16-مايو-2021

لن ينجح التطبيع في إنقاذ صورة إسرائيل التي ارتبطت بالوحشية والاستعمار (Getty)

فيما يلي مقطع مترجم من كتاب "فكرة إسرائيل: تاريخ السلطة والمعرفة" للمؤرخ الأكاديمي "إيلان بابيه"، وقد صدرت الترجمة العربية عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2015. 


 

في العام 2007 كانَت صورة غال غادوت، ملكة جمال إسرائيل، وهي شبه عارية، وصورة أخرى لأربعة شباب ممشوقي البنيان وبالكاد يلبسون شيئًا أيضًا، هي وجه إسرائيل في الحملة التي انطلقت برعاية الحكومة والوكالة اليهودية باسم "وسم إسرائيل". أمّا تلك الفتاة (ملكة جمال إسرائيل عام 2004، والتي لعبت دورًا في الفيلم الهوليوودي الشهير "السرعة والغضب" (Fast and Furiuos) عام 2009) فقد كان الهدف من استخدام صورتها هو جذب الشباب الأمريكيّ للدولة اليهوديّة بوسمها الجديد، أمّا أولئك الشباب الأربعة فكانت صورتهم بمثابة ترويج لتل أبيب على أنّها عاصمة المثليّة الجنسيّة في إسرائيل.

تأمل النخبة في إسرائيل أن يؤول الربيع العربي إلى صحراء إسلاميّة مهلكة كي تستعيد هي صورتها التي رسمتها عن واحةِ الأمان في المنطقة، ولكنّ هذا لن يحصل

ولا أدري كيف يمكن أن تكون ردّة فعل تيودور هرتزل أو حتّى ديفد بن غورين ومناحيم بيغن على عرض الصهيونية بهذه الطريقةِ ويكأنّها استمناء على مشاهد شبه إباحيّة. ولكنّ صنّاع القرار في إسرائيل كانوا قد رأوا أنّ أيّ شيء وكلّ شيء مقبولٌ ومناسب إن كان سيؤدي في نهاية المطاف إلى الحيلولة دون تشويه صورة إسرائيل. وقد دافع الفريق المحليّ عن هذه الصورة قائلًا إنّها "ساعدتنا على إيصال رسالتنا إلى جيل الشباب، والذكور منهم خاصّة، والوصول إلى قسم من الناس لا يكثرثون لأمر إسرائيل ولا يتعاطفون معها".[i]ولكنّ الحقيقة أنّ الحملة كانت تستهدف النّاس من شتّى الأصناف والاهتمامات من خلال صورٍ تحاكي ميول وتفضيلات كل الفئات. فإنْ أصبحت فكرة إسرائيل جائزةً على المستوى المحليّ، فإنّها قد أصبحت في الخارج سلعةً من السلع.

غال غادوت (تويتر)

بدأت هذه الحملة في صيف عام 2005، وذلك بعد أن فرغ وزير الشؤون الخارجية، ومكتب رئيس الوزراء، ووزير الماليّة، من مناقشات استمرّت سنوات ثلاثة مع رؤساء تنفيذيين في شركات تسويق أمريكيّة وتمّ الاتّفاق على حملة وسم إسرائيل التي تستهدف إعادة رسم صورة البلاد من أجل جعلها مقبولة وحديثة بدلًا من كونها عسكريّة ومتديّنة. وقد خُصّصت مبالغ طائلة (سيكشف عنها بعد عدّة سنوات) لتسويق فكرة إسرائيل في الخارج بغيةَ التصدّي لما وصفته النخبة السياسية والأكاديمية في إسرائيل بأنّه حملة عالميّة لتقويض شرعيّة الدولة اليهوديّة، وذلك في حملة مضادّة ضخمة جدًّا يعمل على إدراتها فريق متكاملٌ من المتخصيين في هيئة سمّيت "مجموعة وسم إسرائيل".[ii]

وكان أوّل ما دفع به النظام في هذه الحملة هو وزارة الخارجية وحملاتها الدبلوماسيّة، ولكن كانت هنالك حاجة أيضًا إلى فريق أكاديميّ ولاسيّما في حقول العلوم السياسيّة والعلاقات الدولية والتاريخ. وقد استفادت هذه الفرق من دروس الماضي في سياق دراسة معاداة الساميّة، وشرعوا بإنشاء سرديّة حول أصول هذا التحدّي الجديد لفكرة إسرائيل والذي جاء هذه المرّة على شكل دعوات للمقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات الاقتصادية. وقد كانت المرحلة الأولى في السعي لتحديد هذه الأصول تتسم بالوصف لا بالتحليل، ولكنّها نجحت رغم ذلك في تحديد نقطة ولادة هذا التحدّي، وتزعم أنّها مؤتمر الأمم المتحدة العالمي لمكافحة العنصريّة، والذي عقد في ديربان في جنوب إفريقيا في مطلع أيلول 2001. ووفقًا للسرديّة الأكاديميّة الأوليّة، فإنّ ذلك الاجتماع قد كان معنيًّا بشكل كبير بقضيّة فلسطين، وشكّل نقطة انطلاق لحملة عالميّة لتقويض شرعيّة إسرائيل، ولم يفت فريق العمل في حملة وسم إسرائيل أن يستفيدوا من حقيقة أنّ هذا الحملة قد ولدت في الثامن من أيلول، أي قبل ثلاثة أيام من هجمات الحادي عشر من أيلول، وما كان منهم إلا أن ربطوا بين الحدثين ورأوا فيهما هجومًا على العالم الحرّ.

اقرأ/ي أيضًا: ملف| 73 عامًا: فلسطين ثورة.. فلسطين ربيع

ولقد أشار بنيامين نتنياهو صراحةً وفي غير مناسبة إلى هذا الرابط بين هجمات الحادي عشر من أيلول وانطلاق ما يدعى حملة تقويض الشرعيّة. ففي خطاب له في الكنيست في 23 حزيران 2011 على سبيل المثال تحدّث نتنياهو عن ذلك التحالف المأفون بين الإسلام الراديكاليّ واليسار الراديكاليّ في الغرب ضدّ العالم الديمقراطي الحرّ والذي تمثّله إسرائيل خير تمثيل. ثم رأينا أيضًا أنّه قد ضمّ إلى مؤتمر ديربان وهجمات 11/9 أمورًا أخرى من قبيل قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي ضد جدار العزل العنصري الإسرائيليّ عام 2004، وبعدها بعدّة سنوات قضية سفينة مافي مرمرة، تلك السفينة الدوليّة التي حملت على متنها مساعدات إنسانية عازمةً على الوصول إلى قطاع غزّة المحاصر في ربيع عام 2010.

تقول إسرائيل: لا بدّ أن نواجه من يشكّك في شرعيّة إسرائيل أيًا كان، حتّى أولئك الأساتذة الإسرائيليين [الذين يدعمون حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات الاقتصادية، BDS] ونتصدّى لهم كأنّنا في حالة حرب

لقد كانت المهمّة الأساسية لحملة وسم إسرائيل هي جعل إسرائيل تبدو للعالم كأنّها جنّة على الأرض وحلمٌ صار حقيقة، وأن ترتبط إسرائيل بكل ما هو جميل وممتع ومتقدّم تقنيًّا. هذه هي النسخة الجديدة من فكرة إسرائيل، وكان رسلها مؤسسات جديدة ضخمة تمثّل وجهها للعالم. ومن هذه المؤسسات "مشروع ديفدِ" في أمريكا الشماليّة، والتي نشطت في الترويج للحملة بين طلبة الجامعات. ومن بين الأنشطة العديدة التي قامت بها حاولت هذه المؤسسة أن تعالج النظرةَ إلى إسرائيل على أنّها واحدة من أكثر الدولِ المكروهة في العالم وأنّها في مرتبة دول كإيران وكوريا الشماليّة، والتركيز بدل ذلك على أنّها من بين الدول الخمس وعشرين الأولى التي يشعر سكّانها بالسعادة للعيش فيها.[iii]وقد كان هدف المشروع إقناع الجميع بأنّ إسرائيل من أكثر البقع سعادةً في العالم وذلك بسبب إنجازاتها التقنيّة المتطوّرة.

وقد شعر فريق "وسم إسرائيل" أنّ تاريخ إسرائيل جانبٌ مهمّ يمكن الاستفادة منه في تلميع صورة إسرائيل في القرن الحادي والعشرين:

إن تحدثنا عن المعالم الآثريّة سنجد أنّ إسرائيل موطن لأهم المعالم التاريخية والدينية في العالم، كالحائط الغربيّ وكنيسة القيامة والمسجد الأقصى وحدائق البهائيين في حيفا. كما تتمتّع إسرائيل بمقاييس متقدّمة لجودة الحياة، ولاسيّما أنّ قيمها الديمقراطية تضمن العيش المشترك والمشاركة السياسية لجميع المواطنين وتمثيل المرأة والأقليّات الدينية والعرقيّة.[iv]

وقد حاول القائمون على مشروع ديفِد بالتوصّل إلى تفسيرهم الخاصّ لهذا التباين القائم بينَ إمكانات إسرائيل وما بوسعها تقديمه للعالم وتلك الصورة السلبية العالقة بها:

إننا لندرك أنّ هنالك بعض التصوّرات الخاطئة التي تغزو الإعلام بخصوص إسرائيل، إذ يرى الكثير من الناس حول العالم أنّ إسرائيل مجرّد دولة يسودها العنف كغيرها من الدول في مستنقعٍ من عدم الاستقرار والحرب الذي تغرق فيه المنطقة بأسرها. كما تدور نقاشات في الصحف والتلفاز والإنترنت عن الصراع العربي الإسرائيلي ونرى كيف يصفه البعض بأنّه حرب طاحنة لا نهاية لها، وهكذا فإنّ صورة المجتمع الإسرائيلي الذي يتسم بالتنوّع والتشويق تغيب في هذه المعمعة التي يرتفع فيها صوت اثنين وعشرين دولةً تركّز على جانبٍ واحد وحسب من قصّة إسرائيل.[v]

وبناء على ذلك حدّدت مهمّة فريق "وسم إسرائيل":

كيف لنا أن نغيّر هذه التصوّرات؟ كيف يمكننا أن نؤثر على النقاشات العالميّة التي تتعلق بإسرائيل؟ كيف نناقش ونبرز إنجازات المجتمع الإسرائيليّ ومميّزاته مع عدم الجنوحِ إلى إنكار نقاط الضعف والتقصير؟ ما الذي يجب أن يحدث كي لا تبقى صورة إسرائيل مرتبطة ببؤرة العنف والصراع من حولها؟[vi]

وقد ظهر الجواب على هذه الأسئلة في الموقع الرسميّ لوزارة الشؤون الخارجية الإسرائيليّة، إذ اقترحت الوزارة تركَ الاعتماد على الحقائق والمعلومات والحجج الأخلاقية والتركيز عوضًا عن ذلك على خلق وسمٍ لإسرائيل والتسويق له كمنتج من المنتجات. وقد تكلّم جدعون مير  المسؤول في وزارة الخارجية الإسرائيلية عام 2007 في حوار مع صحيفة هآرتز وقال إنّه يفضّل رؤية اسم إسرائيل "في قسم "الستايل" والموضة في الصحيفة" وأن ذلك بالنسبة له "أفضل من ظهوره على الصفحة الأولى".[vii]

أمّا المعنى العمليّ لذلك فهو أن تتجنّب أية حملة علاقات عامّة لصالح إسرائيل ذكر أي أمرٍ عن الصراع الدائر أو التطرق إلى القضيّة الفلسطينية، وهكذا بالفعل كانت التوجيهات التي قدّمت لإحدى المؤسسات الأخرى المعنيّة بالتسويق لدولة إسرائيل الفتيّة. فبدأت مجموعة في كاليفورنيا عام 2001 تدعى "إسرائيل القرن 21" بالعمل على "إعادة توجيه الحوار حول إسرائيل" و "تسليط الضوء على الجهود الإسرائيلية التي أسهمت بقدر لا يمكن إنكاره بتحسين الوضع الصحيّ والبيئة والتكنولوجيا والثقافة والقيم الديمقراطية في العالم أجمع". والحقّ أنّ ما تلقّته هذه المؤسسة من إيعازات توصي بعدم التطرق إلى الحرب أو الفلسطينيين يذكّرني بتلك الحلقة المشهورة من المسلسل الكوميدي فولتي تاورز، حين يحاول صاحب الفندق جاهدًا عدم ذكر الحرب العالميّة الثانيّة أمام النزلاء الألمان. أمّا الجانب الآخر من المعادلة فقد عبّر عنه خير تعبير خبير العلاقات العامّة في الفريق في الساحل الشرقي في الولايات المتحدة حين نصح زملاءه بالتوقّف عن محاولة الفوز في أيّ جدلٍ ضد الفلسطينيين، إذ يقول في مجلة جيويش ويك "إنّ إثبات صواب إسرائيل وخطأ الفلسطينيين قد يكون مرضيًا عاطفيًا للمدافعين عن إسرائيل، ولكنّه لن يكون فعّالًا بالضرورة في تغيير صورة إسرائيل في أذهان الناس".[viii]كما يشير هذا الخبير، وهو بالمناسبة نائب الرئيس التنفيذي في مؤسسة "إسرائيل القرن 21" إلى الإستراتيجية الخاطئة المتمثّلة في الحديث عن إسرائيل بالإحالة إلى صراعها مع الفلسطينيين، فيقول: "إنّك تحصر نفسك في هذا النقاش في دائرة ضيّقة، حيث لا تكسب إسرائيل سوى جزءٍ من القضيّة، أمّا نحن فعلينا أن نحاول أن نوسّع هذه الدائرة ونتحدث أكثر عن إنجازات إسرائيل."[ix]

حدث بعد فترة قصيرة أن دمجت كلّ الجهود المتشعّبة للمنظمات والأفراد تحت إدارة واحدة، وذلك في قرار تنفيذي تم التوصّل إليه في المؤتمر الأول من نوعه لحملة وسم إسرائيل بتنظيم من وزارة الخارجيّة، حيث عقد هذا المؤتمر عام 2005 في تل أبيب، وكان بمثابة الإطلاق الرسميّ للحملة. وقد عيّنت وزيرة الخارجية تسيبي ليفني إيدو أهاروني على رأسِ مكتب إدارة الحملة وخصّصت له ميزانيّة بلغت أربعة ملايين دولار أمريكيّ، وثلاثة ملايين أخرى كميزانية ثابتة للحملة الدعائية في الخارج (هاسبارا)[1] بالإضافة إلى أحد عشر مليون دولار أمريكيّ لدعم جهود وزارة السياحة للترويج لإسرائيل في أمريكا الشماليّة.[x]كما خُصّصت الأموال لدعم الحملة في أوروبا. ومن الجدير بالذكر أنّ السياسيين في إسرائيل قد عزموا على التركيز أكثر على الولايات المتّحدة لشعورهم بأنّ جهود تقويض الشرعيّة قد آتت أكلها ونجحت هناك، وذلك بخلاف ما قد يعتقده المرء من أنّ الإسرائيليين يرون في الولايات المتّحدة حصنًا حصينًا دائمًا للتحيّز لصالح إسرائيل، ولكن يظهر أنّ الأمر بخلاف ذلك. وسنرى قبل أن نفرغ من هذا الفصل كيف حاول الأكاديميون إقناع السياسيين بأنّ البلوى قد اجتاحت المملكة المتّحدة وأنّه يجدر أن تكون هي المستهدف الأساسي لحملة "وسم إسرائيل".

عمدَ أهوراني إلى توظيف أمهر الكفاءات في عالم الدعاية والتسويق، ومنهم الأخَوان ساعَتجي (ويُقال إنّهما قدّما خدماتهما من دون مقابل) وخبراء في مجال العلاقات العامّة من أمثال ديفد سارانغا، وهو المسؤول السابق لشؤون الإعلام والشؤون العامة في القنصلية الإسرائيلية في نيويورك. وقد صرّح سارانغا للمجلّة الأبرز في هذا المجال، بي آر ويك بأنّ إسرائيل تستهدف في حملتها مجموعتين أساسيّتين هما "الليبراليون" والشباب من عمر السادسة عشرة حتى الثلاثين (وهذا ما يفسّر تلك الإعلانات التي تظهر فيها صور لملكة جمال إسرائيل وهي بالكاد تضع شيئًا على جسدها، وصور أولئك الشباب المثليين الرشيقين بملابس السباحة). وفي العام 2005 وقّع مكتب أهاروني اتفاقية مع شركة تايلور نلسون سافوريس (TNS) المتخصّصة في مجال أبحاث التسويق لتعمل على اختبار مفاهيم جديدة لوسم إسرائيل في ثلاث عشرة دولة، كما صدرَ قرارٌ بدعم برنامج لوحات دعائية تجريبيّ في تورونتو.[xi]

كان يعمل في قلب هذا الفريق أيضًا أعضاء من شركة BAV والتي تعدّ أضخم قاعدة بيانات وسوم في العالم، إلى جانب عددٍ من أفضل خبراء الدعاية والتسويق. ويتركّز اختصاص شركة BAV في تحديد جوانب التعلق العاطفي بالوسم في المجتمع المستهدف. ويقول فيرن أوبنهايم، وهو استشاري الدعاية والتسويق وعضو في مجموعة "وسم إسرائيل"، إنّ البيانات التي تقدمها BAV ستكون جزءًا من إستراتيجية طويلة المدى ستشتمل كذلك على أبحاث وعمليات تقييم مستمرّة: "إننا نسعى لنكون مصدرًا يمكن للجميع الاستفادة منه، وهذه هي الطريقة التي يقوم بها فريق إدارة في شركة بإدارة وسمٍ ما".[xii]

إسرائيل دولة كولونياليّة من إرث القرن العشرين ما تزال قائمةً لأنّها تخدم أغراض الولايات المتحدة ولأنّها تلعب دورًا مهمًّا في الاقتصاد الرأسمالي العالميّ. فلم يعد هنالك أي بعدٍ أخلاقيّ في الدعم العالميّ المقدم لها

ديفِد سيبِل هو خبيرٌ آخر من بين أولئك الخبراء، وكان يعمل مع شركة يونج أند روبيكام، وهو الذي أخبر الدبلوماسيين أنّ إسرائيل ليست من بين الدول المفضّلة في العالم لأنّ النّاس، في الولايات المتحدة على الأقل، "يعرفون الكثير عن إسرائيل، الكثير من الأشياء غير المناسبة. فهم يتصورون أن إسرائيل دولة يلفّها البؤس وتمزّقها الحرب، ولا يتصوّرون إسرائيل متطورة تقنيًّا تعجّ طرقها بالمقاهي المليئة بالنّاس."[xiii]ولذا فإنّ التوّجه في العام 2005 قد تحوّل بناء على ذلك إلى الترويج لإسرائيل وكأنّها فرعٌ عن المجتمع الأمريكيّ. وقد تولّت هذه المهمّة شركة يونج أند روبيكام، وفي هذا يقول ديفد سيبِل مجدّدًا: "إنّ الأمريكيين لا يرون إسرائيل مشابهةً للولايات المتّحدة".[xiv]لقد كانت إسرائيل كوسم ذات حضور قويّ في أمريكا، ولكن الأمر باختصار هو أنّه "من الأفضل أن يكون الوسم معروفًا على أن يكون محبوبًا تنقصه الصلة بالنّاس". ويضيف ديفِد أنّ الأمريكيين "لا يرون صلة لإسرائيل في حياتهم، ولذا فإنّهم لا يكترثون بها، وهذا الأمر صحيح على وجه الخصوص بين الأشخاص الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 34 عامًا، وهي الفئة المستهدفة الأكبر".[xv]

وقد عزمت حملة "وسم إسرائيل" على تغيير هذا الواقع فعمدت إلى اختبار جوانب يجدر إبرازها في المجتمع الإسرائيلي ووضعتها مباشرة في تناول الأمريكيين. فبدأوا أولًا بترتيب رحلة مجانيّة لكتّاب متخصّصين في مجال العمارة، وتبعهم بعد ذلك كتّاب مختصّون بعالم الطعام والنبيذ. وكان الهدف من هذه الجهود هو "أن يرى الأمريكيون وجهًا آخر لإسرائيل عدا عن تلك الصورة القاتمة التي ترد في عناوين الأخبار، ونقل صورة أخرى مغايرة عن إسرائيل "المنتجة النابضة بالحياة والثقافة والتطوّر" كما يقول غاري روزنبلات من مجلة جويش ويك، والذي لخّص الخطّة للسنوات المقبلة بهذا الشكل:

فكروا بإسرائيل كمنتج يحتاج إلى تجديدٍ كامل لجعله أكثر منافسة في السوق. ما نحتاجه هو قصصٌ أقلّ عن أسباب بناء العازل الأمني، وتركيزٌ أكبر على العلماء الذي يقومون بأبحاثهم عن الخلايا الجذعية بأكثر التقنيات تقدّمًا أو خبراء الحاسوب الشباب الذين اخترعوا للعام تقنية الرسائل الفوريّة.[xvi]

ولم تكتف الحملة بتوظيف خبراء العلاقات العامة والتسويق من الولايات المتّحدة، بل أعلنت الحكومة كذلك عن رغبتها في وجود انخراط أكبر من الإسرائيليين. وقامت الحملة متجاهلة دبلوماسييها العارفين بالاعتماد على برنامج تلفزيونيّ ربحيّ للبحث عن دعاة جدد لفكرة إسرائيل وحمل هذا البرنامج اسم "السفير"، وتقوم فكرته على منافسة بين المشاركين في تصفياتٍ على مدى ثلاثة عشر أسبوعًا، وينال الفائز عرض عملٍ مع مجموعة مناصرة صهيونيّة تدعى "إسرائيل في القلب" وذلك لرفد الدبلوماسيين بأفضل الكفاءات الإسرائيلية الشابّة. أمّا عن مبادرات مؤسسة "إسرائيل في القلب" فقد كان منها مثلًا إرسال يهودٍ إثيوبيين للحديث في كنائس الأمريكيين من أصول إفريقية في الولايات المتّحدة (وهذا الأمر في سخفه يشبه مثلًا أن ترسل أمريكيّين من أصول إفريقيّة من أحياء الولايات المتّحدة الفقيرة المهمّشة إلى بركستون[2] للحديث عن "الحلم الأمريكيّ"). وقد أوكلت هذه المهمّة فيما بعد إلى طلبةٍ من المدارس الثانويّة في إسرائيل.[xvii] 

كما أوعزت وزارة الشؤون الخارجية للفنّانين الإسرائيلين والفرق المسرحيّة وفرق الرّقص ممّن لهم جولات فنّية حول العالم بدمج "وسم إسرائيل" في أعمالهم وعروضهم. وقد حصل هذا على سبيل المثال عام 2012 في جولة لشركة الرقص الإسرائيلية "بتشيفا" في الولايات المتحّدة وبريطانيا، إذ وصفت الوزارة تلك الجولة بأنّها جزء من حملة "وسم إسرائيل" وراقصي الفرقة بأنّهم "أفضل سفراء إسرائيل إلى العالم".[xviii]

أمّا وزراة السياحة فذهبت أبعد من ذلك أيضًا، إذ لم تكتف بتسويق إسرائيل على أنّها الأكثر راحة وإمتاعًا وتسليةً في العالم، وصوّرتها عام 2009 بأنّها قد نجحت بظروف أقرب إلى المعجزة في التخلص من فلسطين والفلسطينيين وأنّها أخذت مرتفعات الجولان هديّة من سوريا. وقد كانت هذه رسالةَ الخرائط المحدّثة التي استخدمتها الوزارة حول العالم في الإعلانات والملصقات، كتلك التي ظهرت في محطات مترو الأنفاق في لندن، والتي تظهر فيها إسرائيل الكبرى بلا حدود ولا مرتفعات جولان سورية ولا مناطق فلسطينية، وقد أثار نشر هذه الخرائط المئات من المظاهرات التي تسبّبت بإزالتها من مترو لندن.[xix]

نشرت صحيفة غلوبز ، وهي يوميّة إسرائيلية تُعنى بعالم المال والأعمال، تقريرًا عام 2010 بأنّ وزارة الخارجية قد خصصت مئة مليون شيكل (ما يزيد عن 26 مليون دولار أمريكي) لبناء وسم إسرائيل وتسويقه في الأعوام القادمة. وقد كان الهدف الأساسي من هذه المبالغ هو التصدّي للجهود المتزايدة لنزع شرعيّة إسرائيل والتي تظهر في شبكات الإعلام الاجتماعي والإنترنت. وقد أبدت الوزارة تفاؤلها عمومًا بشأن نجاح حملاتها، وذلك أنّ وحدة الأبحاث فيها قد أكّدت على أنّ متصفحي الإنترنت يرتبطون بالمحتوى الذي يهمّهم، بصرف النظر عن هوية المصدر أو توجّهه السياسيّ.[xx]

وهنالك تعاون بدأ على جبهة أخرى عام 2010 للتأثير على مجتمع المثليين الجنسيين من خلال التأكيد على أنّ تل أبيب وجهة محبّبة صديقة للمثليين من كلا الجنسين وأنّها وجهة مفضّلة لمجتمع المثليّين ومزدوجي الميول والمتحولين جنسيًّا من أوروبا. وقد تعاون في هذه الحملة كلّ من وزارة السياحة وهيئة تشجيع السياحة في تل أبيب، وأكبر منظّمة لمجتمع المثليين ومزدوجي الميول والمتحولين جنسيًّا في إسرائيل "أغوداه"، وأطلق على الحملة اسم "اللحظةَ المثليّة في تل أبيب". وقد هاجم البعض الحملة ووصفوها بأنّها حملة من قبيل حملات "الغسيل الورديّ" وشبّهوا استغلال حقوق المثليين لشرعنة الاضطهاد المستمر للفلسطينيين بما جرى في القرن التاسع عشر من توظيف لحقوق المرأة لتسويغ الاستعمار.[xxi]

خططٌ ورؤى جديدة: ترويج جديد لوسم جديد

بالرغم من كلّ التحرّكات والأنشطة فإنّ تقارير النجاح لم تكن مقنعةً حتى لأولئك الذين أعدّوها. ولذا طُلب من جهةٍ جديدة أخرى المشاركة في فريق العمل لمعرفة ما يحول دون تحقيق النّجاح وتحديد ما يجدر القيام به من تحرّكات جديدة. وقد ذكرنا من قبل أنّ الوكالة اليهودية تعمل مع العديد من المؤسسات البحثية، ومن بينها مؤسسة رؤوت التي زعمت في العام 2010 أنّ إسرائيل تشهد تهديدًا متصاعدًا في المجال الدبلوماسي والعلاقات الدولية. وقد وصفت التقرير الصادر عن بعثة الأمم المتحدة لتقصّي الحقائق فيما يتعلق بنزاع بغزّة والتي ترأسها ريتشرد غولدستون من جنوب إفريقيا بأنّه أوضح مثال على حملة تقويض الشرعيّة الإسرائيلية يكشف لنا أصولها ومنطقها وعواقبها المحتملة.[xxii]

لقد ورد في تقرير غولدستون اتهامٌ غير جازم لكلّ من إسرائيل وحماس بارتكاب جرائم حرب خلال الهجوم الإسرائيلي على غزّة في نهاية العام 2008، ثم وبضغوط صهيونيّة كبيرة، تراجع غولدستون، وهو يهوديّ، عن بعض النتائج التي توصّلت إليها البعثة. وفي مطلع العام 2010 وصفت المؤسسة التقرير بأنّه خلاصة جهودٍ بُذلت لتعريض إسرائيل "لانتقادات حادّة متزايدة حول العالم" وقالت إنّ هذا النقد في بعض الأحوال "قد تجاوز الحدّ المشروع من نقد السياسات الإسرائيلية إلى التشكيك في حقّ دولة إسرائيل بالوجود". ونرى أنّ تقرير هذه المؤسسة والذي صدر بعنوان "تحدّي تقويض الشرعية: خلق جدار حماية سياسيّ" يربط بين تقرير غولدستون والاستنكار الدولي لحرب إسرائيل الثانية على لبنان عام 2006. وتذهب مؤسسة رؤوت إلى أنّ هذا الاستنكار الدوليّ إنما هو نتاج أيديولوجية إسلامويّة راديكاليّة مصدرها إيران التي يؤزّها كلّ من حزب الله وحماس.

والمشكلة كما يوصّفها التقرير تكمن في "نقصٍ مفهوميّ" بين القوى الأيديولوجيّة في الدولة اليهوديّة، فإسرائيل قد فشلت في تسويق نفسها كدولة يهودية ديمقراطية تسعى لتحقيق السلام، وهذا ما حقّق النجاح الكبير للحملة الغاشمة التي تبغي تقويض شرعيّتها. وقد حذّرت رؤوت أنّه وفي حال استمرار هذه الحملة فإنّ إسرائيل قد تضحي دولة منبوذةً، وأنّه لن يكون هنالك حلّ للقضيّة الفلسطينيّة، وأنّ حل الدّولة الواحدة سيفرضُ نفسه على السّاحة. وحين نبّهت الهيئات الصهيونيّة لخطورة حلّ الدّولة الواحدة، فإنّها كانت تقصدُ بذلك ما حذّر منه رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت عام 2007 من أن تصبح إسرائيل دولة فصل عنصريّ وفق هذا السيناريو.[xxiii]كما ترى مؤسسة رؤوت أنّ "نقطة التحوّل في هذا السياق هو أن يتمّ الانتقال من حلّ الدولتين إلى حلّ الدولة الواحدة كإطار توافقيّ لحلّ الصراع الإسرائيلي الفلسطينيّ"، ولكن حتّى التوصل إلى اتّفاق شامل ودائم لن يكفل إنهاء حملة تقويض شرعيّة إسرائيل، وذلك أنّ للحملة هدفًا أساسيًّا كما ترى رؤوت وهو إنكار حقّ إسرائيل في الوجود.

إذن ما الذي يتوجّب عمله؟ يخلص تقرير مؤسسة رؤوت إلى "أنّ التصدّي لشبكةٍ ما يكون من خلال خلق شبكةٍ مضادّة". إنّ العقيدة الإسرائيلية في ميدان الدبلوماسية والسياسة الخارجيّة تحتاج إلى مراجعة عاجلة: "سيلزم تخصيص الكثير من الموارد، ولكن لا بدّ من الاعتراف أيضًا بوجود "تضارب في الوسوم"": "إنّ إعادة وسم إسرائيل ضرورةٌ إستراتيجية، ولكن "ما لا يقل أهمّية عن ذلك هو وسم الطرف الآخر". فبما أنّ أعداء إسرائيل قد نجحوا في وسمها كدولة "تستخدم العنف وتخرق القوانين الدوليّة ولا تحترم حقوق الإنسان" فإنّ على إسرائيل أن تفرض عزلة على من يسعى لتقويض شرعيّتها وأن تعمل مع المنظّمات غير الحكومية وتحرّك الجهات الداعمة لإسرائيل دوليًّا وأن تعزّز علاقاتها مع "النخب السياسية والمالية والثقافية والإعلامية والأمنيّة".

وهذا يعني بعبارة أخرى، وفقًا لرؤوت/الوكالة اليهوديّة على الأقل، أنّ كل ما في العالم من أموال وخبراء لن يتمكّنوا من خلق وسمٍ جديدٍ لإسرائيل يجعلها دولةَ سلامٍ ووجهةً لمن ينشد المتعة. وقد يظنّ أحدهم أنّ اتّباع سياسة أكثر شراسةً قد يساعد في ذلك، ولكن هيهات. كلّ ما أرادته رؤوت من الحكومة هو البحث عن سبلٍ للضغط على النخب في الغرب لنشر صورة مختلفة عن إسرائيل على أملِ أن تقدّم المجتمعات اليهوديّة المطلوب منها.

هنالك مجموعة أخرى لها ارتباط بالوكالة اليهوديّة (أو بالأحرى أنشأتها الوكالة عام 2002) تدعى مؤسسة سياسات الشعب اليهودي والمعنيّة بالتصدّي للتحدّيات على مستوى الأمن القومي الإسرائيليّ. وبالرّغم من أنّها مؤسسة تضمّ عددًا من المختصين بالديمغرافيا والتاريخ وعلم الاجتماع والبروباغاندا، إلا أنّه يجري التعامل معها كوحدة عسكريّة في سياق حرب على جهود تقويض شرعيّة إسرائيل. أمّا الوثيقة الأساسيّة التي أعدّتها المؤسسة عن الموضوع، وهي ما رشحَ عن مؤتمر مستقبل الشعب اليهوديّ الذي عقد عام 2010، فقد نوّهت إلى أن جهود تقويض الشرعية "لا بدّ أن تُؤخذ لا على أنّها تهديد لإسرائيل وحسب، بل وللوجود اليهودي في كلّ مكان".[xxiv]وعلى الشاكلة ذاتها سار  مؤتمر حالة الأمّة الذي عقد في مركز  الدراسات متعدّد المجالات في هرتسليا حيث وصف حملة الترويج لإسرائيل بأنّها حرب، أو بالأحرى "حرب غير متكافئة... تجري على ميدان الأفكار". وبما أنّ إسرائيل كانت حصينة ضدّ الهزائم العسكرية أو الاقتصاديّة، فإنّ أعداءها باتوا يحاولون هزيمتها بسلاح الأفكار، وقد كانَت الكفّة تميل لصالح الأعداء لأنّهم ذوو قوّة على كافّة الجبهات.[xxv]

كانت هذه المؤسسة البحثية التابعة للوكالة اليهوديّة قبل ثلاث سنوات قد وصفت قلقها السابق بخصوص دمج اليهود في أمريكا في مجتمع غير اليهود بأنّه حرب غير متكافئة، ورأت أنّ فئة الشباب من يهود أمريكا "ينأون بأنفسهم عن الارتباط بإسرائيل". وقد أكّد على هذا بيتر باينرت في مقالة له لقيت صدىً كبيرًا حين صدروها في مجلة "نيويورك لمراجعة الكتب" في عام 2010، ولكنّ باينرت وعلى غرار نورمَن فينكلستين قد عزى هذا الأمر إلى عدم رغبة الشباب اليهود في أنْ يُظنّ فيهم أنّهم مؤيدون للسياسات الإجراميّة لدولة إسرائيل.[xxvi]وهذا تفسير لا يمكنً أن يردَ على بالِ الوكالة اليهوديّة، فهي لا ترى من سبب لذلك إلا أنّ اليهوديّة الإصلاحيّة التي تتمتّع بحضور كبير في الولايات المتحدة لم تحظَ بتقدير كافٍ في إسرائيل ولم يسمح لها بقبول اعتناق غير اليهود لليهوديّة على أرض إسرائيل. وفي حين كانت تدعو مؤسسة رؤوت إلى تبني شكلٍ أكثر حزمًا من الضغط، فإنّ الوكالة اليهوديّة كانت تسعى لأن تظهر إسرائيل أكثر انفتاحًا فيما يتعلق بالشؤون اليهوديّة.

ونظرًا إلى أنّ حملة وسم إسرائيل لم تؤت أكلها المنشودة في العام 2010 فقد كان لا بدّ من الاعتماد على أكاديميين من داخل إسرائيل، رغمَ أنّهم كانوا منخرطين بالتصدّي لمفكّري مابعد الصهيونيّة على الجبهة الداخليّة. في البداية كانت الريادة لجامعة بار إيلان، وهي معهد وطنيّ دينيّ، ثم انضّمت إليها جامعة تل أبيب، وكان الهدف هو الوقوف على سبب بقاء شرعيّة إسرائيل تحت التهديد. وكان من بين أوائل من انطلقوا في بحثٍ عن إجابة عددٌ من الجنرالات المتقاعدين ورؤساء هيئات أمنيّة يعملون في مؤسسات أكاديميّة أو شبه أكاديميّة تقدّم خدماتها للجامعات أو للمخابرات الإسرائيلية، وذلك كمركز مائير عاميت للمعلومات الاستخبارية ومكافحة الإرهاب قرب تل أبيب، والذي أشار إلى الشبكة ذاتها من الأعداء التي أشار إليها السابقون واللاحقون والتي تتألف من إسلام راديكاليّ ومجموعات من مناهضي الصهيونيّة ومعادي الساميّة.

وقد أكّد نائب وزير الخارجية الإسرائيليّ على فكرة المؤامرة التي حاكها "حكماء ضدّ الصهيونيّة" وذلك في خطاب له ألقاه أمام الوكالة اليهوديّة في تشرين الأول 2010، قال فيه إنّ أعداء إسرائيل يوظفون عملاء لهم يعملون تحت مسمّى الدفاع عن حقوق الإنسان وهدفهم تقويض شرعيّة الأمّة، وتبنّى موقف الوكالة للتعامل مع هذه المعضلة، ودعا لإيجاد "شبكة مضادّة تتألف من منظمات يهوديّة وغير يهوديّة ومؤسسات أكاديميّة تتكاتف معًا في جبهة واحدة للتصدي للحملة التي تستهدف شرعيّة إسرائيل ولوصفِ الحقيقة في العالم كما هي."[xxvii]

كانت الحكومة بحلول العام 2011 قد أنفقت الملايين في سبيل إنشاء مراكز دراسات إسرائيلية في عديد الجامعات حول العالم وابتعاث أعداد من خريجي المراحل الثانوية في إسرائيل، أكثرهم وسامةً وفصاحة، لتسويق إسرائيل الشابّة ذات الصبغة الغربيّة. كما شُكّلت فرقٌ للإعلام الاجتماعي ليعملوا على منصّات تويتر وفيسبوك والمدوّنات المختلفة على مدار الساعة ليتصدّوا لأيّ شيء يبدو معاديًا لإسرائيل. أمّا جماعات الضغط من شاكلة آيباك (لجنة الشؤون العامّة الأمريكيّة الإسرائيليّة) في الولايات المتحدة، فقد شرعت في عملٍ مماثل في القارّة الأوروبيّة. كلّ ذلك جرى في حملةٍ تتّسم بدقّة عسكريّة. وقد عبّر عن ذلك اللواء إيتان دانغوت حين قال: "إنّ حرب الدفاع عن الشرعيّة وحشد الرأي العام ليست أسهل من تلك التي نخوضها في المعارك... هنالك ثقافة من الكذب والتشويه والفبركة".[xxviii]ورغم أنّه كان في معرض الحديث عن حماس، ولكنّه أشار إلى أنّها ظاهرة عالميّة.

وفي العام 2011، وفي المؤتمر السنويّ لما يدعى "حالة الأمّة" والذي ينظّمه كما أسلفنا مركز هرتسليا، كان موضوع تقويض شرعيّة إسرائيل قد اختير موضوعًا أساسيّا للمؤتمر. وشرع المتحدّثون في الهجوم على هذه الحملة ووصفها بأنّها من أدواء "مابعد الحداثة اليساريّة" التي تسعى إلى "السيطرة على مصادر الإنتاج المعرفي كي تتحكّم بالحقيقة"، مؤكّدين على أنّ مقالًا في الغارديان البريطانيّة أو لوموند الفرنسيّة لن يكفي لتحويل أولاء إلى الصهيونيّة. كما عبروا عن انزعاجهم من حقيقة أنّ اللومَ يُوجّه إلى إسرائيل مهما فعلت، وأكّدوا في النهاية أنّ على الإسرائيليين أن لا يخرجوا خلافاتهم إلى العلن وأن يحاولوا تقديم صورة إسرائيل متماسكة غير مشتّتة.[xxix]

كل ما في العالم من أموال وخبراء لن يتمكّنوا من خلق وسمٍ جديدٍ لإسرائيل يجعلها دولةَ سلامٍ ووجهةً لمن ينشد المتعة

ثم صبّ الأكاديميون العاملون مع الوكالة اليهوديّة جام غضبهم على الأمم المتحدة والنظم القانونية في الغرب والأكاديميا الغربية ملقين عليهم لوم ما يجري من حملات ضدّ إسرائيل. ونالت بريطانيا النصيب الأكبر من هذا اللوم وذلك لدورها الأساسيّ في حملة تشويه فكرة إسرائيل لما فيها من أعدادٍ متزايدةٍ من المسلمين. ولكنّ هذا لا ينفي كما أشاروا وجود مؤسسات يمكن الثقة بها من أمثال "تيسكو" تحافظ على وفائها للنسخ القديمة والجديدة من فكرة إسرائيل:

من المعلوم أنّ بريطانيا عاصمةُ للتواصل العالميّ، وهي موئل أهمّ المنظّمات غير الحكومية في العالم.ولكنّ المجتمع اليهوديّ فيها ضعيف، ولذا نرى منظمات كمنظمة العفو الدولية وأوكسفام منخرطتين بتقويض شرعيّة إسرائيل. أمّا الحكومة فهي أكثر تعاطفًا معنا. فما الذي يجب فعله إذن؟ لا بدّ أن نواجه من يشكّك في شرعيّة إسرائيل أيًا كان، حتّى أولئك الأساتذة الإسرائيليين [الذين يدعمون حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات الاقتصادية، BDS] ونتصدّى لهم كأنّنا في حالة حرب. فلا بدّ من استهدافهم ومحاربتهم بدل الانخراط في نقاشات فكريّة معهم، ويلزم اللجوء إلى كلّ ما نستخدمه من قبل من وسائل لإيقافهم. هذه معركةُ إسرائيل لتبقى قائمة تدافع عن نفسها.[xxx]

قدّم معهد هارولد هارتوغ لأبحاث الحكومة ودراسة السياسات في جامعة تل أبيب أكثر التحليلات شموليّة في هذا الشأن حتّى الآن، فأصدر في العام 2008 وثيقة سياسة توجيهيّة بعنوان "وسم إسرائيل: تسويق الدولة في ظلّ صراع دائم". ولكنّ الوثيقة بدت عاجزة كما عجز من قبلها الكثير من الباحثين البارزين، من أمثال ألان ديرشوفتز الذي يتردّد كثيرًا على جامعة تل أبيب، على ابتكار تحرّكات مضادّة جديدة لم تختبر من قبل. فقد اقترح رومي هاسمان وهو مؤلف الوثيقة الاعتماد على أداة متعدّدة المجالات تجمع بين الإدارة الإستراتيجية والتسويق ومنهجيات الوسم مستفيدة في الوقت ذاته من المبادئ الدبلوماسية والأيديولوجيّة للدولة، على أن يكون أساس هذه التوليفة تلك الفكرة اليهودية عن إصلاح العالم (تيكون أولام) والتي تعبّر وفق نيل غاندَل رئيس معهد هارتوغ "عن مسؤولية الشعب اليهودي الأخلاقيّة أمام العالم". ويعتقد غاندل أنّ أمام إسرائيل فرصة لتحسين صورتها عبر إبراز مساهماتها في مجالات الإغاثة الإنسانية والتنمية، وتعزيز عملها مع العالم النامي.[xxxi]

ويشرح هاسمان في ملخّص ورقته ثلاث خطوات أساسيّة يحسن بإسرائيل اتّباعها لتسويق الدولة:

تأسيس مجلس وطنيّ لعمليات التواصل: يكون تابعًا لمكتب رئيس الوزراء ويرأسه المتحدّث الرسميّ الأول باسم الحكومة ويهدف إلى إدارة ومراقبة شبكة المتحدثين الرسميين باسم الحكومة والتنسيق بين مواقفهم فيما يتعلق بالسياسة والأمن والوضع الاقتصادي والاجتماعيّ.

تسويق الأمّة: ولتحقيق ذلك يلزم أن تكون وزارة الشؤون الخارجيّة ذراع عملية التسويق الدوليّة لدولة إسرائيل، وتشرف بهذه الصفة على تنسيق جهود تسويق إسرائيل وأعمال المتحدثين الرسميين والإعلاميين والتواصل مع وسائل الإعلام والصحافة الأجنبية ومراقبة الإعلام العالميّ. كما ستكون الوزارة مسؤولة عن المتابعة مع جميع سفارات إسرائيل وقنصلياتها وبعثاتها الدبلوماسية وممثليها حول العالم.

تأسيس وحدة ارتباط مع جيش الدفاع الإسرائيلي: وتعمل هذه الوحدة على التنسيق مع مكتب المتحدث باسم جيش الدفاع الإسرائيلي، وأي وحدات عسكريّة أخرى تعمل في مجال البحوث والتوجيه المعنوي وشبكة المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي وإذاعة الجيش الإسرائيلي (غاليه تساهل). ويعمل مكتب المتحدث الرسمي باسم جيش الدفاع بصفة تنفيذية عند التعامل مع وسائل الإعلام الأجنبية وذلك وفق توصيات وزارة الشؤون الخارجية وبتوجيه من المجلس الوطنيّ لعمليات التواصل.[xxxii]

ثم يختم هاسمان الملخّص بهذا التنويه:

بما أنّه تستحيل تغطية جميع الأسواق في آن واحد فإنّه لا بدّ من تحديد الأولويات، وفد فعلت الورقة هذا من خلال تسويق الأمّة حسب الدولة بناءً على مقدار قوّة العلاقة التي تربط كل دولة بدولة إسرائيل.[xxxiii]

لقد نقلت هذا الاقتباس السابق على طوله لأنّه يمثّل لنوع المعرفة التي تنتجها الأكاديميا النيو-صهيونيّة حول إسرائيل ونحن نسير في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. فإن كان الماضي قد أعيدت كتابته وفق سرديّة صهيونيّة، فإنّ الحاضر يُصوّر على أنّه صراع بقاء. لقد انتهى ذلك التحدّي الداخليّ رغم ما مثّله من أهمّية وأمل، رغمَ بعض المؤشّرات التي ما تزال تدلّ على استمراره حيًّا وذلك في أعمال بعض المنظمات التي تتحلّى بالشجاعة مثل منظمة "ذاكرات" (زوخروت)، ونيو بروفايل، وتعايش، وغيرها من المنظّمات التي تشكّل أقليّة في المجتمع. كما بقي في المجال الأكاديميّ والإعلامي والثقافي بعض الأفراد الذين ما يزالون يمتلكون الجرأة رغم الرقابة الشديدة والمضايقات لتقديم تفسيرات بديلة عن الماضي والحاضر، ويتعاملون بشكل عضويّ مع القصص التي يحكيها سكان الأرض الأصليون عن الماضي ويطلقون حملات توعيةٍ عن الواقع الراهن.

بيدَ أنّ محضَ القوّة لدى الدولة اليهوديّة وما تمتلكه من قدرة على زعزعة أمن المنطقة إن لم أقل العالم هو ما يؤزّ تلك المحاولات لفهم فكرة إسرائيل في القرن الحادي والعشرين، علمًا أنّ معظم هذه المحاولات تحدث خارج الدولة المحصنة لإسرائيل، مع وجود بعض الشركاء المؤثرين في هذه الجهود ممّن كانوا فيها وغادروها. وما يجري الآن هو أنّ الفلسطينيين يسعون لإعادة تعريف أنفسهم بعد قرن من الحرمان والشتات والاستعمار، أمّا بقية العالم فيحاول أن يفهم مستقبل طبيعة نوايا هذه الدولة التي قامت عام 1948 بمباركة من المجتمع الدولي وإهمال لرفض السكّان الأصليين في تلك الأرض التي أخذت بالقوّة. وهنالك قضيّة واحدة واضحة للجميع، بفظاعتها أو عظمتها حسب النّاظر إليها: إنّ فكرة إسرائيل قد أضحت كائنًا تدبّ فيه الحياة، دولةً بسبعة ملايين نسمة واقتصادًا متقدّمًا وجيشًا قويًّا وثقافة خصبة وجيلًا ثالثًا من المستوطنين صاروا أصيلين في هذه الدولة مع مرور الوقت.

برز في السنوات القليلة الماضية نموذجان تقدّميان في سياق السعي الأكاديمي/الحراكيّ لتوصيف ظاهرتي الصهيونية وإسرائيل بأكثر الأشكال دقّة وأخلاقيّة. الأول هو نموذج الاستيطان الاستعماري والثاني هو نموذج الفصل العنصري (الأبارتايد)، وكلاهما من الناحية العملية يناقضان المنهجية الإسرائيلية الرسمية والبحثية السائدة التي تصرّ على النظر إلى الصهيونيّة بوصفها حركة تحرير قوميّة وتعتبر إسرائيل دولة ديمقراطية ليبرالية.

ولكنّ هذين النموذجين رغم نفعهما إلا أنّهما غير كافيين، وذلك لأنّهما يستخدمان حالات تاريخيةً ذات نهاية معروفة ويطبقانها على واقع سارٍ ومستمرّ، والمعروف في الدراسة التقليدية للكولونيالية، أنّ الدولةَ الكولونيالية المستوطِنة تضع تاريخها الكولونيالي وراء ظهرها. ومع هذا فإنّ هذين النموذجين يمثّلان أفضل ما لدينا إلى أن نجد نموذجًا غيرهما. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّنا نواجه مصاعب من قبيل ما يواجهه الأكاديميون والخبراء والمثقفون الذين يحاولون بيان طبيعة ووجهة الثورات في العالم العربي والتي تعرف بثورات الربيع العربي، إذ إننا في صدد ظواهر مفتوحة المآلات لم نصل إلى ختامها بعد.

لقد وصلت الضغوطات الخارجيّة ذروتها في صيف عام 2013 حين أقرّ الاتّحاد الأوروبي فرض عقوباتٍ جزئية على إسرائيل، واهتزّت تلك الصورة التي رسمتها إسرائيل لنفسها منذ العام 1948، بأنّها واحة الاستقرار والمدنية والأخلاق في صحراء قاحلة من الهمجية والبدائية والتعصّب. وحتّى أولئك الإسرائيليون الذي تظاهروا في صيف 2011 في تل أبيب محتجّين بأعداد تصل إلى نصف مليون على الأوضاع المعيشية المتردّية قد أقرّوا بأنّ هذه الصورة قد تغيّرت، ليس في العالم وحسب، بل وفي أذهانهم هم أيضًا، وذهبوا يهتفون: "تل أبيب ميدان التحرير الجديد" وتوعّدوا الحكومة عام 2013 بميدان تحرير جديدٍ لأنّها لم تلبّ بعد انتخابها عام 2012 أيًا من المطالب المتعلقة بتحسين ظروف الإسكان والتوظيف والتعليم.

إنّ القوى التي تسيطر على دولة إسرائيل ما تزال حتّى الآن تجاري الوجه الأقبح من الربيع العربيّ، وخاصّة ذاك الذي يتمثّل في الحكومة السوريّة التي تستخدم طيرانها العسكريّ لقصف أي مواقع تعدّها تهديدًا إستراتيجيًا للدّولة

إنّ القوى التي تسيطر على دولة إسرائيل ما تزال حتّى الآن تجاري الوجه الأقبح من الربيع العربيّ، وخاصّة ذاك الذي يتمثّل في الحكومة السوريّة التي تستخدم طيرانها العسكريّ لقصف أي مواقع تعدّها تهديدًا إستراتيجيًا للدّولة. وتأمل النخبة في إسرائيل أن يؤول الربيع العربي إلى صحراء إسلاميّة مهلكة كي تستعيد إسرائيل صورتها التي رسمتها عن واحةِ الأمان في المنطقة، ولكنّ هذا لن يحصل.

وحتّى في هذا المشهد المضطرب من العنف والفوضى في هذا المخاض التاريخي الجديد نرى أنّ الرأي العالميّ لم يكفّ عن شجب الاضطهاد الإسرائيلي المستمر للفلسطينيين، كما أنّ صورة أخرى تترسّخ أكثر وأكثر بأنّ إسرائيل دولة كولونياليّة من إرث القرن العشرين ما تزال قائمةً لأنّها تخدم أغراض الولايات المتحدة ولأنّها تلعب دورًا مهمًّا في الاقتصاد الرأسمالي العالميّ. فلم يعد هنالك أي بعدٍ أخلاقيّ في الدعم العالميّ المقدم لها، وحين يبدأ الجانب الوظيفي من الدعم بالتراجع، فإنّ الكفّة ستميل لتحقق السيناريو الذي رآه كلّ من مفكري مابعد الصهيونية ومفكري النيو-صهيونية على السواء والذي يتمثّل في دولة منبوذة تقوم على نظام فصل عنصريّ. ولقد كنّا وضعنا هذا الكتاب آملين أن لا يتحقّق مثل هذا السيناريو المرعب، وإنْ كنّا نشعر على وجل وضيق بأنّ هذا ما يحصل فعلًا أمام أعيننا.


 

الهوامش والمصادر: 

[1] تعني هاسبارا كما هي مستخدمةٌ في هذا السياق تلك الحملة الإسرائيلية المنظّمة في الخارج في مجال العلاقات العامة والدعاية لنشر معلومات إيجابيّة عن دولة إسرائيل وما تقوم به والتصدّي لمحاولات تشويه صورتها وتقويض شرعيّتها في العالم، وهو مصطلح يستخدم على المستوى الرسميّ في إسرائيل للإشارة إلى جميع هذه الجهود على اختلاف أشكالها. (المترجم)

[2] في المملكة المتّحدة وتحديدًا في جنوب لندن والكثير من قاطنيها من أصول إفريقية وكاريبية، وكانت مسرحًا للعديد من المظاهرات في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي نظرًا للأوضاع المعيشية والأمنيّة المتردّية فيها (المترجم)

 

[i] Sarah Schulman, ‘A Documentary Guide to “Brand Israel” and the Art of

Pinkwashing’, Mondoweiss, (30 November 2011), mondoweiss.net/2011/11/adocumentary-

guide-to-brand-israel-and-the-art-of-pinkwashing.html.

[ii] المصدر السابق

[iii] davidproject.org.

[iv] المصدر السابق

[v] المصدر السابق

[vi] المصدر السابق

[vii] Schulman, ‘A Documentary Guide’.

[viii] المصدر السابق

[ix] المصدر السابق

[x] المصدر السابق

[xi] يديعوت أحرونوت 27 تموز 2011

[xii] Gary Rosenblatt, ‘Marketing a New Image’, Jewish Week, (20 January 2005).

[xiii] المصدر السابق

[xiv] المصدر السابق

[xv] المصدر السابق

[xvi] المصدر السابق

[xvii] انظر israelatheart.org

[xviii] هآرتز 17 تموز 2012

[xix] الغارديان 22 أيار 2009

[xx] Schulman, ‘A Documentary Guide’

[xxi] Schulman, ‘A Documentary Guide’

[xxii] The Delegitimisation Challenge: Creating a Political Firewall’, the Reut

Institute, (14 February 2010), reut-institute.org (Hebrew).

[xxiii] هآرتز 28 تشرين الثاني 2007

[xxiv] Jewish People Policy Institute, Annual Assessment 2010, Executive Report 7,

p. 182.

[xxv] Vera Michlin, ‘Winning the Battle of the Narrative’, the Tenth Herzliya Annual

Report, (31 January–3 February 2010), pp. 56–60.

[xxvi] Peter Beinart, ‘The Failure of the American Jewish Establishment’, New York

Review of Books, (10 June 2010).

[xxvii] Israeli Ministry of Foreign Affairs press report, (21 October 2010); see mfa.

gov.il (Hebrew).

[xxviii] Eitan Dangot, ‘Strategies for Countering Delegitimisation and for Shaping

Public Perceptions’, panel discussion, Countering Assaults on Israel’s

Legitimacy, The S. Daniel Abraham Center for Strategic Dialogue, Netanya

Academic College, (16 April 2012).

[xxix] The Summary of the Eleventh Herzliya Conference; see herzliyaconference.

org.

[xxx] المصدر السابق

[xxxi] Rommey Hassman, ‘The Israeli Brand: Nation Marketing Under Constant

Conflict’, policy paper presented at the Harold Hartog School of Government,

University of Tel Aviv, (April 2008).

[xxxii] المصدر السابق ص5

[xxxiii] المصدر السابق ص57-58