02-يونيو-2020

تجمع للمتظاهرين المناهضين للفاشية احتجاجًا على تجمع مماثل لليمنيين في مدينة بورتلاند العام الماضي (Getty)

تصّدرت كلمة "أنا أنتيفا" قائمة الوسوم التي أعاد نشطاء منصة التواصل الاجتماعي تويتر يوم الأحد استخدامها في تغريداتهم، في خطوة تؤكد تضامنهم مع منظمة أنتيفا اليسارية المناهضة للفاشية، بعدما صنفها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إحدى تغريداته على أنها "منظمة إرهابية"، وهو ما يتعارض مع قوانين الحكومة الفيدرالية الأمريكية التي تمنع  تصنيف جماعة محلية بالكامل على أنها "إرهابية".

تصّدرت كلمة "أنا أنتيفا" قائمة الوسوم التي أعاد نشطاء منصة التواصل الاجتماعي تويتر يوم الأحد استخدامها في تغريداتهم، في خطوة تؤكد تضامنهم مع منظمة أنتيفا اليسارية المناهضة للفاشية

وتوسعت رقعة الاحتجاجات في عموم المدن الأمريكية بعد نشر وسائل إعلام مقطعًا مصورًا يظهر شرطيًا أبيض يضغط بركبته على عنق جورج فلويد، وهو أمريكي من أصول أفريقية، قبل أكثر من أسبوع، مما أدى لوفاته بعد وقت قصير من نقله للمستشفى، وتخلل المقطع استمرار الشرطي بالضغط على عنق فلويد الذي كان يردد "أرجوك.. لا أستطيع التنفس.. أنت تقتلني" قبل أن يفقد الوعي بعدها بلحظات.

اقرأ/ي أيضًا: احتجاجات هونغ كونغ.. هل تكرر بكين سيناريو ساحة تيان أنمين؟

وبرز واضحًا في تصريحات ترامب ترافقها مع حملة التأييد التي نظمها مسؤولون في الحزب الجمهوري أو النشطاء والصحفيون اليمينيون لمهاجمة المنظمة اليسارية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في محاولة للتصدي لحملة التضامن المحلية مع المنظمة، وتهيئة الرأي العام المحلي لما يمكن أن يكون امتدادًا لحملة قمع على نطاق واسع قد يقوم بها الحرس الوطني بعد انتشاره في أكثر من 16 ولاية، بما فيها العاصمة واشنطن، من حيثُ محاولة ترامب تجريم الاحتجاجات ضد العنصرية، على اعتبار أن كل متظاهر ينتمي لأنتيفا.

اليسار الأمريكي.. من السيناتور مكارثي إلى الرئيس ترامب

في دفاعه عن موقف الرئيس ترامب من المجموعة اليسارية، أشار البيت الأبيض لاستخدام وزارة العدل الأمريكية تعريف "المنظمات الإرهابية" في السابق لتطوير آليات التحقيق ولتطبيق عقوبات أشد، موضحًا أن القانون سوف يستخدم "كطريقة ملاحقة قضائية"، وهو ما يعزز الشكوك حول توجه إدارة ترامب لاستهداف المشاركين في الاحتجاجات بشكل عشوائي تحت ذريعة انتمائهم للحركة اليسارية التي جرت مهاجمتها مرارًا وتكرارًا خلال الأعوام السابقة من السياسيين الجمهوريين والرئيس ترامب لاحقًا.

تُذكر حملة الرئيس ترامب المستمرة ضد أنتيفا، بحملات سياسية مشابهة نفذتها السلطات المحلية اتجاه المجموعات اليسارية بشكل عام، أو حتى الأمريكيين من أعراق مختلفة خلال تاريخ الولايات المتحدة القصير الذي يقوم على "العنصرية، والتمييز الجنسي، والقوة والامتياز" كما تصفه حركة فيمن النسوية حتى ما بعد الحرب العالمية الثانية، التي نجم عنها ما بات يعرف بحقبة الحرب الباردة بين المعسكر الأمريكي والمعسكر السوفياتي.

وتبقى الحملة التي نظمها السيناتور عن ولاية وينكسون جوزيف مكارثي في خمسينات القرن الماضي حاضرةً في الأذهان، بعدما قدم قائمة ضمت 205 موظفًا في الخارجية الأمريكية ونجوم هوليوود للاشتباه بأنهم شيوعيون أو لديهم ميول شيوعية، بعدما أقر الكونغرس الأمريكي قانون مكاران للأمن الداخلي الذي يلزم الحركات الشيوعية بالتسجيل لدىها رسميًا، حتى يتسنى مراقبتها أمنيًا تمهيدًا لبدء الحملة ضد أعضائها، وتجاوز الكونغرس في قراره فيتو الرئيس هاري ترومان بعد تصويت غالبية أعضائه على القانون.

وعقب ذلك انطلقت في الولايات المتحدة حملة مطاردة شاملة وغير مسبوقة في القرن العشرين أدت إلى اعتقال آلاف الشيوعيين أو الذين يشك بأن لديهم توجهات شيوعية، وجرى تقديمهم إلى القضاء بتهمة محاولة الإطاحة بالحكم بالقوة أو العنف، وتوسع نفوذ مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي قدم للمؤسسات الحكومية والجامعات مذكرات غير قابلة للتعقب ومجهولة المصدر، تتضمن قوائم اسمية توصي بعدم تعيين الأسماء الورادة في منصب أو عدم تجديد عقدها أو الوظيفة التي تتولاها، وفقد حينها قرابة ألفي موظف حكومي مناصبهم على خلفية الحملة.

ولم تنته الحملة التي قادها مكارثي لمكافحة من وسمهم بـ"الوباء الأحمر"، إلا بتدخل قيادات عسكرية كشفت أدلة تظهر محاولة مكارثي كسب معاملة تفضيلية لمساعديه عندما تم تجنيدهم، برفقة قرار بث جلسات المحاكمات عبر شاشة التلفزيون الوطني، مما سمح لملايين الأمريكيين بمشاهدة ترهيب السيناتور الأمريكي للشهود بعرض ردود على أقوالهم للمرواغة عند استجوابهم، وبعد بث جلسات المحاكمة على الهواء بوقت قصير صوت مجلس الشيوخ على إدانة مكارثي بسبب أسلوبه "غير المبرر والمستهجن والمبتذل والمهين".

لماذا حركة أنتيفا الراديكالية؟

لا يبدو إعلان الإدارة الأمريكية المثير للجدل غريبًا في تصنيفه للحركة اليسارية كمنظمة إرهابية في دولة تقوم بالأساس على العداء التاريخي للحركات اليسارية بشكل عام، حتى ما بعد إدانة السيناتور الجمهوري مكارثي، والتي فعليًا تخللها تنظيم اليوم الوطني للإفطار والصلاة بشكل سنوي منذ عام 1953 لمكافحة المد الشيوعي عالميًا، والذي تأسس فعليًا بحسب جيف شارلت الذي يروي في كتابه "العائلة" مسؤولية الإنجيليين البيض عن تنظيم يوم الإطار السنوي لمكافحة المد الشيوعي باسم الرب.

حتى أننا نلامس ذلك في تصريحات ترامب لحملته الانتخابية التي اتهم بها الديمقراطيين باليساريين الليبراليين، ومفاضلته مواجهة السيناتور الاشتراكي بيرني ساندرز على حساب الديمقراطي المعتدل جون بايدن في انتخابات الرئاسة الأمريكية. يمكن ملاحظة ذلك أيضًا بإلقاء نظرة فاحصة على الحساب الرسمي لترامب على تويتر بوصفه مكانًا يقضي فيه الرئيس وقتًا طويلًا في الاختلاط مع "الجواسيس واليمينيين المتطرفين، والدجالين" لتكوين وجهات نظره حول طبيعة الأحداث كما يقول تحقيق استقصائي لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

وكان ترامب قد هدد الاثنين حكام الولايات بنشر الجيش "لحل مشاكلهم بسرعة" في حال لم يتمكنوا من "إخماد" الاحتجاجات العنيفة ردًا على وفاة فلويد، وبعدما أدلى ترامب ببتصريحاته سار إلى كنيسة القديس يوحنا الأسقفية، حيث كان يحمل إنجيلًا بينما كانت الصور تلتقط له مع ابنته إيفانكا ووزير العدل وليام بار، بعد ليلة استخدم فيها البيت الأبيض الشرطة العسكرية التابعة للحرس الوطني وأفراد من جهاز الخدمة السرية وقوات من وزارة الأمن الداخلي بالإضافة إلى شرطة مقاطعة كولومبيا لتأمين المنطقة المحيطة بالبيت الأبيضـ قبل أقل من 15 دقيقة من سريان حظر التجول على المستوى المحلي للمدينة.

فقد أراد ترامب عبر تغريدته بوضع أنتيفا على قائمة المنظمات الإرهابية محليًا، توجيه الرأي العام لمؤيدي اليمين الأمريكي اتجاه الحركة اليسارية المتطرفة التي يرجع تاريخ وجودها أول مرة إلى ثمانينات القرن الماضي عندما ظهرت لمناهضة الفاشية والنازية في المملكة المتحدة، فاختصار اسم الحركة anti-fascists الذي يعني "مناهضة الفاشية"، هو عادة ما يستخدم لتعريف مجموعة واسعة من الأشخاص تميل معتقداتهم السياسية نحو اليسار الراديكالي، ولا تتوافق مع برنامج الديمقراطيين السياسي.

وفي حين يصعب تمييز نشطاء أنتيفا بسبب ارتدائهم لملابس وأقنعة سوداء، ما جعلهم يعرفون لاحقًا باسم "الكتلة السوداء"، فإن الحركة تؤكد على عدم وجود قائد أو مقر رسمي تجتمع ضمنه بهدف التخطيط لتحركاتها، ويدعم أعضاء الحركة غير المنظمون السكان المضطهدين، ويحتجون على تكديس الشركات والنخب للثروة، كما يجنح بعضهم لاستخدام أساليب راديكالية لإيصال رسائلهم.

وبرز أعضاء الحركة بشكل لافت منذ 20 كانون الثاني/يناير 2017 عندما نظموا احتجاجًا أمام البيت الأبيض على تولي ترامب مهامه رسميًا رئيسًا للولايات المتحدة، وبعد تكرار ترامب مهاجمته لأعضاء الحركة قام اليميني جيمس جونيور بدهس مجموعة من أعضائها في مدينة شارلوتسفيل، أثناء تنظيمهم احتجاجًا مضادًا لفعالية تنظمها مجموعة تؤمن بتفوق العرق الأبيض، وقاد جونيور سيارته بين الحشد مما أدى لمقتل امرأة وإصابة آخرين بجروح.

تقول شبكة CNN الأمريكية في تقرير عن الحركة إن غالبية أعضائها لا يندرجون تحت الصورة النمطية، مضيفةً بأنه منذ انتخاب ترامب رئيسًا أصبح معظم أعضائها الجدد من الناخبين الشباب، بعدما أصبح أعضاء الحركة المعاصرون أكثر نشاطًا في التعريف بأنفسهم في التجمعات العامة، وصفوف الحركة التقدمية، ويوضح الخبراء أن لجوء أعضاء الحركة للعنف سببه سيطرة النخب على وسائل الإعلام، لذا يريدون تقديم مقولتهم مباشرة على الهواء ضد الأشخاص الذين يعتبرونهم عنصريين.

تداعيات تصنيف أنتيفا كـ"منظمة إرهابية"

على الرغم من أنه ليس واضحًا حتى الآن إن كان إعلان ترامب بتصنيف الحركة "منظمة إرهابية" سيكون له أي معنى حقيقي، فإن خبراء قانونيين يرون أنه لا يتعدى كونه محاولات لإثارة حرب ثقافية، وإرضاء قادته الشعبية بين صفوف الأمريكيين، نظرًا لإجماعهم في الرأي على أن القوانين الأمريكية لا تجيز للحكومة الفيدرالية تصنيف الكيانات المحلية على أنها "منظمات إرهابية".

ولمحاولة تمرير القانون تقوم إدارة ترامب بالترويج لتصريحاته التي تُحمّل الحركة مسؤولية الاحتجاجات العنيفة في المدن الأمريكية، مما دفع بالإدارة الأمريكية لنشر الحرس الوطني في المدن التي لم تستطع قوات مكافحة الشغب السيطرة فيها على الاحتجاجات، فقد أشار النائب العام بار إلى أن الإدارة الأمريكية ستستخدم شراكاتها مع شرطة الولاية والشرطة المحلية لتحديد المتظاهرين العنيفين، الذين وصفهم أيضًا "بالإرهابيين المحليين".

وقال بار في تصريحات لاحقة إن "العنف الذي تحرض عليه وتنفذه أنتيفا وجماعات أخرى مماثلة فيما يتعلق بأعمال الشغب هو إرهاب محلي وسيتم التعامل معه وفقًا لذلك"، ودعمه بذلك مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين الذي أشار في حديثه مع شبكة ABC نيوز الأمريكية إلى أن مكتب التحقيقات الفيدرالي يعمل على مراقبة أعضاء الحركة من أجل تقديمهم للقضاء لمحاكمتهم، أو حتى وزير الأمن الداخلي بالإنابة تشاد وولف الذي بدت تصريحاته أكثر غموضًا عندما قال إن مجموعات مختلفة متورطة في أحداث العنف الأخيرة.

وهذه ليست المرة الأولى التي يهاجم فيها ترامب أو أي من أعضاء إدارته والسياسيون الجمهوريون الحركة اليسارية، ويرى محللون أن الدعوات لم تعد أكثر من مجرد خطاب لما تحمله من توقعات "مشؤومة"، فإذا كانت الحركة المناهضة للفاشية تضم مجموعة واسعة من الاشتراكيين والفوضويين والشيوعيين والراديكاليين الآخريين، فإن إعلانها "منظمة إرهابية" سيمهد الطريق لتجريم ونزع الشرعية عن جميع سياسات اليسار الأمريكي، بما فيها السياسة اليسارية لبايدن الذي عبر عنها في حملته الانتخابية.

وفيما اتهم ترامب أنتيفا بالوقوف وراء الاحتجاجات العنيفة في غالبية المدن الأمريكية، فإن الحكام الديمقراطيين للمدن والولايات التي تشهد احتجاجات مماثلة، اتهموا مجموعات يمينية تؤمن بتفوق العرق الأبيض قدمت من خارج ولاياتهم لإثارة العنف في الاحتجاجات، وحتى أن بعض الحكام الآخرين وصل به الأمر لاتهام تجار المخدرات بالوقوف وراء أحداث العنف الأخيرة.

اقرأ/ي أيضًا: انتفاضات أمريكا اللاتينية.. انتقام اليمين الشعبوي من اليسار المهزوز

كما أن تركيز الإدارة الأمريكية مدفوعةً بتصريحات الرئيس ترامب على توجيه الاتهامات للجماعات ذات الميول اليسارية يتعارض مع التحذيرات المتكررة في السنوات الأخيرة من صعود جماعات التفوق الأبيض التي أصبحت أكبر تحدٍ في موضوع الإرهاب المحلي، والذي أثاره مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي في وقت سابق، عندما عبر عن مخاوفه بشأن زيادة نشاط مجموعات التفوق الأبيض، بإشارته لأنه يتجاوز في بعض الحالات تهديدات الجماعات الإرهابية الأجنبية ليكون أكثر خطرًا منها.

تركيز الإدارة الأمريكية مدفوعةً بتصريحات الرئيس ترامب على توجيه الاتهامات للجماعات ذات الميول اليسارية يتعارض مع التحذيرات المتكررة في السنوات الأخيرة من صعود جماعات التفوق الأبيض

وترجح تقارير صحفية أن يؤدي توجيه أصابع الاتهام لمجموعات تتقارب في أيديولوجيتها مع الديمقراطيين والجمهوريين، إلى تعمّق الانقسام السياسي في الولايات المتحدة، الأمر الذي سيدفع بالترويج لتصريحات السياسيين المسؤولين من الحزبين الرئيسيين في الكابيتول هيل عبر وسائل الإعلام، لتشتيت الانتباه عن السبب الأساسي الذي أدى لارتفاع وتيرة الاحتجاجات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 المشكلة اللاتينية.. التحولات الديمقراطية تطيح باليسار المأزوم

الإطاحة بموراليس.. تحالف الجيش واليمين والـCIA ضد الاشتراكية في بوليفيا؟