28-نوفمبر-2018

استفاد تنظيم داعش من تجربة القاعدة لتطوير السيارات المفخخة (Getty)

في كانون الثاني/ يناير 2005، اعتقلت السلطات العراقية، أبو عمر الكردي، مساعد أبو مصعب الزرقاوي، زعيم تنظيم التوحيد والجهاد. كانت الاعترافات التي ظهرت لوسائل الإعلام، تقول إن مساعد الزرقاوي قام بتفجير 32 سيارة مفخخة، وكان وقتها مكلفًا باستهداف المراكز الانتخابية في العراق التي كانت معدة لانتخابات كانون الأول/ ديسبمر 2005، التي أجريت في العراق وقتذاك، وبالرغم من إعلان اعتقال الشخص الذي كان من المفترض أن يقوم بتنفيذ هذه الهجمات، خاف العراقيون وقتها من الذهاب للمراكز الانتخابية، وتحولت كل سيارة في نظرهم إلى مشروع مفخخة في شوارع بغداد والمحافظات. 

 كانت معظم الجماعات المسلحة، بما فيها داعش، التي خرجت في العراق والتي استخدمت فيما بعد تقنيات متطوّرة من السيارات المفخخة، استفادت من تجربة الزرقاوي

لكن هذه اللحظة لم تكن بداية مسلسل الرعب من المفخخات في العراق التي تبنى أبو مصعب الزرقاوي وتنظيمه أغلبها منذ آب/ أغسطس 2003، حين انفجرت سيارة مفخخة أمام السفارة الأردنية في العراق، إضافة إلى استهداف مقر الأمم المتحدة، فضلًا عن مقتل المرجع الشيعي، محمد باقر الحكيم في 29 آب/ أغسطس في نفس العام، حيث راح ضحية الاستهداف وقتها أكثر من 83 شخصًا، وشكل صدمة كبرى نظرًا لما يتمتع به الحكيم من رأسمال معنوي وأتباع في عموم الأوساط الشيعية.

اقرأ/ي أيضًا: صورة للعراق بعد قرن من الاحتلال الأمريكي

استمرت المفخخات في العراق، حتى في الأيام التي كان يقاتل فيها الصدريون في النجف والمقاومة في الفلوجة الاحتلال الأمريكي، لكن أشدها قسوة وأكثرها وطأة كان في أيلول/ سبتمبر 2005، إذ استهدفت بغداد بـ11 سيارة مفخخة، كان يقودها انتحاريون، وسقط حينها مئات القتلى والجرحى، تبناها الزرقاوي في تسجيل صوتي، ليواصل ذلك بسلسلة من الانفجارات في العاصمة بغداد، وتكون أسماء أيام الأسبوع، الأحد الدامي والثلاثاء الفاجع، وهكذا نظرًا لأن المفخخات كانت تتعدى الخمسة في اليوم العراقي الواحد، فيما كان بعضها يستهدف الوزارات والمؤسسات السياسية العراقية خارج المنطقة الخضراء، إلى أن وصلت ذروتها من حيث الدقة والحجم في زمن خليفة الزرقاوي وصديقه متعدّد الأسماء، والذي يعرف بـ"أبو أيوب المصري وأبو حمزة المهاجر"، لا سيما في يوم 19 آب/ أغسطس 2009، أو ما أطلق عليه بـ"الأربعاء الأسود"، الذي شهد سلسلة تفجيرات استهدفت عدة مباني حكومية وغير حكومية، أهمها وزارة الخارجية العراقية.

أسفر انفجار الخارجية حينها عن سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى، إذ وصف خبراء عسكريون ومهتمون بشأن الجماعات المسلحة الانفجار بـ"الاستثنائي"، لما أحدثه من ضرر في مبنى الوزارة وبسبب الحصيلة المرتفعة من القتلى الذين سقطوا إثره، مشيرين إلى أن الحادثة كانت نوعًا من الاستعراض في المفخخات الذي أراد المصري عرضه على الأمريكان والحكومة العراقية على حدّ سواء، إضافة إلى رمزية وزارة الخارجية وضربها بدقة في سيارة مفخخة واحدة.

كانت المفخخات في شوارع البلاد، وسرعة انفجاراتها في مناطق عديدة وفي أوقات واحدة مفاجئة للجميع، إضافة إلى عدم تمكن القوات العراقية من تخفيف وطأتها ولو في منطقة واحدة، حيث كانت غامضة حتى للقادة الأمنيين بسبب كثرة الجماعات المسلحة واختلاط المقاوم للأمريكان بالإرهابي، الذي يستهدف المدنيين في الأسواق والأماكن العامّة.

 لكن صاحب كتابي عالم داعش ونبذة عن تاريخ القاعدة في العراق، هشام الهاشمي، الخبير في شؤون الجماعات المسلحة، يقول في حديثه لـ"ألترا صوت"، إن "الزرقاوي استخدم طرق التفخيخ التي جاءت من مراكز تدريب أنصار الإسلام في السليمانية (شمال العراق) ومن مراكز تدريب العرب الأفغان"، لافتًا إلى أنها "ليست متطوّرة جدًا، لكنها كانت تستخدم كميات كبيرة من المواد والحشوات التفجيرية للعملية الواحدة، معتمدًا على وفرة السلاح الذي حصل عليها من مخازن الجيش العراقي السابق والقوات الأمنية في نيسان/ أبريل 2003". أي بعد الغزو الأمريكي للعراق، حين تركت قوات الاحتلال أبواب المؤسسات العسكرية التابعة للجيش العراقي السابق مفتوحة ومتاحة أمام الجميع، ويأخذ سلاحها من يشاء، وتكون فيما بعد رصيدًا للفاعلين في الحرب الأهلية، التي كان الزرقاوي أحد أعمدتها.

اقرأ/ي أيضًا: فضيحة في العراق... المصارف "دكاكين" لتمويل "داعش"

وحول تطوير الزرقاوي لأسلوب المفخخات في العراق ومن أفاده بهذا الجانب، أوضح الهاشمي، أن "الزرقاوي كان يعتمد على خبرة أبو حمزة المهاجر المصري، وعلى خبرة حامد داوُد الزاوي المكنى بأبي عمر البغدادي، وخبرة عبد الله الجواري المكنى بأبي عزام العراقي، إضافة إلى خبرة أبو محمد اللبناني وعمر بازياني"، موضحًا، أن "هذا الخليط المتنوع من الخبرات التقليدية والمتطورة، كوّن لهم مراكز في المناطق الزراعية وأخذوا يتبادلون الخبرات ويعلمون الشباب الجدد على استخدام آليات جديدة ومتطورة في العمل التفخيخي".

كانت المفخخات في شوارع العراق، وسرعة انفجاراتها في مناطق عديدة وفي أوقات واحدة مفاجئة للجميع، بما في ذلك الاحتلال الأمريكي

لم تكن المفاجآت بأكوام المفخخات التي تستهدف الشوارع العراقية، تتغلب على ساكني المنطقة الخضراء فقط، الحصن الآمن للسياسيين في العراق منذ ذلك الوقت وحتى الآن، إذ إن قوات الاحتلال الأمريكي كانت أيضًا متفاجئة مما يحدث، إذ يرى الهاشمي أن "الصدمة التي أصابت الأمريكان في الكمائن والخدع والتفجيرات الضخمة ونوع المواد المتفجرة، بالإضافة إلى تكييف صناعة العبوات والمتفجرات مع كل وقاية يعتمدها الجيش الأمريكي في ذلك الوقت".

وكما يرى مراقبون، كان معظم الجماعات المسلحة، بما فيها داعش، التي خرجت في العراق والتي استخدمت فيما بعد تقنيات متطوّرة من السيارات المفخخة، قد استفاد من الآليات التي كان يستخدمها أبو مصعب الزرقاوي. حول ذلك يقول الهاشمي إن "داعش هي حفيد مخلص للزرقاوي، وعليه انتفعت كثيرًا من مدرسته في صناعة العبوات والمتفجرات، وأيضًا طوّرت التصنيع العسكري بالاعتماد على مهندسين وخبراء من موظفي التصنيع العسكري في النظام السابق، وأنفقت الكثير على مختبرات التطوير العسكري والكيميائي، كما فعلها الزرقاوي أيضًا في السنوات التي أعقبت الغزو الأمريكي على العراق".