15-يوليو-2016

(ريمي فينالي/Getty) مدخل المربع الدبلوماسي الفرنكفوني في مدريد

كانت الإدارة الفرنسية تتوقع أن تأتيها ضربة إرهابية من خلال استهداف سفاراتها في الخارج، فعملت على غلق ممثلياتها في تركيا اللصيقة بالخطوط الداعشية، أو خلال العرس الكروي الأوروبي الذي دام شهرًا، فعملت على فرض إجراءاتٍ أمنيةٍ في مفاصل باريس، حتى كان مستعصيًا على العصفور أن يمر، أو من خلال الهجوم على إحدى قواعدها العسكرية المزروعة في العالم، أو أحد مطاراتها، فرفعت من درجات التأهب، لكنها لم تتوقع أن تُضرب بتلك الطريقة في "متنزه الإنجليز" في مدينة نيس جنوبًا.

آلاف الفرنسيين والمقيمين والسياح، انخرطوا في الاحتفال بذكرى الثورة الفرنسية، وأطلقوا العنان لأفراحهم بالألعاب النارية، وإذا بشاحنة تبريد، تقتحم الرصيف، وتشرع في حصد النفوس والرؤوس، غير مفرِّقة بين صغير وكبير، وفرنسي وأجنبي ومسلم ومسيحي أو يهودي، لتخلّف ما خلّفت من قتلى وجرحى ومصدومين ومرعوبين.

 هل هناك ميزة خاصة في طبيعة الإرهابيين المتواجدين في الفضاء الفرنسي، تجعلهم يختلفون عن زملائهم في العالم، من حيث طريقة تنفيذ عملياتهم؟ 

هنا لا بد من التذكير بأن فرنسا تعرّضت خلال الشهور الاثني عشر الماضية، إلى جملةٍ من الاعتداءات الإرهابية، حققت كلُّها عنصر المفاجأة، من زاوية مكان وطريقة حدوثها، رغم أنها كانت منتظرة من حيث المبدأ، فمن كان يتوقع مجزرة المسرح في باريس؟ أو انتظر مجزرة البارحة في نيس، بالطريقتين والتوقيتين والأدوات التي نفّذتا بها؟

اقرأ/ي أيضًا: تصاعد التصورات المعادية للمسلمين عبر أوروبا

لقد استسلمت المؤسسة الأمنية الفرنسية إلى توقعات كلاسيكية، لضربات إرهابية بالطرق المتعارف عليها، من تفخيخ للسيارات والأفراد والأمكنة، ولم تتخذ إجراءاتٍ خارج هذه التوقعات، فأتتها الضربة بطريقة خارج الحسبان، ولا شك في أنها طريقة ستقلّد مستقبلًا في أكثر من مكان داخل فرنسا وخارجها، بالنظر إلى نجاعتها وصعوبة التحكم فيها، وقدرتها على خلق شغف خاص لدى الشباب، حتى إن لم يكونوا مرتبطين بتنظيم إرهابي معيّن.

هذه المعطيات تضع المخابرات الفرنسية المختلفة، أمام رهان المزيد من التكامل فيما بينها، بعيدًا عن صراع الديكة بين اليسار واليمين، على غرار التكامل والانسجام الموجودين بين الديمقراطيين والجمهوريين في الولايات المتحدة، في كلّ ما يتعلّق بالأمن القومي الأمريكي، وفتح الأبواب واسعة لخيال مخابراتي جديد، انطلاقًا من دراسة عميقة لطبيعة الإرهابي الفرنسي، أصيلًا كان أم مقيمًا أم وافدًا جديدًا.

السياق يفرض الأسئلة التالية: هل هناك ميزة خاصة في طبيعة الإرهابيين المتواجدين في الفضاء الفرنسي، تجعلهم يختلفون عن زملائهم في العالم، من حيث طريقة تنفيذ عملياتهم؟ هل لطبيعة اليسار الحاكم في فرنسا، دخل في هذا الكمّ والنوع من الضربات الإرهابية التي مسّت البلاد، من بين الدول الأوروبية، بالتالي جاءت فرصة اليمين المتطرف ليستولي على زمام الأمور في الفضاء الفرنسي، بكل ما يترتب عن ذلك سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا، وتقليدًا لبريطانيا في الخروج من الاتحاد الأوربي؟ إلى أيّ مدى يمكن اعتبار حدوث هذه المجزرة في ذكرى الثورة الفرنسية، ضربًا لمبادئها القائمة على قيم الحرية والمساواة وحقوق الإنسان؟ وبصيغة شبيهة: هل بدأت الثورة الفرنسية، بعد تراكمات وتحولات موضوعية، تعجز عن فرض قيمها النبيلة، في بناء مجتمع فرنسي يقبل تنوعاته؟

اقرأ/ي أيضًا:

فرنسا..تحديد هوية منفذ هجوم "يوم الباستيل"

"صرح الخلافة".. هيكلية تنظيم الدولة المؤسساتية