15-نوفمبر-2015

صورة مارك زوكربيرغ على صفحته الرسمية في فيسبوك

أحداث تدمي القلوب تعرضت لها العاصمة الفرنسية باريس بعد ليلة دامية، مئات القتلى والجرحى، كانوا ضحية هجوم إرهابي لتنظيم مجرم "داعش"، بتوقيت حساس اختاره عناصر التنظيم بكل ثقة وهو مباراة تجمع "فرنسا وألمانيا" شهدت حضور آلاف المشجعين؟

تمكن الإرهابيون من تنفيذ عملية رغم أن باريس كانت تشهد استنفارًا أمنيًا غير مسبوق

ما أثارني حقيقة ليس الاستغراب من تنظيم لم يمض على وجوده أكثر من سنتين ونصف؛ يحاربه العالم أجمع بقواه الكبرى والصغرى وهم يسّخرون أجهزة أمنهم ومخابراتهم وماكينتهم العسكرية وكل وسائل المراقبة الإلكترونية والاتصالات السلكية واللاسلكية ووسائل التواصل الاجتماعي وشبكات الخليوي وأجهزته الذكية، ورغم ذلك يتمكن هذا التنظيم الذي لا يتعدى عدد قواته خمسين ألف مقاتل يحاربون العالم بملياراته.. من الإعداد والتخطيط وتنفيذ ثلاث عمليات إرهابية متزامنة في ثلاث قارات آسيا "لبنان" وأفريقيا "مصر" وأوروبا "فرنسا"؟

ما أثار استغرابي ليس تمكن الإرهابيين من تنفيذ عملية رغم أن باريس كانت تشهد استنفارًا أمنيًا غير مسبوق لدرجة أن هذه الليلة التي جرت تحت شعار "الإجراءات الأمنية المشددة" التي تحدث عنها مراسل "قناة أبو ظبي" الرياضية، قبيل بدء المباراة وكشف خلال مداخلته عن بلاغات تلقتها الشرطة الفرنسية بوجود قنابل ووضع أمني غير مستقر، ومع ذلك سمحت السلطات الفرنسية بقرار غبي ومستهتر يشي بشيءٍ من التواطؤ من داخل أجهزتهم لصالح إكمال المباراة التي أتاحت إتمام العملية الإرهابية، والتسبب بهذه المجزرة.

ما أثار استغرابي ليس العثور على جواز سفر سوري قرب الذي فجّر نفسه، لتتداول نشرات الأخبار خبرًا مفاده أن الانتحاري الداعشي هو سوري وصل إلى فرنسا مع موجة اللاجئين، ويفتح باب جهنم من الأعمال الانتقامية التي قد تتصاعد تجاه اللاجئين السوريين، كما تصاعدت أعمال العنف تجاه المسلمين في فرنسا بعد عملية شارلي إيبدو. وربما كان حريق "مخيم اللاجئين" في غابات كاليه في فرنسا جزءًا منه.

كثير من علامات الاستفهام لم تثر انتباهي ما أثارني حقًا، هو الحملة التي أطلقها فيسبوك بسرعة قياسية ولاقت رواجًا وانتشارًا منقطع النظير، بتغيير شكل صورتك لتبدو داخل العلم الفرنسي، تعبيرًا عن التضامن مع فرنسا، وهي حملات أطلقها فيسبوك سابقًا، للتضامن مع المثليين بأن تجعل صورتك خلفية لألوان قوس قزح، أو داخل إطار علم مدريد.

الفكرة التي أطلقها على صفحته بداية مارك زوكربيرغ، صاحب الفيس بوك نفسه، حيث ظهر بابتسامة عريضة ووجه مشرق مليء بالأمل والتفاؤل والسعادة، خلف صورة شفافة تظهر ألوان العلم الفرنسي، وأسفل صورته كُتبت عبارة " قم بتغيير صورة صفحتك الشخصية لدعم فرنسا وسكان باريس"، ثم زر على يسارها من الأسفل يقول: "جرّبها". وما هي إلا ساعات قليلة حتى غزت الصورة الفيسبوك وامتلأت بصور ساكني هذا الكوكب الافتراضي تعبيرًا عن التضامن.

الإشارة إلى أن الانتحاري سوري سوف تفتح باب جهنم من الأعمال الانتقامية التي قد تتصاعد تجاه اللاجئين السوريين

ما أظهرته هذه "السردة" الفيسبوكية أمر في غاية الأهمية: كثير من القاطنين رفض المشاركة في حملة التضامن مبديًا امتعاضه من الفيسبوك الذي هب لمشاركة أهالي باريس مصابهم الأليم في حين تجاهل ما يجري في سوريا والعراق ولبنان وليبيا من أعمال إرهاب وقتل تفتك بمئات البشر يوميًا، وهي ردة فعل أظهرها مواطنون من أمريكا وأوروبا والعالم العربي، تظهر ازدواجية مقيتة في المعايير، فلماذا لم يطلق مارك حملات مشابهة للتضامن مع المدنيين السوريين أو اللبنانيين أو العراقيين وهم ضحية يومية لأعمال الغدر والحقد من تنظيم داعش وغيره من التنظيمات التي تنتشر كالفطر في هذا البقعة الجغرافية من الأرض.

الجانب الآخر من هذه "السردة" هو محاكاة صورة "مارك" بحيث ظهرت صور لا حصر لها لأناس "ضحكتهم شبر"، كما يقول المثل الشعبي، على مصاب جلل، ما يظهر قوة الإيحاء في التحكم بالجماهير والتأثير على سلوكهم، وكيف ينقادون دون تفكير لتقليد سلوك "المشاهير"، وكأن الأمر مجرد موضة فقط وتقليد أعمى. نفهم من خلالها لما يستثمر وجود جواز سفر سوري في مكان التفجير لصالح تجييش الرأي العام ضدهم وظهور أعمال انتقامية، ويمكن ببساطة أن يتم نسيان أن هؤلاء يتواجدون في سوريا لأنهم ضحية العنف والقتل العشوائي في بلادهم.

اقرأ/ي أيضًا:

اللاجئون السوريون يقودون أردوغان إلى النصر

الأسد.. مصيرٌ تصنعه تحالفات روسيا