي تنقض الروايات التاريخيّة الرسمية -بطريقة منهجية وغير قائمة على التحيّز والعنجهية- مثل كتب هشام جعيط إسلاميًا، وكتب الدكتور عصام السعدي أردنيًا. كما تسحرني الكتب التي توثّق التاريخ الشعبي والروايات الشفويّة وأجدها متمردة على أساليب الاحتواء الرسمي.

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

القراءة الحقيقية تدخلك في عمليّة تحوّل مستمر، والكتب الأكثر تأثيرًا في حياتي هي الكتب التي ساعدتني على إعادة اكتشاف هويتي وعلى إعادة تنظيم علاقتي بالأشياء. وهذه الطبيعة التحوّلية التي تحدثها الكتب الرائعة في شخصية القارئ تجعله أقل وفاء لهذه الكتب بعد أن ينفصل عنها ويشعر بانتهاء تأثيرها؛ لذلك تجد الكثير من القرّاء والكتّاب المتمرسين في عالم القراءة يخجلون من الاعتراف بأن ثلاثية أحلام مستغانمي أثّرت فيهم وأبكتهم في فترة المراهقة، ويشاركون في حملات السخرية منها دون أن يعترفوا بأن هنالك فترات من حياة القارئ لا تؤثر فيه أعتى الأعمال مثلما تفعل أعمال مستغانمي والمنفلوطي وجبران خليل جبران.

إذًا، هي مسيرة من الكتب المؤثرة: رواية "بابا سارتر" لعلي بدر ساعدتني على هدم المسلمات والتخلّص من المقولات الكبرى، ورواية "الجريمة والعقاب" لدستويفسكي تأخذك في رحلة تطهير داخل النفس، وروايات مؤنس الرزاز التي تحركها عقدة الثأر للأب الذي قتله الدكتاتور فتهدم في طريقها كل النظريات الشمولية للأحزاب وتسخر منها، خاصة في رواياته "متاهة الأعراب في ناطحات السحاب" و"اعترافات كاتم صوت" و"جمعة القفاري - يوميات نكرة". وتبقى قصص مجموعة يوسف إدريس "بيت من لحم" من أكثر القصص التي تهز فيك كل ما هو يقيني وثابت وتعيد فهمك لسؤال الجمال.

أما الكتب التي ساعدتني على إعادة اكتشاف هويتي فمنها: كتاب "الحركة الوطنية الأردنية" للدكتور عصام السعدي الذي أعاد بناء التاريخ الأردني خارج السياق الرسمي، وروايتا "سلطانة" و"زنوج وبدو وفلاحون" لغالب هلسا اللتان قربتاني من العالم الذي أعيش فيه، وكتاب "أيام العرب في الجاهلية" الذي يدخلك في شريط سينمائي عن الحياة الجاهلية ويمدك بمعلومات أنثروبولوجية هائلة عن تلك الفترة من تاريخ العرب. وفي المقابل تساعدني كتب عبدالفتّاح كيليطو على إعادة اكتشاف الأشياء والنظر إليها من زوايا متعددة... تجد ذلك في كتاب مثل "الغائب: دراسة في مقامة للحريري" و"أبو العلاء المعري أو متاهات القول" و"لن تتكلّم لغتي".

  • من هو كاتبك المفضّل، ولماذا أصبح كذلك؟

ينطبق الأمر في الكتب الأكثر تأثيرًا على الكاتب المفضّل؛ فأنت تقرأ لكاتب فتظن أنه كاتبك المفضّل حتى يأتي اليوم الذي تجد فيه نفسك تخلّصت من سطوته عليك لتنتقل إلى كاتب آخر... إنّ قصة القارئ مع الكاتب المفضّل تشبه قصة إبراهيم في بحثه عن سؤال الوجود، إلا أنّ الفارق بينهما أنّ القارئ لن يجد جوابه النهائي إلا إذا توقف عن القراءة.

غير أنّ بعض الكتّاب تسحرك –إضافة إلى كتاباتهم- سيرهم الذاتية وقصة حياتهم مثل غالب هلسا الذي أمضى حياته متنقلًا بين المنافي ولم يسمح له ولكتبه بالدخول إلا بعد وفاته؛ إذ إنك ترى في مصيره مستقبلَ الثقافة في الأردن.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟

أفعل ذلك فقط حينما أشعر بأهمية الكتاب وبأنني قد أعود لاحقًا للاستشهاد ببعض المعلومات أو اقتباسها، أو حينما أنوي كتابة مراجعة للكتاب.

  • هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

شخصيًا أفضّل الكتاب الورقي ولا أتشجع لقراءة الكتاب الإلكتروني، غير أن دخول الكتاب الإلكتروني جعل عملية الحصول عليه سهلة، وأصبح من الصعب منع الكتاب وحظره عن الناس، كما أنّ هناك الكثير من الكتب القديمة والمفقودة من الأسواق أصبحت متوفرة على شبكة الانترنت. وحينما أكون مضطرًا للبحث عن كتاب إلكتروني فإنني أقوم بطباعته وقراءته ورقيًا، وقد فعلت ذلك كثيرًا خاصة حينما لا تكون هناك حقوق ملكية.

  • حدثّنا عن مكتبتك

لدي مكتبة جيدة تتكون من أكثر من ألفي كتاب، بدأت بتكوينها وأنا طالب جامعي منذ خمسة عشر عامًا، تضم الكثير من كتب الأدب العربي والعالمي (الرواية والقصة والشعر) وتاريخ الأدب والنقد الأدبي (من طه حسين وشوقي ضيف حتى عبدالفتاح كيليطو وجاك دريدا) إلى كتب التراث مثل الجاحظ (لدي كل أعماله تقريبًا) وألف ليلة وليلة وكتاب الأغاني ، وكتب التاريخ (مثل كتب عبدالعزيز الدوري) وكتب السير والمذكرات إلى كتب علم النفس (أملك مجموعة فرويد كاملة) والفلسفة، وأيضًا كتب الأنثروبولوجيا والتراث الشعبي والبدوي (مثل كتب فراس السوّاح وروكس العزيزي وأحمد عويدي العبادي)، ولدي أعداد كثيرة من سلسلة عالم المعرفة الكويتية، بالإضافة إلى كتب التراث العالمي مثل الإلياذة والأوذيسة وكتاب مسخ الكائنات لأوفيد وكتاب المجلس... إلخ.

 كان يمكن للمكتبة أن تكون أكبر من ذلك، ولكني أهديت وفقدت الكثير من الكتب لأنني أهدي الكتب التي أشعر بعدم الرغبة بإعادة قراءتها ولا أحتاج للعودة إليها، كما أنّ كتبي متاحة للإعارة سواء لأصدقائي أو طلابي وهذا جعلني أفقد الكثير من الكتب... وهو فقد مؤلم ولكن احتكار الكتب فيه أنانيّة أحاول تجنبها.

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

أقرأ في كتاب "آثار استعمارية: تشكيل الهويّة الوطنية في الأردن" للدكتور جوزيف مسعد الصادر حديثًا عن "دار مدارات" في مصر، والكتاب يحاول الإجابة عن سؤالين: كيف استخدمت السلطة الاستعمارية والقصر القانونَ والجيشَ في تشكيل الهويّة الوطنية للأردني؟ وكيف صدّق الوطنيّون الأردنيون هذه الصورة وتبنوها؟ والكتاب في غاية الأهمية وأطروحته متماسكة جدًا، غير أنّ القارئ يشعر أنّ المؤلف لديه مقولات جاهزة يريد إثباتها، ويظهر ذلك في تجاوزه للمعلومات التاريخيّة التي تصطدم مع أطروحته وتنقضها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة نجاة عبد الصمد