22-نوفمبر-2021

الباحثة والصحافية بيسان طي

ألترا صوت – فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


بيسان طي صحافية ومعدة أفلام وثائقية من لبنان. من مؤسسي موقع "أوان"، وعملت وكتبت في صحف "النهار" و"السفير" و"الحياة" و"الأخبار" وأعدت وثائقيات عرض بعضها على قنوات عالمية مثل "سي. إن. إن" و"أرتي". تحمل إجازة في الإعلام ودكتوراه في "جامعة باريس 8" في الدراسات المسرحية.


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

أشعر وأنا أقرأ هذا السؤال أني من المحظوظين في الحياة، فأنا ولدت لعائلة مثقفة، أبي تحديدًا أستاذ جامعي ومحب للقراءة كما أحب السياسة، يتمتع بثقافة عامة واسعة، ومكتبته التي كان يحملها في كل تنقلاتنا من منزل لآخر خلال الحرب، أو يعيد بناءها كانت غنية جدًا.

ثمة أشياء لا يتذكرها المرء، كيف تعلم النطق بكلماته الأولى، أو كيف تعلم المشي، بالنسبة لي كانت المطالعة ضمن هذه التصنيفات، لا أذكر متى بدأت ألتهم الكتب، ذلك يسبق الصور الأولى التي تمدني بها ذاكرتي. أعرف فقط أن أبي شجعني كثيرًا، كما شجع إخوتي، على المطالعة. أذكر مثلًا وأنا في العاشرة من عمري، وكنا حينها قد انتقلنا هربًا من الحرب الى باريس، بدأ أبي يأخذني الى مكتبة في باريس تبيع كتبًا جديدة وأخرى مستعملة، وكان يعلمني متعة اختيار الكتب، تصفحها، الغرق بين الرفوف. حتى يومنا ما زلت أحس بدفء ذلك المكان.

حين أذكر هذه التفاصيل أشعر أني أكثر ثراء من كل أغنياء بلادي، أنا ابنة الطبقة الوسطى زادي أجمل.

  • ما هو الكتاب أو الكتب الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

كثيرة هي الكتب التي أثرت في حياتي، كثيرة جدًا. طبعًا بينها رواية غسان كنفاني "عائد إلى حيفا"، قرأت الرواية وأنا في سن المراهقة، شكلت صدمة لي، دفعتني للتفكير بشكل معمق في القضية الفلسطينية، رغم أني من عائلة تُعرّف بانتمائها كبير لهذه القضية، إلا أن الرواية كانت أولى خطواتي الشخصية للتعرف على مأساة الفلسطينيين، أن أقرأ عن فلسطين بعدما كبرت وأنا أسمع عنها.

تأثرت كثيرًا بروايات آغاتا كريستي، وقرأتها أيضًا وأنا صغيرة. ومن الكتب التي أثرت بي كثيرًا كتاب الدكتور وليد الخالدي "الصهيونية في مئة عام".

رواية دوستويفسكي "الجريمة والعقاب" هزتني وأنا مراهقة، بل أنها تهزني كلما قرأتها، لقد أعدت قراءتها أربع مرات، آخرها قبل عامين.

عندما كبرت تعددت الكتب التي أثرت بي، ككتاب أدواردو غاليانو "الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتنينة"، مهم جدًا بالنسبة لي. مذكرات واصف جوهرية عن القدس مهمة جدًا بالنسبة لي، أعشق كتب المذكرات على أية حال.

كتاب المؤرخ أسامة مقدسي "ثقافة الطائفية" من أهم ما قرأت منذ سنوات طويلة، ويمكنني القول أن كتاب هارموت روزا "التسريع والاستلاب" الذي قرأته عام 2019 أثر بي كثيرًا. لكن إن كان علي أن أختار كتابًا واحدًا له التأثير الأكبر عندي فإني أختار رواية فؤاد التكرلي "المسرات والأوجاع"، ولا أملك تفسيرًا علميًا لشرح هذا النفوذ لكتاب أطبق على عقلي ومشاعري، كعملية استلاب حقيقية وغنية طبعًا.

  • من هو كاتبك المفضل ولماذا أصبح كذلك؟

الروائي الروسي دوستويفسكي، أعشق شخصياته، قدرته على تفكيك النفس البشرية، علم النفس الانسان، كيف يحوّل حدثًا، برهة من الزمن، لحظة.. إلى عشرات الصفحات من المشاعر والأحداث المكثفة.

أعود للجريمة والعقاب تحديدًا، أذكر في الخاتمة، رغم معرفة القارئ بأن الشخصية الرئيسية ستعترف بجريمتها، لكن الاعتراف حبس أنفاسي، أذكر أني في المرة الأولى التي قرأت فيها الرواية رميت الكتاب من يدي وأن أقرأ صفحة الاعتراف، رميته بل وقع مني لشدة التأثر.

في السنوات الأخيرة، تعرفت إلى أعمال الروائي الياباني ياسوشي إنويه، صاحب "بارودة صيد"، وانبهرت برواياته، لكن دوستويفسكي يبقى الكاتب المفضل لدي.

أما بالنسبة للروائيين العرب فأحب أعمال فؤاد التكرلي وصنع الله إبراهيم بشكل خاص.

  • هل تكتبين ملاحظات أو ملخصات لما تقرئينه عادة؟

بالطبع، خاصة عندما يتعلق الأمر بكتب التاريخ أو الاقتصاد أو الاجتماع، أكتب ملاحظات على هوامش صفحات الكتاب، ثم أنقل الملخص في ملف في حاسوبي.

أما بالنسبة للروايات فكنت أكتب ملخصات لما أقرأه وأنا صغيرة، في المرحلة الثانوية توقفت عن كتابة ملخصات الروايات.

  • هل تغيرت علاقتك مع الكتب مع دخول الكتاب الإلكتروني؟

يمكنني الإجابة على هذا السؤال بالاعتماد على فاصل زمني حددته جائحة كورونا، والأزمة الاقتصادية في لبنان.

قبل الجائحة والأزمة، لم أكن أعتمد الكتب الإلكترونية الا فيما ندر، عند تعذر الحصول على كتاب أو مرجع ما لدراستي في المكتبات.

نحن نمضي أوقات كثيرة أمام شاشة الكمبيوتر أو الهاتف، لذلك كنت أجد في المطالعة للكتب الورقية متعة مضاعفة، متعة القراءة بحرية وبما لا يضر النظر، لا يُتعب العين، بل يريحها.

بعد انتشار الجائحة، تحديدًا عندما التزمنا البقاء في المنزل لأسابيع، وقد تزامن ذلك مع تعمق الأزمة الاقتصادية في لبنان، عندها فقط بدأت بتنزيل كتب لقراءتها على الحاسوب. رغم ذلك فإنني حتى هذا اليوم لا أقوم بالمطالعة – إلكترونيًا- الا نادرًا. عبر الحاسوب أقرأ ما يرتبط بعملي أو بمشاريع بحثية أقوم بها.

حتى اليوم ما زال الطابع الغالب عندي هو أن للمطالعة كتب من ورق.

  • حدثينا عن مكتبتك

تحتاج الإجابة على هذا السؤال إلى الكثير من التفكير، أعترف أني فكرت كثيرًا لأجد إجابة مقنعة بالنسبة لي، أعتقد أن أول ما استنتجته هو أن ما كتبتي هي أكثر ما يشبهني، أستعيد كل رفوفها. أتنبه إلى أن كتبي بمعظمها باللغتين اللتين أعشقهما، اللغة العربية أولًا أرض الثراء لقول كل ما يجول في العقل والقلب، واللغة الفرنسية بعدها. إضافة الى بعض الكتب باللغة الإنجليزية.

عندي عدد كبير من الروايات، ولدي طبعًا اهتمام كبير بكتب التاريخ، بداية من التاريخ العربي من الجاهلية الى يومنا، إضافة إلى اهتمام بدرجة ثانية بالتاريخ العالمي. لدي رف مخصص للكتب عن الحركة الصهيونية، وعن إسرائيل.

لدي الكثير من المذكرات، كتب في علم الاجتماع، الالسنية، طبعًا عندي كتب يمكن تصنيفها في إطار الدراسات المسرحية. وأخرى عن الفنون التشكيلية والغناء.

مكتبتي غنية أيضًا بالكتب الحديثة عن التسريع، علم اجتماع التسريع، فلسفة مرحلة الحداثة المتقدمة، وكتب في الاقتصاد وفي تفكيك النيوليبرالية، لدي كتب كثيرة في نقض العولمة النيوليبرالية وفي دراسة نشأتها.

هكذا باختصار يمكنني أن أقدم مكتبتي.

  • ما الكتاب الذي تقرئينه في الوقت الحالي؟

أقرأ كتاب جورج قرم "تاريخ الشرق الأوسط، من الأزمنة القديمة إلى اليوم".

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة نذير حنافي العلي

مكتبة بان علي