13-يناير-2020

الكاتب والسيناريست بلال فضل

ألترا صوت - فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


بلال فضل كاتب وسيناريست وصحافي وإعلامي من مصر. عمل في عدد من المنابر الصحافية والإعلامية المصرية والعربية، وأصدر العديد من الكتب منها: قلمين، في أحضان الكتب، فيتامينات للذاكرة. ومن سيناريوهاته: صايع بحر، أهل كايرو، 18 يوم، أهل إسكندرية. يعد ويقدّم برنامجي "الموهوبون في الأرض" و"عصير الكتب" في التلفزيون العربي.


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

ولدتُ فوجدت في بيتنا غرفة اسمها المكتبة، كان أبي رحمه الله من هواة جمع واقتناء الكتب، لكنه كان يغلق الغرفة بمفتاح ولا يسمح لأحد بدخولها إلا بإذنه، ويحتكر حق اختيار الكتب التي يراها أولى بالقراءة، وقد قاومت ذلك بطريقتين: الأولى تعلم أفضل طرق سرقة المفتاح حين ينام القيلولة، لأن نومه فيها كان عميقًا، والثانية توفير كل ما أستطيعه من أموال لأشتري الكتب التي يراها أبي ممنوعة مثل إصدارات مكتبة مصر من روايات نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس ويوسف إدريس وغيرهم، وقد كانت أرخص نسبيًا من إصدارات دور النشر اللبنانية، وبالتالي أصبح لدي مكتبة تخصني أخبئها في حقيبة قديمة، ومع السنين كبرت هذه المكتبة حتى كبرت بناتي فوجدن أن البيت تملؤه دواليب الكتب، لأنني رأيت أن ذلك أفضل من حبس الكتب في مكتبة.

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

كل مرحلة ولها كتبها المؤثرة، في الطفولة تأثرت كثيرًا بكتب كامل كيلاني، خصوصًا الكتب التي كان يعيد فيها كتابة الأساطير وقصص التراث، كانت مدهشة بالنسبة لي، بعد أن كبرت أكثر انبهرت بكتاب "بدائع الزهور في وقائع الدهور" لابن إياس وما فيه من قصص عن بدء الخليقة والأنبياء، ثم عرفت بعدها أن النسخة التي قرأتها كانت نسخة شعبية محرفة واختصرت أغلب النص الأصلي، لكنها جذبتني إلى قراءة كتب التراث في وقت مبكر واستفدت من ذلك لغويًا بشكل كبير، وفي المرحلة الثانوية تأثرت جدًا بعدد من الكتب الساخرة لمحمود السعدني وأحمد بهجت وأحمد رجب، وشعرت أنها الطريقة التي يمكن أن تستهويني في الكتابة، وفي الجامعة سحرتني ثلاثية نجيب محفوظ وغيرت من تصوراتي للكتابة، وبعدها عشقت طريقة كتابة صلاح عيسى وإدواردو جاليانو وتأثرت بهما، يعني في كل مرحلة تجد طريقة كتابة تؤثر فيك وتضيف إليك أو تجعلك تعيد مراجعة تصوراتك عن الكتابة.

  • من هو كاتبك المفضل؟ ولماذا أصبح كذلك؟

يصعب كثيرًا أن أختار كاتبًا وحيدًا، ولكن لدي كتاب مفضلون كثر، بمعنى أني أحب العودة إليهم من حين لآخر، هم دون ترتيب: نجيب محفوظ ـ يحيى حقي ـ عزيز نيسين ـ بول أوستر ـ مارك توين ـ ديستويفسكي ـ إدواردو جاليانو ـ جابرييل جارسيا ماركيز ـ طه حسين ـ الجاحظ ـ إبراهيم عبد القادر المازني، كل اسم من هؤلاء قضيت معه أوقاتًا رائعة من حياتي، ومن حين لآخر أعاود قراءة كتبهم. وبالإضافة إلى هذه الأسماء، حاولت أن أضع عدة قوائم للكتب التي أمتعتني قراءتها، والمتعة هي أهم شيء بالنسبة لي في القراءة، نشرت قائمة في نهاية كتابي "في أحضان الكتب"، وقائمة أخرى بعنوان "مفضلاتي المائة في الكتب"، بالإضافة إلى ما كنت أقوم بترشيحه من كتب في فقرة كتاب الأسبوع في برنامج "عصير الكتب".

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟

حسب المزاج المتوفر وقت القراءة، لو كان المزاج رائقًا يمكن أن أقوم بالتخطيط تحت السطور التي أهتم بها وأكتب ملاحظات في الهوامش، لو لم يكن رائقًا أكتفي بثني الصفحة على أمل الرجوع لها فيما بعد، منذ سنة 2005 أقوم باختيار بعض الفقرات التي تستهويني لأنشرها في باب بعنوان "إنهم يكتبونني"، رافقني من صحيفة لأخرى والآن أنشره مرة كل شهر في مدونة الكشكول، وحين يكون هناك وقت أقوم بكتابة بعض الملاحظات على الكتب التي أقرؤها في ملف وورد، على أمل أن تتحول هذه الملاحظات يومًا ما إلى كتابة ما، وأحيانًا أفعل ذلك، وأحيانًا لا يسعفني الوقت.

  • هل تغيرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

لحسن الحظ لست من المتعصبين للكتب الورقية، خصوصًا بعد أن سافرت واضطررت إلى فراق كتبي في القاهرة، أقسم وقت القراءة اليومي بالعدل بين الكتب الورقية والإلكترونية، ساعة ونصف لكل منهما، وللأسف لا يكفي الوقت المتاح لملاحقة السيل المنهمر من الكتب الجميلة التي يتمنى الإنسان قراءتها قبل أن يموت، على أمل أن قراءتها ستغير حياته، مع أنه يعرف أن ذلك لن يحدث.

  • حدثنا عن مكتبتك؟

يمكن أن ألخص علاقتي بمكتبتي في هذه السطور التي وضعتها كإهداء لواحد من أحب كتبي إليّ وهو كتاب "في أحضان الكتب":

"إلى أحب بقاع الدنيا إليّ

إلى تحويشة عمري وبهجة زماني

وشريكة صباحاتي وونيسة لياليّ ورفيقة ضُهريّاتي

إلى مغنيتي عن سؤال اللئيم وصحبة الأنذال

إلى مكتبتي

أمد الله عمري في أحضانك"

كنت قد بدأت العيش في أحضان مكتبتي منذ عام 1992، حين تجاوز عدد كتبها المئة، فأصبحت تستحق قانونيًا توصيف مكتبة، وشاهدتها تنمو وتترعرع من شقة إلى شقة، حتى أصبحت تشغل غرفتين مفتوحتين على بعضهما في الشقة التي ظننت أنني سأختم فيها حياتي، لكنني بعد عام ونصف من نشر الإهداء، فارقتها مصطحبًا معي حقيبتين من المجلدات النادرة، وقبل أن أغادر للعيش في نيويورك سلّمت على جميع الأرفف واعتذرت لها، في طقس حرصت على ألا يشاركني فيه أحد، منعًا لإثارة الشك في سلامة عقلي، لأن أحدًا لن يصدق أن المكتبة تتحدث مع صاحبها، وأن الأرفف التي يهجرها كثيرًا تشتمه وتتهمه بالتفاهة والتحيز. بعد ستة أشهر من الرحلة الجديدة أصبح لدي مكتبة جديدة تواصل النمو وأواصل العيش في أحضانها، وأعتبرها ذراعًا للمكتبة الأم، التي لا أنساها أبدًا، وحين تذهب أمي لزيارتها من حين لآخر، أوصيها بالسلام عليها، وبأن تطمئنها أنها في القلب وعلى البال، وأن أي مكتبة في الدنيا لن تحظى بإهداء كهذا أبدًا، "فما الحب إلا للحبيبِ الأولِ".

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

بعد أكثر من مقلب أخذته في الفترة الماضية في كتب حديثة الصدور، قررت البدء بقراءة روايات "مدن الملح" لعبد الرحمن منيف، والتي كنت قد قرأت جزءًا من أولها في فترة الجامعة ولم أكمله، وأتمنى أن تكون تجربة ممتعة تستحق الوقت الذي سأقضيه فيها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة سليمان المعمري

مكتبة محمد العجاتي