22-مارس-2021

الكاتب جمال جبران

ألترا صوت – فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


جمال جبران كاتب صحافي من اليمن، من مواليد أرتريا. حاصل على ليسانس آداب لغة فرنسية. يعيش في بيروت. ويكتب في عدة صحف عربيّة ويمنيّة، صدر له "كتاب محمد".


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

قبل قصة الكُتب الجميلة. أتت بي رائحة الجرائد. كُنت أنتظر بابا جبران حين عودته بعد نهاية دوامه في الوظيفة الحكومية البسيطة التي كان يشغلها براتب صغير للغاية. راتب لشخص لم يدرس ولم يأخذ شهادة دراسيّة.

كُنت أنتظره في بداية شارعنا القديم وحين يطل أقفز وأخطف الجريدة من جيبه. كنت أستغرب كيف يقوم بتكوير تلك الجريدة ووضعها في جيبه. في مرّة قال لي: بأن تلك النسخة هي تخص رئيس المصلحة التي كان يعمل فيها. وكان من الممنوع خروج أيّ شيء من تلك المصلحة الحكومية إلا بإذن خاص حتى ولو كان فنجان قهوة خال من القهوة. حتى نسخة جريدة. وكان أبي يحترم القواعد والقانون. وأنا أخذت هذه الهواية عنه. ما زلت أحترم القواعد والقوانين في أي مكان أكون فيه. أنا شخص مؤدب.

بعدها، جبران أخبر الرئيس ذاك بالأمر وبأنه يحتاج للجريدة لأن ابنه الصغير الذي أتى من الحبشة، يهوى رائحة الجرائد. كنت أنا ذاك الابن الصغير وآخر العنقود الذي لا يعرف اللغة العربية ويُريد التعلّق بها. أخبره ووافق على الفور ونصحه بأن يأخذ الجريدة من مكتبه نهاية كل يوم وظيفي وأن يضعها في جيبه الواسع. لا يمكن أن يتجرأ أي شخص أن يقوم بتفتيش عجوز يقترب من فترة تقاعده.

وكانت هذه طريقة تربيتي على اللغة العربية، عبر رائحة هذه الجريدة التي كان اسمها "الثورة". وهي الثورة نفسها التي أعادت الجمهورية إلى البلاد وأعادت جبران إلى بلاده (اليمن) وأحضرني معه. وفيها بدأت تعلّم اللغة العربية. لغتي الثانية.

والقول يُعاد هنا. رائحة الجرائد هي التي قامت بتأصيل علاقتي مع المكتبة (الكتب). رغبة أبي (رحمة الله عليه) وهو يجلب الجريدة. إصراره على تعلّمي القرآن في المسجد فجر كل يوم. وللأسف أصابه العمى ولم يعد ينظر. كنت أقرأ له حين كنت في اليمن في أيّامي الأخيرة هناك. لقد صار أعمى، وصرت أنا عيونه.. ومكتبته.

لقد كان هذا الحبيب الكبير يعمل على استثماري. كان يعرف مصيره والعمى الذي سيصل إليه. كان، هذا الحبيب، يعرف بأن أخر العنقود سيكون تحت أمره ويقرأ له صحف العالم.

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

كل كتاب عمل على تأصيل علاقتي باللغة العربية أنا مدين له. لكن هذا سؤال صعب للغاية حين يتمّ توجيهه لواحد ضعيف مثلي، وهو يقترب من الخمسين سنة، وقد انطلق من لغة حبشية إلى لغة عربية إلى لغة فرنسية. رحلة قاسية يصعب اختصارها في كتاب أو كُتب.

كيف يمكن اختصار كل هذه المتعة/ العذاب في سؤال؟

  • من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

لكن كمان هذا سؤال صعب للغاية. أنا واحد جوعان للغاية للكتب ودخلت اللغة العربية متأخرًا جدًا حتى صرت أفهمها. وإلى اليوم أحاول فهمها.  فكيف يُمكن أن أجيب عن هكذا سؤال صارم. كما لا أحب أسئلة التفضيل. كأنك تقول هل تُحب والدتك زمزم التي كانت تعمل ليل نهار وهي تجد الحلول في كيفية مد الحياة في البيت، أم تحب جبران الذي كان يحمي كل شيء؟  تسهيل الأسئلة هي وسيلة رائعة كي نقدر على الإجابة عليها. مع ذلك، على عيني، سوف أُريح هذا السؤال: الروائي المصري نجيب محفوظ هو أهم كاتب في العالم وفي حياتي.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟

لم أفهم طبيعة السؤال. لكن لو كنت تقصد في الزمن السابق. نعم كنت أعمل ملاحظات وتنوين وعطف للصفحات أحتفظ بها لنفسي. لكن لو كنت تقصد الآن: أنا أكتب بحسب شغلي. كتبت مقالات طويلة عن عشرات الكتب العربية والفرنسية وغالبية الإصدارات اليمنية، من روايات وقصص وشعر. بدون تفريق. أيّ كتاب يمني صدر كتبت عنه. بلا تفريق كانت تلك الكتابة. لم أكن أبحث عن أصل كاتبها ولا طائفته. بعد أن وصلت رائحة الطائفية الكريهة إلى اليمن. حتّى أني كتبت عن إصدارات لشخصيات كانت تواجهني العداء أثناء شغلي في التدريس الجامعي في البلاد. لكن أنا حين الكتابة والشغل أنسى القصص القديمة وأرميها خلف ظهري. أهتمّ بشغلي فقط.

وأنسى التفاهات التي راحت.

  • هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

لم تتغيّر أبدًا. أقرأ بأي شيء. في صنعاء كانت تصلني الروايات طازجة قبل العالم وقبل صدورها ورقيًا. سأقول شيئًا: رواية "الموت عمل شاق"، للروائي السوري خالد خليفة وصلتني على الإيميل قبل صدورها. أنا من أوائل من قرأ في البلاد العربية وهي قيد الصدور. قبل أن تصدر.

وكتبت عنها قبل صدورها ونُشر المقال في بيروت وأنا في صنعاء. قرأتها عبر الهاتف الذي معي إلى اليوم. وكان الوقت يومها يفعل مطرًا عجيبًا. قرأتها على التلفون. الجهاز الذكي والعجيب والحبيب.

  • حدّثنا عن مكتبتك؟

لو السؤال يقصد مكتبتي في صنعاء. فهي قائمة. هناك زمزم تحميها. مكتبة كبيرة. جدًا. هي حصيلة القراءة. ونور العين الذي ضاع في تتبعها. بنيتها أنا نسخة نسخة. ورقة ورقة. وماما تحميها هناك. والمكتبة الصغيرة الظاهرة في الصورة هي الأهم بالنسبة لي وكنت أحتاجها وقت الكتابة. والشغل. مراجع وقواميس. في الجزء الآخر من البيت مساحة كبيرة للكتب. المجلات والدوريات. مخزن كبير جدًا.

زمزم، إلى اليوم، تقوم بتنظيف المكتبة. كأني في البيت. كأني سأعود صباح الغد.

 أمّا في بيروت فهناك مكتبة في طور النماء. بل صارت كبيرة فعلًا عبر الاهداءات التي تصلني من دور النشر. هي هدايا بيروت.

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

الأعمال الكاملة للشاعر اللبناني الراحل بسّام حجّار.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة سامح خلف

مكتبة حسام جزماتي