02-أغسطس-2021

المترجم أحمد عزيز سامي

ألترا صوت – فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


أحمد عزيز سامي مترجم عراقي. خريج كلية الآداب، قسم اللغة الإنجليزية وآدابها في الجامعة المستنصرية. صدر له في الترجمة، بالشراكة مع سارة أزهر الجوهر، زوجته، أربعة كتب هي: "كونديرا: كتاب الضحك الشيطاني" مجموعة من المؤلفين، و"رسائل جورج أورويل"، و"أنا عبودة ديناميت: حياة فريدريش نيتشه" لـ سو بريدو، و"إنكار الموت" لـ إرنست بيكر.


  • ما الذي جاء بك الى عالم الكتب؟

إن القراءة هي الباب الذي تتأتى منه الكتب. وما إن أتقنت القراءة، حتى صرت مولعًا بالكتب وأغلفتها وعناوينها ومضامينها. كان لوالدي فضل كبير في هذا الجانب، فقد كان يراكم حولي قصص الأطفال التي تصدر عن دائرة ثقافة الأطفال – وأغلبها كانت قصص مستلهمة من الحرب العراقية الإيرانية – والمجلات، كمجلات "المزمار" و"ألف باء".

علاوة على ذلك، كانت في بيت جدي مكتبة لعمي، وهي مكتبة مقبولة من ناحية عدد كتبها وتنظيمها والعناوين التي تشتمل عليها. كنت في الحادية عشر من عمري تقريبًا حينما أصبحت كتب وقصص الأطفال عادية بالنسبة لي، وبدأت باستعارة الكتب من مكتبة عمي بعلمه أو دون علمه.

كان كتابي الأول مجموعة من الأغاني الشعبية والتراثية البغدادية التي ينشدها الصبيان والفتيات عند اللعب، لكن بسبب الظروف الاقتصادية العصيبة التي مر بها العراق في تسعينيات القرن المنصرم، عمد عمي إلى بيع مكتبته ولم يبق من كتبه سوى روايات دوستويفسكي ونسخة من رواية "بطل من هذا الزمان" لمؤلفها ليرمنتوف، وما زال حتى اللحظة يحتفظ بهذه النسخ.

هذا ما دفعني إلى أن أشرع في قراءة كتب والدي الدينية، وكانت كتبه قليلة على كل حال بسبب الخوف من النظام السابق. كان أول هذه الكتب هو كتاب "الإمام الصادق والمذاهب الأربعة". بيد أن تجربتي الحقيقية الأولى مع الكتب وقعت عندما كنت في الرابعة عشر من عمري.. عندما اشتريت بمالي الخاص رواية "كبيتان" لميشيل زيفاكو. ما زلت أحتفظ بالجزء الثاني منها، وهي رواية فروسية رومانسية فرنسية، تسرد مغامرات بطلها كبيتان. صرت منجذبًا صوب الرواية وعوالمها وقدرتها الهائلة على الخلق.

أتذكر بعدها أنني اقتنيت رواية لأغاثا كريستي – والتي لم أقرأ لها سوى تلك الرواية وكان عنوانها "مصرع اللورد" على ما أذكر – كما اقتنيت الجزء الثاني من رواية "ذهب مع الريح" لمارغريت ميتشل، على أنها كانت طبعة مختصرة عن الرواية. توالت السنوات وعلاقتي بالكتاب تشتد حينًا وتبرد حينًا آخر، حتى دخلت قسم اللغة الإنجليزية وآدابها طالبًا في الجامعة المستنصرية، كلية الآداب، في عام 2005، فتوطدت علاقتي مع الكتاب أكثر، وصارت الرواية والمسرح والشعر والنقد مجالات تخصصي.

  • ما هو الكتاب أو الكتب الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

من الصعب الحديث عن كتب معينة دون غيرها من بين مئات الكتب التي تركت أثرها في نفسي وطريقة تفكيري. ولتسهيل هذه السؤال الصعب، سأقسّم الكتب حسب حقولها المعرفية. على صعيد علم النفس كان لثلاثية فرويد "الحلم وتأويله"، و"ما وراء مبدأ اللذة"، و"الأنا والهذا"، بالغ الأثر عليّ، وهي من الكتب التأسيسية لعلم النفس التحليلي. وعلى ذكر فرويد، فإن كتاب صديقه وعدوه في آن كارل يونغ "بين يهوه وأيوب" هو واحد من الكتب التي تدير رأس القارئ بزاوية 360 درجة.

هنا أذكر أيضًا كتاب تلميذ فرويد النجيب إريك فروم "ما وراء الأوهام"، وهو أحد أهم الكتب التي تطرقت للثيمات المفتاحية التي يشتغل عليها كلٌ من فرويد وماركس. في الفلسفة، أذكرُ كتاب "رسالة في اللاهوت والسياسة" لباروخ إسبينوزا، لأنه كتاب يفضح الكثير من التفسيرات والتأويلات الدينية المجانبة للصواب عمدًا. ثم "هكذا تكلم زرادشت" لفريدريك نيتشه، وهو كتاب ترك أثره على الملايين، وما زال يحظى بنفس القدر من الأهمية والتأثير بعد مرور أكثر من مائة عام على صدوره.

هناك أيضًا كتاب ألبير كامو "الإنسان المتمرد"، وهو كتاب قرأته لعدة مرات لشدة تعلقي به، وما زلت أردد في بعض الأحيان مأخوذًا بكتاب كامو "أنا أتمرد، إذن أنا موجود". في الرواية، "طبل الصفيح" لغونتر غراس هي الرواية الأهم في نظري بعد الحرب العالمية الثانية. وهناك "أطفال منتصف الليل" لسلمان رشدي، ولكافكا "المسخ"، ولميلان كونديرا "كائن لا تحتمل خفته"، وثلاثية أسلافنا لإيتالو كالفينو: "الفيسكونت المشطور"، و"البارون المعلق"، و"الفارس الخفي".

  • من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

كثيرون هم الكتّاب المفضلون عندي. لكن يمكنني أن أعدد عدة أسماء قريبة عليّ، مثل خورخي لويس بورخيس، الشاعر والحكواتي. يعجبني بورخيس لأنه يعمل عمل الخالق في أعماله، هي شغلة متعبة لكنه يبدع في رسم مخلوقاته السحرية. صامويل بيكيت هو أحد الكتّاب الذين أراهم الأفضل في تأريخ الأدب، أنا معجب ببيكيت لأنه يعري الوجود ويكشف عيب العالم، حيث لا للوجود معنى ولا العالم عاقل، أنا مدمن على التفكير في تحفته المسرحية "في انتظار غودو". كما أنني معجب بـ إيتالو كالفينو، لأسباب مشابهة للأسباب التي جعلتني معجبًا ببورخيس.

وفي هذا السياق، لا يمكنني الحديث عن كتّابي المفضلين دون التعريج على ميلان كونديرا، هذا الرجل الذي يعتبر الرواية صنعته، وهو بحق ماهر فيها. يدهشني كم من السهل عليه أن يعيد كتابة تأريخ البشر عبر الصدفة والتفاهة والشبق والكراهية. أما الرجل الذي يتصدر كتابي المفضلين فهو نيتشه، هذا الشخص الجدلي في تأريخ الفكر البشري، الذي حول أسقامه وعلله إلى وصفات مكتوبة بماء الذهب يحيى بها الإنسان ويعيش، وهذا عمل مشابه لعمل الخيميائي الذي يقلب التراب ذهبًا.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟

كتبت بعض المراجعات لعدد من الروايات ونشرتها على صفحتي في الفيسبوك، ولكن منذ دخولي عالم الترجمة وأنا لا أجد الوقت لأكتب عما اقرأ، ولكنني في بعض الأحيان أنشر بعض الاقتباسات التي تنال اعجابي.

  • هل تغيرت علاقتك بالكتب بعد دخول الكتاب الالكتروني؟

كلا لم تتغير. بين عامي 2013 و2014 قرأت كتابين الكترونيين كنت مضطرًا لقراءتهما بهذه الطريقة لعدم توفرهما بصيغة ورقية، ولم أقرأ من حينها أي كتاب إلكتروني. لست بالضد من الكتاب الإلكتروني، لو كان كتابًا يستوفي شروط النشر، من حقوق تصوير ونشر وترجمة وأشياء تقنية أخرى، لأننا نشهد اليوم موجة تزوير وقرصنة كتب كبيرة، قد تعرِّض عالم النشر والكتب في الوطن العربي بشكلٍ عام لضربة قاضية.

  • حدثنا عن مكتبتك؟

لا أعامل مكتبتي معاملة من يعامل الشيء – الشيء بوصفه جمادًا وكيانًا ماديًا – بل مثل جزء من جسدي وروحي ينمو ويكبر خارج كياني. بدأت بتكوين مكتبتي، التي كانت صغيرة في البداية، رويدًا رويدًا من روايات كنت أقتنيها بأسعار زهيدة من شارع المتنبي. ثم بدأت قراءاتي تسلك سبلًا أخرى غير سبيل الرواية، فشرعت أبحث عن أعمال أفلاطون وأرسطو وديكارت وصولًا إلى نيتشه، الفيلسوف الذي أمتلك جميع كتبه المترجمة إلى العربية.

مكتبتي اليوم تكبر بشكل متسارع حتى صرتُ أخشى أنني لن أقرأ كل ما فيها من عناوين بسبب المشاغل ومحدودية عمر المرء. وبرغم تلك المخاوف، إلا انني لا زلت أرفدها بالكتب والكثير من الكتب، حتى بات بيتي بأكمله مكتبة، كتبٌ في الدولاب وعلى السرير وفوق الارائك.

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

أقرأ حاليًا رواية "الأوركسترا الليلية" لرضا قاسمي، وهي رواية إيرانية مهمة حصدت الكثير من الجوائز بعد صدورها عام 1996، بترجمة غسان حمدان. كما أقرأ لأحد كتّابي المفضلين وهو إريك فروم "الحكايات والأساطير والأحلام"، وأوشك تقريبًا على الانتهاء من كتاب "دفاعًا عن الأدب" لكلود رَوى، الصادر عن "دار عويدات" عام 1983 بترجمة هنري زغيب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة سارة أزهر الجوهر

مكتبة سلمان عز الدين