15-يناير-2025
فولكر تورك

مفوض حقوق الإنسان، فولكر تورك، خلال زيارته سجن صيدنايا (الأمم المتحدة)

 

في زيارة تاريخية إلى العاصمة السورية دمشق، شدد المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فولكر تورك، على الأوضاع الإنسانية المتدهورة في سوريا، مؤكدًا أن 90% من السكان يعيشون تحت خط الفقر. جاء هذا التصريح خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده، الأربعاء 15 يناير/كانون الثاني 2025، بعد لقائه مع قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، في أول زيارة له إلى سوريا منذ توليه منصبه.

وأوضح تورك في المؤتمر الصحفي أن الوضع في سوريا بالغ الصعوبة، حيث يعاني معظم السوريين من فقر مدقع نتيجة النزاع المستمر والعقوبات المفروضة على البلاد. وقال المفوض السامي: "اليوم، 90% من السوريين يعيشون في فقر، وهم بحاجة إلى دعم عاجل لإعادة بناء حياتهم ودولتهم". وأكد أن رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا أصبح يمثل ضرورة ملحة لتحسين الوضع الإنساني في البلاد وتخفيف معاناة الشعب السوري.

كما أشار تورك إلى ضرورة العمل على دعم إعادة تأهيل البنية التحتية الأساسية، مثل التعليم والصحة والإيواء، التي تضررت بشكل كبير خلال سنوات النزاع. وقال إن الأمم المتحدة ملتزمة بتقديم الدعم اللازم في هذا المجال، ولكن العمل يتطلب تعاونًا وثيقًا بين جميع الأطراف المعنية.

أبرز المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة أهمية تحقيق العدالة الانتقالية في سوريا كجزء أساسي من عملية إعادة البناء السياسي والاجتماعي

وأبرز المفوض السامي أهمية تحقيق العدالة الانتقالية في سوريا كجزء أساسي من عملية إعادة البناء السياسي والاجتماعي، بعد سقوط نظام بشار الأسد. وشدد على ضرورة محاسبة مرتكبي الجرائم ضد حقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب والاعتقالات التعسفية والإعدامات غير القانونية التي طالت آلاف المدنيين. وقال تورك إن "العدالة الانتقالية أمر بالغ الأهمية بالنسبة لمستقبل سوريا. لا يمكن للبلاد أن تتقدم بدون تحقيق العدالة للضحايا وإعادة الحقوق إلى أصحابها".

 

 

وفي هذا السياق، أشار إلى ضرورة محاكمة المسؤولين عن الانتهاكات دون تمييز أو استثناء، موضحًا أن الوضع في سوريا يقتضي العمل الجاد على محاسبة المسؤولين عن الجرائم الكبيرة التي ارتُكبت خلال سنوات النزاع. وأكد على أهمية أن تكون هذه المحاكمات شفافة ونزيهة لضمان تحقيق العدالة.

من أبرز النقاط التي ناقشها فولكر تورك خلال زيارته هي الأوضاع في مراكز الاحتجاز والسجون السورية، وعلى رأسها سجن صيدنايا سيء السمعة، والذي زاره المفوض الأممي، أمس الثلاثاء. حيث التقى المفوض السامي بمعتقل سابق كان قد احتُجز في هذا السجن الذي يُعد من أكبر مراكز الاحتجاز في سوريا، حيث شهد المعتقلون تعرضهم للتعذيب المروع في ظروف قاسية. وذكر أحد المعتقلين السابقين في صيدنايا أن السجناء كانوا يتعرضون للركل والضرب المبرح أثناء الاستجواب، وكانت هناك حالات يتم فيها إبقاء المعتقلين لعدة أيام بدون ملابس.

وأشار تورك إلى التقارير التي تلقاها مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والتي تشير إلى أن العديد من المعتقلين في صيدنايا أُعدموا بشكل موجز، دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، ودون إبلاغ عائلاتهم عن وفاتهم. وأضاف أن الأمم المتحدة ستعمل على التحقيق في هذه الانتهاكات ودعم البحث عن المفقودين في السجون السورية.

أكد المفوض الأممي أن عملية الانتقال السياسي يجب أن تقوم على أسس من العدالة والمساواة لجميع المواطنين السوريين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الطائفية

وعُقد، اليوم الأربعاء اجتماع بين فولكر تورك وقائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، حيث ناقش الطرفان التحديات التي تواجه سوريا في مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد، وكيفية بناء دولة حرة وديمقراطية تضمن كرامة جميع السوريين. وأكد تورك أن عملية الانتقال السياسي يجب أن تقوم على أسس من العدالة والمساواة لجميع المواطنين السوريين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الطائفية.

 

فولكر تورك

 

وشدد تورك على أهمية أن تقوم سوريا بإعادة تأهيل مؤسساتها الحكومية والعدلية لتتمكن من تحقيق المصالحة الوطنية. كما دعا إلى العمل الجاد لتحقيق الاستقرار في البلاد وضمان حقوق الإنسان لجميع المواطنين. وأشار إلى أن الأمم المتحدة ستواصل دعم العملية السياسية في سوريا، بما في ذلك العمل على تعزيز الاستقرار الداخلي، وتوفير الدعم اللازم لمساعدة السوريين على التعافي من آثار النزاع.

واحدة من أبرز القضايا التي طرحها المفوض السامي خلال زيارته هي العقوبات الدولية المفروضة على سوريا، والتي يُعتقد أنها تساهم بشكل كبير في تفاقم الوضع الاقتصادي والإنساني. وقال تورك: "إن العقوبات يجب أن تُؤخذ في الاعتبار بشكل جاد عند مناقشة مستقبل سوريا. تأثيرها على حياة الشعب السوري لا يمكن تجاهله، ويجب إعادة النظر فيها بشكل عاجل". وأضاف أن رفع العقوبات سيكون خطوة مهمة نحو تسهيل إعادة بناء سوريا وتحسين الظروف المعيشية للسوريين.

 

 

وعلى هامش الزيارة، التقى فولكر تورك مع فريق الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، حيث تمت مناقشة سبل تحقيق العدالة للسوريين والتعاون بين الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني. وشدد الاجتماع على أهمية الحفاظ على مسارح الجرائم التي ارتُكبت فيها الفظائع، بما في ذلك السجون والأفرع الأمنية، وحمايتها من العبث أو التحوير، وفق ما بيّنه الدفاع المدني في منشور على منصة "إكس"، كما تم التطرق إلى أهمية حماية المقابر الجماعية وتوثيق الجرائم التي ارتُكبت بحق المدنيين.

في ختام زيارته، وصف فولكر تورك اللقاءات التي جمعته مع الضحايا والمعتقلين السابقين بأنها كانت لحظات تاريخية، معبرًا عن إعجابه بشجاعة وتصميم السوريين رغم التحديات التي يواجهونها. وأكد أن الأمم المتحدة ستواصل دعم الشعب السوري في سعيه لتحقيق العدالة والمصالحة الوطنية، مشددًا على ضرورة أن يكون هناك تعاون دولي حقيقي لدعم سوريا في هذه المرحلة الدقيقة.