26-فبراير-2018

الكاتب دارا عبدالله

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


دارا عبدالله كاتب وصحافي من سوريا، يقيم في العاصمة الألمانية برلين. يدرس في الدراسات الثقافية والفلسفة في جامعة هومبولدت في برلين. له كتابان منشوران: "الوحدة تدلل ضحاياها" و"إكثار القليل". يعمل محرّرًا في "العربي الجديد".


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

أنحدرُ من أسرةٍ كرديَّة سوريَّة في مدينة القامشلي في الشمال السوري، أسرة من الطبقة المتوسِّطة، تهتمُّ بالتحصيل العلمي والثقافة بشكلٍ معقول، وقطباها، أيّ الأب والأم، مهووسان بالنجاح والتفوُّق وتحصيل العلامات. وبحكم نشاط والدي السياسيّ في الأحزاب الكرديَّة السياسيَّة السوريَّة، ووجود وعي قومي حقوقي وديمقراطي واضح، فإنَّ أجواء البيت كان مُسيَّسة بشكل عالٍ. والتسييس بحاجةٍ إلى حدّ أدنى من الثقافة، من الأخْلقَة، وتنمية الضمير، باعتقادي. في مكتبة بيتنا الصغيرة، كانت توجد كتب "دار التقدُّم" المجانيَّة، والتي انتشرت في فترة المدّ القومي العربي واليساري في المنطقة. أتذكَّر بأنّي قرأت كتاب "ما العمل؟" للينين، في فترة المرحلة الثانويَّة، ولم أفهم منه شيئًا. كما أنّي قرأتُ رواية بعنوان "الانتباه" للروائي الإيطالي إلبرتو مورافيا، من ترجمة جورج طرابيشي، وكانت مليئةً بالصور الجنسيَّة والتوصيف الدقيق لجسد المرأة وللعمليَّة الجنسيَّة -بالمناسبة هي تشبه تقريبًا رواية "امتداح الخالة" لماريو بارغاس يوسا- الأمرُ الذي كان يُمتِّع مراهقًا مثلي يخضَعُ لمراقبةٍ شديدة. ويُربَط التحرُّر الجنسي في داخله بالفشل الاجتماعي والدراسي. كما أنّني قرأت رواية لميخائيل ليمرنتوف بعنوان "بطل من هذا الزمان"، واستمتعت بها جدًا وقتها. بالمناسبة، قرأتُ هذه الرواية مرة أخرى قبيل خروجي من سوريا، واستمتعت بها مرّة أخرى. وأعتقدُ بأنَّ سبب إقبالي إلى عالم الكتب والثقافة أيضًا، هو انشغالي بالسؤال الديني في فترة مبكِّرة من مراهقتي. لا أعتقدُ بأنَّه يوجد شخصٌ لم يواجه هذا السؤال، على الأقل مرّة في حياته. والحمد لله بأنّي حسمت هذه الأسئلة مُبكِّرًا. قرأتُ كتبًا لصادق جلال العظم مثل "نقد الفكر الديني- مأساة إبليس"، الكتاب المشهور، بالإضافة إلى كتاب نصر حامد أبو زيد بعنوان "نقد الخطاب الديني". قبيل موجة الربيع العربي، كانت غالبيَّة النقاشات في العالم العربي تدور حول "الحداثة- الأصالة" أو "الدين والإلحاد"، وأعتقد بأنَّ الكثير من الوقت قد تم إزهاقه في تلك النقاشات. الآن، لا أستطيع أن أقرأ كتبًا تتناول الظاهرة الدينية مثل التناول الذي كان شائعًا في العالم العربي بعد هزيمة حزيران عام 1967، حيث التشفّي والكيديّة والهجوم المباشر وأحيانًا التجريح.

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

في كلّ فترة من فترات حياتي، ثمَّة كتبٌ معيَّنة أثّرت فيَّ كثيرًا. تأثّرتُ، مثلًا، وشعرت بالانبهار اللغوي والجمالي لمّا قرأت رواية "السيرتان" لسليم بركات، مع أنّ كتابات سليم الأخيرة لم تعد مفهومةً بالنسبة لي، وصراحةً أتجنَّب قراءته. لاحقًا، في سنوات الجامعة الأولى في كليَّة الطب، قرأت بالصدفة، قصّة "مكتبة بابل" و"ذاكرة فوينتس" لـ خورخي لويس بورخيس، وأتذكّر وقتها بأنّي لم أنم تلك الليلة، وشعرت بالعجز أمام دقّة هذا البناء القصصي المحكم، وانفتاحه اللانهائي على التأويل والتفكير، كشعور فقير مهمّش من الريف، يقف أمام برج برّاق لا يُطال في المدينة. ولاحظت التشابه بين عالم بورخيس وعالم كافكا، ودريت لاحقًا في كتاب ترجمه عابد اسماعيل بعنوان "مساء عادي في بيوينس أيرس" عن حياة بورخيس، بأنَّ بورخيس ترجم رواية كافكا "المحاكمة" إلى الإسبانيّة. في فترة لاحقة، أعجبتُ بكتابات إلياس كانيتي وخصوصًا نصّه الهائل "أصوات مراكش" وهو كتاب في أدب الرحلة يتطرّق إلى النظرية السياسية والاجتماعية. كما أنني شعرت بالذعر عند قراءة "إنسان مفرط في إنسانيته- كتاب العقول الحرة"، بجزأيه لنيتشه من ترجمة علي مصباح. في الجامعة حيث أدرس الآن، قرأتُ نصًّا بعنوان "حول مفهوم التاريخ" لفالتر بينيامين، وأيضاً أثّر فيّ كثيرًا، ناهيك عن عشرات النصوص الأخرى لـ فيتغنشتاين وبرادلي وباول تسيلان. لا يوجد كتابٌ واحِدٌ يؤثِّر فيك بشكل مُطلق في حياتك. والتأثّر بكتاب واحد فقط، وعدم تجاوزه، ما يقود بالنسبة لي إلى الركود والسكون والتوقّف، لأنَّ التأثر بكتاب، يعني، بشكل أو بشكل آخر، اعتناق أفكاره ومعانيه. في كلّ مرحلة عمريّة أو فكريّة ثمّة كتب تؤثر، وبعدها تأتي كتبُ وأفكارٌ أخرى لتحلّ محلها، وهذه هي ديناميكيَّة التثقُّف برأي.

  • من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

كاتبي المفضّل، الآن، هو لودفيغ فيتشغتاين، خصوصًا أنني أدرسه بشكل مفصّل في الجامعة، والفرق بين كتابيه الأساسيين: "رسالة فلسفية منطقية" و"تحقيقات فلسفية". أصبح كذلك، بسبب الحيوية الذهنية ورفعة الأفكار ودقّة النقاش، وربّما غدًا أغيّر رأيي.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟

الآليّة التي أتبعها عند القراءة الجديّة هي على الشكل التالي، علمًا بأنَّ الأمر يختلف عندما أقرأ بالألمانيَّة لأني أكون أبطأ، وأستخدم القواميس، وأبحث عن المصطلحات وسياقاتها التاريخيَّة. أقرأ الكتاب مرّة واحدة بشكل سريع. بعدها، أقرأه مرَّة أخرى بعينٍ أخرى كأنني أدرُسه أو أدرِّسه. أضع في نفسي وضع كأنني سأخضعُ إلى اختبار أو امتحان بالأفكار الموجودة في هذا الكتاب. لا يمكن أن تترسَّخ الأفكار وتُهضَم بشكل حقيقي، إنْ لم تصبح هاجسًا لدى القارئ في فترة زمنيَّة محددة. وينهجسُ المرء بالأفكار إمّا إذا تخيّل نفسه يدرُسُها من أجل اختبار ما، أو يدرِّسُها للآخرين. الشعور بالخطر يضاعف القدرة على التعلّم.

  • هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

لم يتغير شيء. ولا يستهويني النقاش كثيرًا حول الفرق بين الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني. والحديث الشاعري، حول ملمس الورقي ورائحة الكتاب وطعم الحروف (هههه). القراءة قراءة يا أخي.

  • حدّثنا عن مكتبتك؟

لا مكتبة ثابتة لديّ، هي مكتبة متحوّلة، وكثيرٌ من كتبي تضيع. كما أنَّ غالبية الكتب التي أقرؤها عبر جهاز "الآيباد" الرائع. أقسم مكتبي إلى "فكر- أدب- شعر"، ولا تسألني لماذا لا تضع الشعر مع الأدب.

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

أقرأ، الآن، الأعمال الكاملة لفالتر بينيامين بالألمانيَّة صباحًا، وأجد صعوبة كبيرة في فهمها بالألمانيَّة لأنّ لغته معقدة ومتراكبة. مساءً، أقرأ كتابًا وهو عبارة عن قصص مختلفة من أميركا اللاتينيَّة. كما أنني أقرأ الآن رواية "لعبة الحجلة" لخوليو كورتاثار.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة نصير شمّه

مكتبة سناء عون