10-مارس-2025
منجم ذهب في مقاطعة كيفو شرقي الكونغو (منصة إكس)

منجم ذهب في مقاطعة كيفو شرقي الكونغو (منصة إكس)

تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى تعزيز تواجدها في قطاع التعدين في إفريقيا من خلال بحث شراكات جديدة مع جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تمتلك أحد أكبر احتياطيات المعادن الحيوية في العالم، مثل الكوبالت والليثيوم واليورانيوم، وهي معادن أساسية في الصناعات التكنولوجية والطاقة المتجددة والتطبيقات العسكرية.

جاء هذا التطور بعد أن تواصل السيناتور الكونغولي بيير كاندا كالامباي مع مسؤولين أميركيين لاقتراح صفقة تبادل تتيح للولايات المتحدة الاستثمار في قطاع التعدين مقابل تقديم دعم أمني للكونغو، التي تواجه تمردًا من قبل حركة "إم 23"، المدعومة من رواندا.

مع تصاعد العنف في شرق الكونغو، خصوصًا بعد تقدم قوات حركة "إم 23" المدعومة من رواندا، تسعى الحكومة الكونغولية إلى ضمان دعم دولي أكبر، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الأمني

وفي تصريح لوكالة "رويترز" للأنباء، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن 'الولايات المتحدة منفتحة على مناقشة الشراكة في هذا القطاع بما يتماشى مع أجندة "أميركا أولًا"، التي يتبناها الرئيس دونالد ترامب.

وأضاف أن الكونغو الديمقراطية تمتلك حصة كبيرة من المعادن الحيوية الضرورية للتقنيات المتقدمة، وبالتالي فإن تعزيز التعاون في هذا المجال يصب في مصلحة الطرفين".

الكونغو تسعى لتنويع شركائها في التعدين

رغم أن الحديث عن شراكة أميركية مع الكونغو الديمقراطية في مجال التعدين يتم تداوله منذ أسابيع داخل الأوساط السياسية في كينشاسا، إلا أن الحكومة الكونغولية لم تفصح عن تفاصيل محددة حول أي صفقة محتملة.

وفي هذا السياق، أوضح المتحدث باسم الحكومة الكونغولية، باتريك مويايا، أن بلاده ترحب بالاستثمارات الأجنبية وتسعى لتنويع شركائها، مشيرًا إلى أن الكونغو لا ترغب في الاعتماد على جهة واحدة في استغلال مواردها الطبيعية.

وقال مويايا في تصريحات صحفية: "هناك رغبة لدينا لتنويع الشراكات، وإذا كان المستثمرون الأميركيون مهتمين بالقدوم إلى الكونغو، فإنهم سيجدون فرصًا كبيرة هنا. لدينا احتياطات ضخمة من المعادن، ونرى أن من الجيد أن يكون هناك استثمار أمريكي في بلادنا".

ووفقًا لمصادر حكومية، فإن الكونغو لا تزال تقيّم الخيارات المتاحة لها، خصوصًا أن الاستثمارات في قطاع التعدين تخضع لحسابات اقتصادية وسياسية معقدة، في ظل المنافسة بين القوى الكبرى على النفوذ في إفريقيا.

العقبات أمام الاستثمار الأمريكي في التعدين الكونغولي

رغم اهتمام واشنطن المتزايد بالمعادن الإفريقية، إلا أن دخولها إلى قطاع التعدين في الكونغو يواجه عدة تحديات معقدة. تأتي الهيمنة الصينية على رأس هذه العقبات، حيث تمتلك الشركات الصينية الحصة الاكبر في القطاع، ما يعقّد فرص الشركات الأميركية في السوق، نظرًا لسيطرة بكين على سلاسل التوريد الخاصة بالكوبالت والليثيوم، وعقدها اتفاقيات طويلة الأمد مع الحكومة الكونغولية.

بالإضافة إلى ذلك، تعاني الولايات المتحدة من غياب شركات تعدين مملوكة للدولة، وعلى عكس الصين، لا تعمل الشركات الأميركية الكبرى حاليًا في الكونغو، مما يجعل أي اتفاق مستقبلي يتطلب حلولًا غير تقليدية لإشراك القطاع الخاص الأميركي.

يضاف إلى ذلك الوضع الأمني المتدهور، حيث تعاني الكونغو من حالة عدم استقرار سياسي وعسكري، خصوصًا مع تصاعد التوترات مع رواندا وانتشار الجماعات المسلحة في شرق البلاد، ما يجعل الاستثمار محفوفًا بالمخاطر.

كما يواجه قطاع التعدين مشكلات متعلقة بالفساد والتحديات التنظيمية، إذ يشكو المستثمرون الأجانب من الروتين الحكومي وضعف البنية التحتية القانونية، ما قد يعوق تدفقات الاستثمارات الأميركية ويحدّ من فرص نجاحها في القطاع.

تحركات واشنطن نحو تعزيز التعاون مع الكونغو

في إطار هذه المساعي، قام نائب رئيس ديوان الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي، أندريه واميسو، بزيارة إلى واشنطن في وقت سابق من الشهر الجاري لإجراء محادثات حول التعاون في قطاع التعدين.

كما أرسل لوبي ضغط يمثل السيناتور الكونغولي بيير كاندا كالامباي، في 21 شباط/فبراير الماضي، رسائل إلى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو ومسؤولين أميركيين آخرين، يدعوهم فيها إلى الاستثمار في الموارد المعدنية الكونغولية مقابل دعم واشنطن للاستقرار الإقليمي في البلاد.

غير أن الحكومة الكونغولية لم تصادق رسميًا على هذا الاقتراح، وفق ما أكده مسؤولون في الرئاسة الكونغولية ووزارة المناجم، مما يشير إلى وجود عدة مبادرات متوازية قيد البحث، ولكنها لم تصل بعد إلى مرحلة التنفيذ الفعلي.

هل ستنجح واشنطن في كسر الهيمنة الصينية على المعادن الإفريقية؟

يأتي هذا التطور في وقت تعمل فيه واشنطن على تأمين مصادر جديدة للمعادن الحيوية، وسط تصاعد المنافسة مع بيكين التي تهيمن على معظم عمليات استخراج وتصنيع هذه المعادن.

وفي هذا السياق، أشار الخبير في شؤون الكونغو بجامعة سيمون فريزر الكندية، جايسون ستيرنز، إلى أن الولايات المتحدة قد تواجه صعوبات في تنفيذ أي اتفاق مباشر، قائلًا: "إذا أرادت الكونغو تحقيق هذه الشراكة، فلن يكون ذلك بمنح امتيازات التعدين فقط، بل يجب عليها البحث عن طرق أكثر تعقيدًا لإشراك الولايات المتحدة".

وأضاف أن التدخل الأميركي في قطاع التعدين الكونغولي قد يثير حفيظة الصين، التي ضخت استثمارات ضخمة في البنية التحتية الكونغولية مقابل حقوق التعدين، وهو ما قد يؤدي إلى توترات دبلوماسية وتجارية بين الجانبين.

آفاق التعاون الأميركي الكونغولي في ظل التوترات الإقليمية

مع تصاعد العنف في شرق الكونغو، خصوصًا بعد تقدم قوات حركة "إم 23" المدعومة من رواندا، تسعى الحكومة الكونغولية إلى ضمان دعم دولي أكبر، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الأمني.

وفي هذا الإطار، يرى بعض المحللين أن تقارب الكونغو مع واشنطن قد يكون جزءًا من استراتيجية أوسع لمواجهة النفوذ الصيني والرواندي في المنطقة، إلا أن نجاح هذه الاستراتيجية يعتمد على قدرة الكونغو على الموازنة بين مصالحها الوطنية وعلاقاتها مع القوى الدولية الكبرى.

هل تتجه الكونغو نحو شراكة أميركية جديدة في التعدين؟

في ظل هذه التطورات، يبقى السؤال الأساسي: هل ستتمكن الولايات المتحدة من إبرام اتفاق مع الكونغو يمنحها موطئ قدم في قطاع التعدين، أم أن النفوذ الصيني المتغلغل سيحبط أي محاولات أميركية في هذا الصدد؟

الإجابة على هذا السؤال ستتضح خلال الأشهر المقبلة، حيث يتوقع أن تكثف واشنطن وكينشاسا محادثاتهما حول هذا الملف الحساس، وسط توقعات بأن تكون الصراعات الإقليمية والجيوسياسية عاملًا حاسمًا في تحديد مصير هذه الشراكة المحتملة.