15-ديسمبر-2019

يقتحم حفتر طرابلس بعد أشهر من الفشل (أ.ف.ب)

"دقت ساعة الصفر، ساعة الاقتحام الواسع الكاسح"، خطاب تشابهت كلماته الأولى مع تراث ارتبط بالعقيد معمر القذافي الزعيم الليبي السابق. ومن ليبيا أيضًا التي حكمها الأخير، عاد ليرددها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي ظهر كعادته مرتديًا ملابسه العسكرية برتبة المشير، ليعلن يوم الخميس، وفي كلمة متلفزة مدتها خمس دقائق، انطلاق ما أسماه العملية الحاسمة، للسيطرة على طرابلس العاصمة، بغرض إزاحة حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا برئاسة فائز السراج.

"دقت ساعة الصفر، ساعة الاقتحام الواسع الكاسح"، خطاب تشابهت كلماته الأولى مع تراث ارتبط بالعقيد معمر القذافي الزعيم الليبي السابق، أعلن فيه حفتر بدء عملية جديدة نحو طرابلس

 خطاب حفتر قائد ما يعرف بالجيش الوطني الليبي، لم يحمل جديدًا للمتابعين للشأن الليبي. تهديد باقتحام وسيطرة على طرابلس، وهي نفس التهديدات التي فشل في تحقيقها لأكثر من ثمانية أشهر وبالتحديد منذ انطلاق عملياته العسكرية على طرابلس في نيسان/أبريل الماضي. لكن ذلك لا ينفي أن هناك لاعبًا جديدًا في الأزمة قد يعطي حفتر بعض المميزات، والأسلحة المتطورة التي وصلت لقائد شرق ليبيا من المرتزقة الروس المتواجدين في البلاد منذ عدة أشهر.

اقرأ/ي أيضًا: الغارات المصرية على ليبيا.. بعيدًا عن داعش وفي خدمة حفتر

دفع التخوف من تواجد هؤلاء المرتزقة، المبعوث الأممي غسان سلامة في 8 كانون الأول/ديسمبر للتحذير من "بحر دماء" قد يحدث في حال تحرك حفتر نحو طرابلس. أما النفوذ الروسي واختفاء التواجد الأمريكي عوضه التهديد التركي بالدخول لدعم حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا، ما بدا وكأنه قد حول ليبيا لساحة صراع إقليمي، غير أن البعض يأمل في تدخل حاسم من الولايات المتحدة لإرغام الجميع على الجلوس على طاولة المفاوضات، حتى مع فرض حفتر عنصرًا رئيسيًا بصفته الرجل الأقوى والأكثر سيطرة على الأراضي الليبية، والمدعوم من عدد من دول المنطقة ذات النفوذ المالي والسياسي على رأسها الإمارات والسعودية ومصر. سيناريوهات متداخلة لا يمكن حسم إلى أي منهم ستسير الأحداث.

 الخطاب الأخير

اللواء المتقاعد خليفة حفتر، أمر قواته بالانطلاق إلى قلب طرابلس وقال في كلمة متلفزة:  "دقت ساعة الصفر، ساعة الاقتحام الواسع الكاسح التي ينتظرها كل ليبي حر شريف، يترقبها أهلنا في طرابلس منذ أن غزاها الإرهابيون واستوطنوا فيها بقوة السلاح"، وأضاف حفتر في حديثة للقوات التابعة له: "تقدموا الآن أيها الأبطال. كل إلى هدفه المعلوم، لتحطموا القيود وتنصروا المظلوم (...) أوصيكم باحترام حرمات البيوت والممتلكات الخاصة والعامة، ومراعاة قواعد الاشتباك ومبادئ القانون الدولي الإنساني". كما "منح" حفتر فرصة لمن يحمل السلاح ضد قواته، وطالبهم بالبقاء في المنازل والعودة لرشدهم، حسب وصفه.

تهديدات حفتر، قلل منها بعض المسئولين في حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا، حيث اعتبر البعض التهديدات مكررة وسبق أن فشل في تنفيذها لنحو ثمانية أشهر، وفي بيان ألقاه فائز السراج رئيس وزراء حكومة الوفاق يوم الجمعة، بثته الصفحة الرسمية لحكومة الوفاق على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: "أيها الأحرار، لا تصدقوا أكاذيب الواهمين وصفحاتهم وإشاعاتهم، فلا ساعة صفر سوى صفر الأوهام و لا سيطرة ولا اقتحام لطرابلس وأحيائها".

 وتابع السراج: "أدعوكم جميعًا للالتفاف حول مشروع الدولة المدنية"، فيما قال رئيس غرفة العمليات المشتركة بالمنطقة الغربية اللواء أسامة جويلي؛ إن خطاب حفتر جاء تغطية لفشل هجومه وتلقي مسلحيه ضربات موجعة منذ أكثر من 9 أشهر، وتابع في تصريحات صحفية، أن داعمي حفتر لم يكونوا يتوقعون أن يفشل مشروعهم الذي استثمروا فيه منذ سنوات، فيما قال رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، لموقع ليبيا الأحرار، "إن ساعة الصفر التي أعلنها حفتر الخميس هي النداء الأخير اليائس، ومعركة طرابلس ستشهد حسمًا في مصلحتنا عما قريب"

الفشل المستمر للواء المتقاعد يفسر التصريحات الصادرة عن زعماء حكومة الوفاق الوطني للتقليل من خطورة الأخير، لكن خطوة اللواء المتقاعد الجديدة ربما تحمل بعض المتغيرات المختلفة عن الأشهر الماضية، فبعد الهزيمة التي منيت بها قواته في غريان وانسحابه المتسرع من المدينة الاستراتيجية، ومن حزيران/يونيو إلى أيلول/سبتمبر، هدأ نشاط حفتر وبدت ضرباته باهتة و خطواته بطيئة، لكنه عاد من جديد منذ أيلول/سبتمبر الماضي لتصعيد عملياته في ظل حديث متصاعد عن دعم روسي واسع بالسلاح والمقاتلين.

الوضع على الأرض

ليبيا في وضعها الحالي دولة منقسمه بين حفتر الذي يقود مجموعات عسكرية يطلق عليها الجيش الوطني الليبي، يسيطر على أغلب الأراضي الليبية من الشرق حتى طرابلس وكذلك أغلب حقول النفط في منطقة الوسط الليبي، وبين الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة، التي يقودها فائز السراج. وبالرغم من سيطرة حفتر على العديد من المدن وآبار البترول إلا أنه غير قادر قانونيًا على بيع البترول بشكل رسمي، كون ذلك الأمر حق وحيد للمؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا ومقرها طرابلس، وتلك هي المدينة الأكثر استراتيجية التي لا يسيطر عليها حفتر إلى جانب مدينة مصراته.

ويحصل اللواء المتقاعد على الدعم المالي والعسكري والسياسي من الإمارات ومصر والسعودية كما ساندته من قبل فرنسا وفي الوقت الحالي روسيا، في المقابل، فإن حكومة الوفاق تتلقى دعمًا من دول عديدة وتحظى باعتراف أممي، ويحارب تحت رايتها عدد من الفصائل العسكرية، إضافة لمجموعات عسكرية حكومية، تجمعهم معارضة حفتر ورفضه السيطرة على طرابلس ومصراته.

التحولات في المعدات والقدرات العسكرية لحفتر كانت واضحة للمراقبين، فبدت كجرس إنذار للمسؤولين في الوفاق وكذلك المسؤولين الأمميين.  وفي 12 كانون الأول/ديسمبر الجاري وقبل خطاب حفتر أعلنت وزارة الداخلية في حكومة الوفاق "حالة النفير"، عقب إعلانها إحباط مخطط للهجوم على طرابلس شاركت فيه قوات متعددة الجنسيات. جاء ذلك الإعلان لداخلية الوفاق، بعد أيام من تصريحات أعرب فيها المبعوث الأممي لليبيا غسان سلامة عن قلقه البالغ من التطورات على الأرض، وقال في تصريحات مع صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية يوم 8 كانون الأول/ديسمبر، إنه "منذ انضم الروس لقوات حفتر اكتسبت العملية ضد طرابلس قوة وانتقلت الحرب إلى المناطق الحضرية بالعاصمة" خلال الأيام العشرة الماضية، في إشارة إلى نهاية الشهر الماضي وبداية الشهر الجاري، معربًا عن خشيته من وقوع "حمام دم".

التخوف الصادر عن المبعوث الأممي يبدو منطقيًا وفقًا لبعض المعطيات، فقوات حفتر لا تراعي تجنيب المدنيين للقصف. يوثق إحصاء صادر عن منظمة الصحة العالمية، في 5 تموز/يوليو الماضي سقوط أكثر من ألف قتيل ونحو 5 آلاف و500 مصاب، خلال المواجهات بين الطرفين، وتستهدف قوات حفتر في بعض الطلعات الجوية مراكز اللجوء ومواقع مدنية ومنازل ومصانع كذلك.

الأمم المتحدة سجلت بعض الأرقام التي تشير إلى تطورات كبيرة طرأت على الحرب، منها دخول الطائرات المسيرة بين الطرفين للصراع بقوة، غير أن الأرقام تشير إلى تفوق حفتر في المضمار عينه، حيث قامت القوات التابعة له بنحو 800 ضربة جوية بطائرات مسيرة في مقابل 270 ضربة من جانب حكومة طرابلس. كما أعلن المتحدث العسكري لقواته في 24 تشرين الثاني/نوفمبر فرض منطقة حظر جوي على العاصمة الليبية طرابلس باستثناء مطار معيتيقة شرقي المدينة، كما شهدت ضربات حفتر تغيرًا نوعيًا، باستهداف مستمر لمواقع تمركزات للقوات التابعة للوفاق واستهداف بعض الضربات الجوية لبعض قيادات المجموعات العسكرية المؤيدة للوفاق، وذلك التحول الكبير جاء بعد ثلاثة أشهر من تراجع حفتر عقب خسارة مدينة غريان في حزيران/يونيو الماضي. 

وخلال تشرين الثاني وكانون الأول، استطاعت الأسلحة الدفاعية الأكثر فاعلية لدى حفتر في إسقاط عدد من الطائرات المسيرة للوفاق أغلبها طائرات تركية، ولم تتوقف الدفاعات عند إسقاط الطائرات التركية فقط، ولكنها أسقطت طائرات استطلاع أجنبية مسيرة لكل من إيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية. حيث أعلنت القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا في كانون الأول/ديسمبر الجاري، إسقاط الدفاعات الجوية الروسية لطائرة استطلاع مسيرة، كما أعلنت إيطاليا إسقاط طائرة مراقبة للحدود وتبنت مجموعات حفتر العسكرية إسقاط الطائرة.

روسيا وتركيا

في مقابل الدعم الروسي الكبير لحفتر ماليًا وعسكريًا، تقف تركيا إلى جانب حكومة الوفاق. وقد أرسلت أنقرة معدات عسكرية لطرابلس كان من بينها مدرعات وطائرات مسيرة، في حين أبدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ترحيبه بفكرة إرسال قوات عسكرية في حال ما طلبت منه حكومة الوفاق ذلك، وتأتي تلك الخطوة من تركيا بعد أسابيع قليلة من توقيع أنقرة والوفاق مذكرتي تفاهم أمنية وعسكرية، تم بموجبها تحديد مناطق الصلاحية البحرية، وهي المذكرة التي رفضتها كل من مصر واليونان وقبرص، واعتبرها التحالف الثلاثي انتهاكًا لحقوقهم الاقتصادية في غاز شرق المتوسط.

وتحاول تركيا لعب دور المنافس للنفوذ الروسي، لتعويض غياب الولايات المتحدة، التي أخفقت للحظة في إدارة الصراع في تلك الدولة النفطية، وفشلت في إقناع حفتر بالامتثال لدعوتها المتكررة في الأسابيع الماضية بوقف العمل العسكري والبدء في التنسيق والمفاوضات السياسية، كما لم تهتم موسكو بتحذيرات واشنطن، بوقف التدخل في الصراع الليبي، وأشار تقرير لخبراء تابعين للأمم المتحدة  إلى اختراق كل من تركيا والإمارات والأردن انتهاك حظر تصدير السلاح لليبيا.

اقرأ/ي أيضًا: استعراض حفتر العسكري في تونس.. استفزاز ومخالفة للبروتوكولات

 التدخل الروسي في الصراع الليبي أصبح واضحًا. وأشارت تقارير إعلامية مختلفة إلى تواجد مرتزقة روس في ليبيا، غير أن موسكو نفت ذلك. وبدأت ملامح المساندة الروسية العسكرية لحفتر، في أكتوبر/تشرين الأول 2018، وذكرت تقارير صحفية أن روسيا أرسلت العشرات من أفراد القوات الخاصة والمدربين العسكريين لدعم قوات حفتر وتدريبهم وإمدادهم بالأسلحة.

نشرت بي بي سي أن المخابرات الغربية تمكنت من تحديد موقع 300 من المرتزقة التابعين لشركة فاغنر الروسية، يعملون لصالح حفتر في ليبيا

ونشرت بي بي سي أن المخابرات الغربية تمكنت من تحديد موقع 300 من المرتزقة التابعين لشركة فاغنر الروسية، وقال مصدر مسؤول في بريطانيا لصحيفة "ذا تايمز"، أن تلك القوات تتمركز في موانئ طبرق ودرنة. ومع دخول أيلول/سبتمبر الماضي بدأت تتصاعد التقارير الإعلامية حول نشاط لمرتزقة روس تابعين لما يعرف بـ"مجموعة فاغنر". وذكرت وكالة "بلومبرغ" في تقرير لها، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أرسل مرتزقة إلى ليبيا لدعم خليفة حفتر في حربه على حكومة الوفاق، ونقلت الوكالة عن مصادر ليبية، أن نحو مئة رجل وصلوا إلى ليبيا بداية أيلول/سبتمبر 2019 لدعم مجموعات حفتر، و"مجموعة فيغنر" شركة أمنية روسية يديرها أحد المقربين من بوتين. كما أشار التقرير إلى توريد موسكو قطعًا مدفعية ودبابات وطائرات بلا طيار وذخائر لحفتر. وكانت المرة الأولى التي يعلن فيها مقتل مرتزقة روس كانت في أيلول/سبتمبر الماضي بعد إعلان حكومة الوفاق قتل ثمانية من مرتزقة شركة "فاغنر"، وقالت إنهم يعملون لصالح قوات حفتر.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ماذا يريد حفتر من حملته العسكرية على طرابلس؟