10-ديسمبر-2018

الشاعر والكاتب أحمد قطليش

فريق التحرير – ألترا صوت

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


أحمد قطليش كاتب من سوريا. لديه إصداران في القصة والشعر هما: "مذاق باب شرقي" و"هذا الرخام تشقق". يعمل في التحرير الصحفي والتسجيل الصوتي. مؤخرًا أصدر مختارات مقروءة ومسموعة من شعر المنفى السوري بعنوان "نخال الخطى".


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

كنت في الصف العاشر عندما ذهبت لأول مرة إلى المكتبة. أذكر أنها كانت مجرد خزانة على جدار واحد في إحدى غرف الثانوية، فتح لي أمين المكتبة واجهة الزجاج المقفلة وأعطاني رواية "بائعة الخبز" لكزافييه دو مونتبان. الكتاب كان مهترئًا إلا أنني قرأته في يومين، وبدأت بعدها أحاول البحث أكثر فيما يجب علي أن أقرأ. لم يكن في محيطي سواء من العائلة أو الأصدقاء أي شخص قارئ أو لديه مكتبة ما جعل الأمر أكثر صعوبة وغرابة. بالمصادفة وجدت مكتبة صغيرة في حارة ضيقة دخلت وتحدثت مطولًا مع صاحبها عن الكتب التي كنت قد قرأت وعطشي للقراءة مع سؤال لم أجد له أي جواب فعلي إلى الآن وهو لماذا أقرأ؟ تتغير الإجابات كل فترة لكن لا أجد جوابًا شافيًا إلى الآن. صاحب المكتبة أصبح بعد ذلك "الأب الروحي" لي، أشتري الكتب بأسعار زهيدة كثمن سندويشة الفلافل. أول كتاب أعطاني إياه مقابل عشر ليرات كان مجموعة قصصية من الأدب الجيورجي اسمه "فانو وداتو".

مع تلك الزيارات الكثيرة له وقراءة أشياء مختلفة ما بين الشعر والسرد والفلسفة والدين، كان فيصل (صاحب تلك المكتبة) لا يساعدني في اختيار أي كتاب، وكان هذا مزعجًا في البداية إلا أنه ساعدني لآخذ طريقًا دون توصيات أو معرفة مسبقة، أو حتى تلك الاختيارات الجماعية التي تأتي من الأصدقاء المثقفين، هذه الحالة التي تكتشفها لاحقًا لحاجتك أن تقرأ بعض ما يقرؤون لتشتم الكتّاب الآخرين وجماعاتهم وتجمعاتهم بما تتفرع إليه من توجهات سياسية أو قومية أو أيديولوجية. ما كان يساعدني فيصل به هو العمل معي على اللغة وقراءة بعض كتب التراث والشعر القديم لأتغلغل في اللغة العربية، وكان هذا مزعجًا ومملًا في كثير من الأحيان. إلا أنه من الأشياء التي أشتاقها الآن لذلك أحتفظ هنا بمكتبتي في ألمانيا بكتاب صغير من تلك الكتب وهو "فقه اللغة" للثعالبي. إضافة إلى ديوان المتنبي وأنتظر وصول نسخة من ديوان بدوي الجبل فقط لأراجع بعض القصائد التي كنا نقرأها سوية.

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

هذا سؤال محرج لأني أظن أننا في كل فترة ننتهي إلى كتب جديدة نفضلها ونشعر أحيانًا بسذاجة حبنا الكبير لكتب سابقة. إلا أنني أشعر أنني مدين لفترات قراءة معينة فعلى سبيل المثال أذكر أنني بعد سنتين أو أكثر من بدايتي للقراءة بشكل جاد كنت أقرأ ثلاثة كتب في آن واحد رسالة الغفران وأوديب ملكا وإلياذة. كان الأمر مرهقًا جدًا آنذاك إلا أنني أردت أن أعرف لماذا هذه الكتب عظيمة أو كان شبه تحد لمحاولة القراءة باتجاهات متعددة ومتنافرة أحيانا ما بين اللغة الأسلوب والأصل والفترة الزمنية وما يلزم لفهم أو تذوق هذه الكتب. الآن أنا مدين للإنترنت وخاصة البودكاست فأي كتاب أقرأ فيه الآن وأشعر بفجوة ما أحاول أن أبحث عما يردم تلك الفجوة عن طريق القراءة والاستماع لتفاصل أكثر حول نقاط لها خصوصية معينة. مؤخرا كنت أقرأ كتاب حنة أرندت "أسس التوتاليتارية" وكنت أواجه بعض الفجوات الربط التاريخي إلا أنني وجدت العديد من المحاضرات الصوتية "بودكاست" تشرح تلك الأمور وهي محاضرات متفرقة في جامعات عالمية كأوكسفورد. ومع صعوبة استقبال تلك المواضيع بلغة ثانية كالإنجليزية إلا أنها بالنسبة لي أسهل من القراءة والبحث بهذه اللغة.

  • من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

الكاتب الأقرب لقلبي هو تشيخوف، وإن كان الآن خارج قائمة الكتاب المفضلين لدي إلا أني منذ بداية قراءتي له كنت أقرأ أكثر عن حياته الشخصية، وهذا ما قربني منه أكثر لأننا عادة ما نجد صعوبة في محبة الكاتب على الصعيد الشخصي والإبداعي في آنٍ واحد. أذكر بأنه قبل خروجي من سوريا كان هناك كتاب جديد في السوق بعنوان "دفاتر سرية" لأنطون تشيخوف من ترجمة جولان حاجي. حينها مشيت دمشق كلها من مكتبة إلى أخرى بحثًا عنه إذ أنني لم أستطع استخدام وسائل النقل بسبب حواجز الجيش التي لا أستطيع المرور عبرها. هذا الكتاب مع عدة كتب أخرى (مسرحيات تشيخوف، رواية تلك العتمة الباهرة، الموسوعة المسرحية، ديوان لأوكتافيو باث وآخر لنيرودا، ورواية لأوسكار وايلد وكتب أخرى نسيتها) حملتها معي في حقيبة ملابسي عندما حاولت العبور من الحدود السورية إلى مخيم الزعتري، حيث كان علينا أن نمشي لساعات عديدة في الليل، وكنت أفكر مرارًا بالتخفف منها لثقلها إلا أنني لم أستطع رميها آنذاك.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟

هذا يعتمد على الكتاب الذي أقرأ، لكن كثيرًا ما أضع بعض الملاحظات للمواضع التي أود العودة إليها في الكتاب، أو أجد فيها إحالة أو معالجة لمواضيع أحاول أود متابعتها لاحقًا.

  • هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

الكتب الإلكترونية منقذ عظيم لوجودي في بلد لا يحتوي على أي مصادر جيدة للكتب العربية، وبالرغم أنني أشعر بالضيق من قراءة الكتب المسروقة إلا أنني لم ولن أمنع نفسي عن ذلك. أظن أن هناك فجوة في تسويق الكتاب العربي الإلكتروني لكنني لا أشعر أنه من المنطقي أن أنتظر أن تحل هذه المشاكل. منذ عدة شهور اشتريت العديد من كتب المسرح العالمي الصادرة في الكويت ككتب إلكترونية، رغم توفرها بنسخ مسروقة إلا أنني وجدت أن السعر جيد وتقنية الشراء جيدة وسهلة. أما الكتب الصوتية فإلى الآن أجد صعوبة في تقبلها لأنني أعمل أيضًا في هذا المجال أحيانًا، وعلى قناتي الخاصة لتسجيل الأدب. إذ أنني كلما حاولت الاستماع لكتاب صوتي ووجدت مشاكل في الصوت أو التقنية المستخدمة أشعر بتشتت كبير يمنعني من متابعة الاستماع.

  • حدثنا عن مكتبتك؟

المكتبة الأولى التي حظيت بها كانت في الثانوية العامة، حيث كان أبي يكره الكتب، كنت أدخلها خلسة إلى البيت وأحتفظ بها في صندوق الكنبة في غرفتي، لكنني قبل أن أنهي الثانوية العامة قمت بصنع مكتبة صغيرة بيدي وعلقتها في الغرفة ووضعت فيها الكتب كتحدٍ صغير بيني وبين أهلي. غالبية الكتب التي كنت أقتنيها آنذاك كانت من مكتبة صديقي أو كنت اشتريتها من تحت جسر الرئيس حيث بسطات الكتب المستعملة والقديمة، وخصيصًا تلك التي كانت مطبوعة أيام الاتحاد السوفييتي من داريْ "مير" و"رادوغا" وغيرهما. إلا أنني لم أمتلك مكتبة ضخمة قط، فمع المشاحنات السابقة مع الأهل بسبب الكتب، أصبحت عندي ردة فعل أنني كنت أهدي الكتب دائمًا لمن يودها. وأحتفظ بالنسخ القديمة أو النادرة أو تلك التي بيني وبينها علاقة ما، إلا أن هذه المكتبة المنتقاة أصبحت في المجهول بعد تبديلها بمكتبة أكبر عندما انتقلنا إلى بيت جديد ومن ثمّ فقدانها بعد لجوئي للأردن حيث تشكلت لدي مكتبة جديدة هناك دون معرفة بمصير المكتبة السابقة حيث كان لا يزال البيت في أحد الأحياء المخلاة.

في الأردن أصبحت أكثر لؤمًا تجاه الكتب حتى أنني في بعض الأحيان أرفض إعارتها، وان أراد أحدهم كتابًا ما أقوم بشراء نسخة جديدة له وأحتفظ بكتبي لنفسي، وكانت مكتبة كبيرة إلى حدٍ ما إلى أن هاجرت إلى ألمانيا وتركتها خلفي. أخذت بعض الكتب منها إلا أنها لا تزال حتى الآن قائمة في البيت الذي تركته.

في ألمانيا أيضًا كانت من الصعب أن أضع مكتبةً على جدار. بدايةً كنت في بيت الكاتب الألماني هاينرش بول لما يقارب العام، ثم انتقلت عدة انتقالات عندما قدمت طلب اللجوء. ما بين بيوت الأصدقاء وإقامة لمدة أربعة شهور في مأوى العجزة، وأحيانًا في "الهوستيل" كانت كتبي تتنقل معي في حقيبة ثقيلة. إلا أني الآن في بيتي الصغير قمت بإنشاء مكتبة صغيرة أحبها، لكن أيضًا أشعر بالبؤس أنني كلما مررت من إحدى المكتبات في ألمانيا لا أستطيع أن أدخل وأشتري بعض الكتب لأضعها فيها. لا أستطيع أن أقوم بهذه العملية المغرية التي كنت أفعلها في سوريا والأردن وذلك لندرة الكتب العربية هنا.

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

حاليًا أقرأ في كتاب "من البنيوية إلى الشعرية"، وهو عبارة عن مقالتين مطولتين لرولان بارت وجيرار جينيت. وبالرغم من أنني أجد صعوبة في التواصل الجيد، ربما بسبب إشكالية الطرح والترجمة، إلا أنني أجد أنه يفتح أسئلة مهمة في اللغة وتناول اللسانيات لبنية النص، إضافة إلى الطرق المتشعبة التي يفتحها في النص الأدبي وتحديده قبل تحليله على أساسات غير ثابتة وسريعة التغير.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة رشا عدلي

مكتبة ربيعة جلط