10-ديسمبر-2017

مكتبة الحلبي (فيسبوك)

من المؤكّد اليوم أنّ افتتاح مكتبة يعدُّ حدثًا مفرحًا، لا سيما في ظلّ الجمود الاقتصادي وتدنّي أعداد القرّاء، وانتشار ظاهرة إغلاق المكتبات عربيًا باعتبارها أمرًا لا طائل منه، فضلًا عن أنّها باتت تُشكّل عبئًا على أصحابها ممن تُمثّل مصدر رزق لهم نتيجة انصراف غالبية القرّاء إلى الكتب الإلكترونيّة. لكنّ "مكتبة الحلبي" في العاصمة اللبنانيّة بيروت، وبكلّ تفاصيلها، تؤسّس لظهور نموذج مُختلف من المكتبات العامّة، يعملُ بالدرجة الأولى على جذب الزوّار لا القرّاء فقط، ومن ثمّ تحويلهم إلى قرّاء من خلال ما توفّرهُ عائلة الحلبي من طقوس عائليّة وحميميّة داخل المكتبة.

ربما يكون خبر افتتاح مكتبة من أكثر الأخبار المفرحة في هذه العالم!

المكتبة التي كانت "دكّانة" قبل 60 عامًا من الآن، غيّرت المفهوم السائد عن المكتبات العامّة، إذ أنّها انطلقت من مجهود فردي بدأه عبد الله الحلبي المُحبّ للكتب والقراءة في التسعينيّات، وذلك من خلال التفرّغ لجمع الكتب وعرضها في الدكّانة التي بدأت تتحوّل آنذاك تدريجيًا إلى مكتبة. ابنته لانا التي ورثت عنه حب الكتب والقراءة، استقالت من عملها وتفرغت لإعادة إحياء المكتبة والإشراف عليها عبر عدّة مراحل تُحدّثنا عنها هنا.

اقرأ/ي أيضًا: مكتبة الحلبي" في بيروت.. جارة "الحرش" واحةٌ من نوع آخر

تقول لانا الحلبي لـ"ألترا صوت" إنّ ما دفعها لإعادة إحياء المكتبة وافتتاحها هو رغبتها في تحقيق حلم والدها في تحويل المكتبة إلى مكتبةٍ عامّة، من خلال ما جمعهُ من أعدادٍ هائلة من الكتب وصل عددها إلى 15 ألف كتاب، فضلًا عمّا يساويها من مجلّات وجرائد، وذلك بعد رفض عدد من الجمعيّات والمنظمّات الحكوميّة القيام بالأمر وتنظيمه. هذا من الناحية الشخصيّة، أمّا من الناحية العامّة، تقول لانا إنّ الهدف من إعادة افتتاح المكتبة يتمثّل في إتاحة الكتب القديمة والنادرة للقرّاء وخلق مساحة ثقافيّة وأجواء عائليّة تكون بالدرجة الأولى مُشجّعة على القراءة.

لا تأخذ المكتبة شكلًا مُشابهًا للمكتبات العامّة الضخمة، أو حتى المكتبات المختصّة ببيع الكتب، بل شكلًا يوحي للزائر بأنّها مكتبة منزليّة نظرًا للتصميم المنفردة به عن بقيّة المكتبات في بيروت أو لبنان، والمخفف أيضًا من عبء الحداثة والتكنولوجيا في محاولة جادّة للعودة إلى مراحل زمنيّة معيّنة لعبت دورًا مهمًا في إبراز أهميّة القراءة. الدور ذاته تلعبه اليوم مكتبة الحلبي التي لا تكفّ عن حثّ الآخرين على القراءة من خلال نشاطات وفعاليّات مُختلفة، بدءًا من نادي القراءة التي تُديره لانا، والنشاطات الخاصّة بالأطفال أيضًا، وعدّة أمور أخرى.

المكتبة، بحسب لانا، تحمل على عاتقها مهمّة تشجيع الناس، بمختلف الفئات العمريّة، على القراءة. حيث تقيم المكتبة نشاطًا خاصًّا للأطفال يتمثّل في قراءة كاتب أو متطوّعٍ لكتب مُخصّصة لهم تحرص لانا على انتقائها واختيار ما يحملُ فكرةً أو هدفًا منها. بالإضافة إلى نادي القراءة الذي أطلقتهُ لانا تزامنًا مع ذكرى النكبة الفلسطينيّة بهدف تسليط الضوء عليها، واختيار رواية "عائد إلى حيفا" للراحل غسّان كنفاني كأوّل رواية تُناقش داخل النادي، لما تحمله من معاني تحدّي ومقاومة.

ما يميّز مكتبة الحلبي عن سواها أيضًا هو علاقة أسرتها المباشرة والوطيدة مع القرّاء

ينتشر النادي حاليًا في كلّ من بيروت طرابلس صور وصيدا، فضلًا عن النشاط الأخير الذي يعدُّ الأضخم في المكتبة، وهو حفلة شاي استلهمتها لانا من حكاية "أليس في بلاد العجائب" وأقامتها أمام المكتبة، تضمّنت أيضًا توزيع كتابٍ مجانيّ لكلّ زائر بهدف تشجعيه على القراءة أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: مكتبة خضر الآغا

ما يميّز مكتبة الحلبي عن سواها أيضًا هو علاقة أسرتها المباشرة والوطيدة مع القرّاء. إذ أنّها لا تكتفي ببيعهم الكتب فقط، إنّما تحرص على معاملتهم كأصدقاء من خلال تبادل الأحاديث معهم والأفكار، ومن خلال سرد عبد الله الحلبي لذكرياته عن المكان والمكتبة لهم، ما يشكّل بذلك أصدقاء وزوّار دائمين للمكتبة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبات الآخرين

عن مكتبات تركيا