20-أغسطس-2018

المؤرخ جوني منصور

ألترا صوت - فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


جوني منصور مؤرخ وأكاديمي من فلسطين، ولد في حيفا 1960. له العديد من الكتب التي تركّز على دراسة تاريخ فلسطين والقضية الفلسطينية. من أعماله: "الخط الحديدي الحجازي"، و"معجم الأعلام والمصطلحات الصهيونية والإسرائيلية"، و"حيفا.. الكلمة التي أصبحت مدينة"، و"مئوية تصريح بلفور".


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

للبيت دور مركزي في هذا الميدان. فوالدي، رحمه الله، كان محبًّا للقراءة. وعلى فكرة كان يتقن ست لغات بفعل دراسة بعضها في مدرسته واسمها "السالزيان" بحيفا في فترة الانتداب البريطاني وكانت تدرّس أربع لغات. وتعلم اثنتين في مدرسة الممارسة الحياتية، من خلال الاختلاط والخبرة الحياتية والدراسة الذاتية. فكان أينما تقع عينه على كتاب في مجال الرواية والمسرحية والتاريخ يحضر بعض منها الى البيت. لم تكن مكتبتنا غنية بالكتب، لكن كان فيها ما يكفيني وإخوتي لنقرأ ونستفيد ونتمتع. فالحال الاقتصادي لعب دورًا مركزيًا في تحديد أولويات ما تقتنيه العائلة، لكن الكتاب كان من بينها. ولا بد لي من الإشارة هنا إلى أنني ولدت وعشت حتى نهاية المرحلة الثانوية في حي وادي النسناس بحيفا. وهو أحد أحياء المدينة العربية، وتميز بوضعه الاجتماصي (الاجتماعي – الاقتصادي) الصعب. ولكن عائلات كثيرة تحدّت الصعوبات وواجهت ظروف الحياة القاسية تحت ظل حكومات إسرائيل المتعاقبة والتي هدفها تنفيذ المزيد والمزيد من التضييق والقمع وتنفيذ سياسات تمييزية لجعلنا نتخذ قرارا بالرحيل.

إذًا، بالرغم من الأجواء المحيطة وسلبيتها، إلا أن دفيئة البيت كانت عالمي الأول في السير بدروب القراءة والتمتع والاستفادة منها. ولا بد هنا، واعذروني إن أطلت، أن أشير إلى أمر هام، وهو أنه بعد احتلال إسرائيل لما تبقى من الوطن في العام 1967، أتيح المجال أمام أهالينا وأمامنا بالذهاب إلى مدن الضفة الغربية وغزة لزيارة الأهل والأقارب والمعارف، ومن بين ما كان والدي يقوم به أثناء وصوله إلى جنين ونابلس ورام الله والخليل، هو البحث عن المكتبات وشراء بعض الكتب لتزويدنا بها زادًا معرفيًا ذا قيمة إنسانية واخلاقية ومعلوماتية مهمة جدًا.

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثير في حياتك؟

على ما أذكر أن أول كتاب قرأته في الطفولة هو "ليلى الحمراء". وشدني الكتاب ببساطته وأسلوبه سواء كان بالعربية او بالإنجليزية. فالقصة وإن كانت خيالية إلا أنها تعكس واقع المجتمع. ولا أزال الى يومنا هذا أفكر في المؤلف، كيف نجح في صقل أفكار القصة وحياكتها بهذه الصورة المتقنة. حقيقة أن هناك قصصًا تقرأها في الصغر ثم يمكنك أن تعود لتقرأها في الكبر وتجد فيها ما يمتعك.

أما الكتاب الذي ترك أثرًا جوهريًا في حياتي فهو لإبراهيم نصر الله بعنوان "قناديل ملك الجليل" من حيث سهولة لغته، وتقنية بنائه وعرضه لمرحلة مغيبة نوعًا ما من تاريخ النضال الفلسطيني من أجل الحفاظ على الوجود والشخصية الذاتية... ورواية نصر الله تتطرق بصورة وصفية تخييلية جميلة جدًا لفترة الشيخ ظاهر العمر حاكم منطقة الجليل في منتصف القرن الـ18.  بالرغم من أنني أحب أن أشير إلى عدد كبير من الكتب التي تركت أثرًا، لكن السؤال موجه إلى أحدها، فليكن...

  • من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

هذا سؤال فيه الكثير من الحرج، والصعوبة. فصعوبته أنه يحاصرني باسم ما لكاتب ما. والحرج أن عددًا كبيرًا من الأدباء والكتاب والباحثين لهم مكانة شخصية عندي وأعرفهم عن قرب ولي علاقات طيبة معهم. وأيضًا من حيث كتاباتهم وأسلوب عرض أفكارهم ومناقشتها فكريًا وأدبيًا وسياسيًا وغير ذلك... يعجبني أو بالأحرى أميل إلى متابعة كتاباته الأديب والكاتب إلياس خوري صاحب رواية "باب الشمس"، فنظرته إلى الواقع ليست فقط من ثقب محدودية الواقع، إنما من باب واسع شمولي يأخذك الى مسافات زمنية ومكانية لا تخطر ببالك. أضف إلى ذلك ميله إلى بناء تصور مستقبلي بالاستناد على الواقع الحياتي. أما من جهة أفكاره فهي متنوعة وغير محدودة في مسار واحد، بمعنى آخر أنه صاحب انفتاح فكري ورؤية واسعة بمنظور حداثوي لافت جدًا.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادةً؟

أحيانًا كثيرة أكتب ملاحظات أو أضع إشارات، أو أضيف عبارات معينة خلال قراءتي لنص ما سواء كان أدبيًا أو تاريخيًا أو تراثيًا أو سياسيًا وغير ذلك... وكنت في الماضي أسجل في مفكرة خاصة بعض العبارات لاقتباسها في وقت لاحق عند الضرورة. وأنا أرى في كتابة ملاحظات أو إشارات عملية تفاعل مع الكتاب، ومع كاتبه. وأن القراءة ليست مسألة عابرة، إنما تحمل الكثير من الجهد كالجهد الذي بذله مؤلف الكتاب... فالعملية تبادلية بامتياز.

  • هل تغيرت علاقاتك مع الكتب بعد زمن الكتاب الإلكتروني؟

حدث تغير ما لا يمكن تجاهله. كنت مع بداية انتشار ظاهرة الكتاب الإلكتروني أرفض وجوده، أو بالأحرى أتنكر له. لكن مع مرور الوقت أصبحت أحد رواده، وإن كان ولا يزال الأمر محدودًا ومحصورًا في كتب لا يمكنني الحصول عليها، إما لأنها قديمة وتم نسخها إلكترونيًا ونشرها، أو لأنها غير متوفرة في مكتبة قريبة من موقع سكناي. وأنا شخصيًا لست معارضًا لانتشار الكتاب الإلكتروني، فالواحد لا يمكنه صد هذا التيار الجارف. هذه حتمية وستنتصر في النهاية. لكن، يبقى الكتاب الورقي لمن يحب الكتاب رمزًا وفعلًا للعلاقة التاريخية للإنسان مع الكتاب والأفكار. ورائحة الكتاب كرائحة الخبز المنطلق من وهج نار الفرن محببة لدي. أنا إنسان واقعي، وأحب الواقع ولا أتنكر له، لكني مع الماضي الزخم الذي عشناه، فحتى نحصل على كتاب كنا بشق الأنفس نحقق ذلك ونحرم أنفسنا من كثير من متع الحياة.

  •   ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

حاليا اقرأ عدة كتب في الوقت ذاته وبأوقات متفاوتة، وهي: رواية نور عبد المجيد: "نساء... ولكن"، لأنني مشترك في نادي قراءة ينعقد شهريًا، واخترنا هذه الرواية لمناقشتها. كما أنني بدأت بقراءة المجلد الأول من بين ستة لجلال الدين الرومي بعنوان "المثنوي". وهو عبارة عن مجموعة كبيرة من أعماله وكتاباته. وأيضًا أقرأ كتابًا صدر حديثا للدكتور داود تلحمي بعنوان "الفكرة والدولة" وهو في جزأين يستعرض ويحلل فيهما مسيرة التفاوض بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل نحو أوسلو، وما آلت اليه واستشراف المستقبل. دراسة تحليلية معمقة جدًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة جمال جمعة

مكتبة عبير اسبر