21-نوفمبر-2021

تواجه فكرة تشكيل قوة أوروبية مشتركة الكثير من التحديات (Getty)

ألتراصوت- فريق الترجمة

في نهاية شهر أيلول/سبتمبر الماضي طالَعَنا وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير بتصريح قال فيه "إن أزمة الغواصات بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا من جهة وفرنسا من جهة ثانية أظهرت أن الاتحاد الأوروبي "لم يعد بإمكانه الاعتماد على الولايات المتحدة لضمان حمايته" داعيا الأوروبيين إلى "فتح أعينهم". وقبلَه طرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في بداية العام مقولة "السيادة الأوروبية"، ويشمل مبدأ السيادة الجديد هذا العديد من المجالات التي يتعرض فيها الاتحاد الأوروبي للضغوط، والتي يتعيّن عليه إيجاد الحلول الصحيحة بشأنها - وأن يفعل ذلك بنفسه، دون مساعدة الولايات المتحدة، بحسب تقرير كتبه جانيس مافريس بعنوان "هل تنجح القارة العجوز في تحرير نفسها من التبعية للولايات المتحدة؟

هل تنجح القارة العجوز بتحرير نفسها من التبعية للولايات المتحدة وتعزيز أمنها دون اعتماد كامل على الحليف الأمريكي؟ 

وجاءت الفوضى الجديدة على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا لتمثل تحدّيًا جديدا للاتحاد الأوروبي ولتُعزّز الأصوات المنادية إلى الحماية الذاتية، حيث تحدث تقرير جديد لوكالة سي أن أن أن كبار الضباط الأوروبيين في بروكسل يفكرون بشكل جاد فيما يجب أن يفعله الاتحاد الأوروبي بشأن أمنه الداخلي على المدى الطويل بعدما تزعزعت الثقة في الحليف الأمريكي.

لقد أظهرت الأزمات الجيوسياسية الأخيرة، حسب سي أن أن، أن الاتحاد الأوروبي لا يمكنه الاعتماد كليًا على الولايات المتحدة أو الناتو لحمايته، وبدأت تلك الأزمات بالانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان مرورا بحشد القوات الروسية على الحدود الأوكرانية وتصاعد المخاوف في أوروبا الشرقية وأزمة الغواصات مع فرنسا ثم وصولا إلى أزمة المهاجرين الحالية على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا التي اتُّهم فيها الزعيم البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو بتوجيه اللاجئين إلى الحدود البولندية، كنوع من الضغط على أوروبا بورقة اللاجئين.

مطلع هذا الأسبوع تم تقديم المخطط الأولي "لخطة الحماية الذاتية" إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بعنوان "البوصلة الإستراتيجية للأمن والدفاع"، وهو مخطط "فضفاض" لكيفية التعاون بين الكتلة الأوروبية، وقد وقع تسريب الوثيقة بالكامل لشبكة سي إن إن.

بنود الوثيقة

الاقتراح الرئيسي  في الوثيقة هو أن يتمتع الاتحاد الأوروبي بالقدرة على النشر السريع لما يصل إلى 5000 جندي للتعامل مع العديد من الأزمات المحتملة، علما بأنه سبق وأن شكل الاتحاد الأوروبي، في 2007، نظاما يسمى "بالتجمعات التكتيكية"، ولكن لم يتم استخدامها أبدا لأنها تتطلب إجماعا من الدول الأعضاء لكي يتم تفعيلها. أما القوة العسكرية الجديدة المقترحة في الوثيقة فستكون عبارة عن مجموعة من القوات من جميع الدول الأعضاء المشاركة ، يمكن أن تتراوح مهامها بين مهام الإجلاء كما حدث في أفغانستان، ومهام حفظ السلام على الحدود والمهام الإنسانية.

كما تتحدث الوثيقة أيضًا عن الحاجة إلى نهج مشترك في مشتريات الدفاع والبحث والاستخبارات، مما يجعل الكتلة أكثر تنافسية وكفاءة.

بحسب الوثيقة فإنه لن يُطلب من جميع دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة المشاركة في هذه القوة؛ ومع ذلك ، فإن نشر القوات باسم الاتحاد الأوروبي سيتطلب موافقة ومشاركة الدول الأعضاء، ولم يتم بعدُ تفصيل كيفية عمل ذلك، علما بأن الاتحاد الأوروبي منقسم منذ سنوات حول الدور الذي يجب أن يلعبه في مجال الدفاع. ولطالما كانت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ومعظمها ضمن حلف شمال الأطلسي، مترددة في الموافقة على خطوات لدمج القدرات العسكرية.

تحدثت شبكة CNN مع أكثر من 20 مسؤولًا ودبلوماسيًا وسياسيًا في الاتحاد الأوروبي من جميع أنحاء الكتلة بهدف الإجابة على سؤال طرحه الكثيرون لسنوات ألا وهو: هل سيكون لدى الاتحاد الأوروبي جيش استدعاء خاص به؟

خرج تقرير سي أن أن بانطباع مفاده أن الجميع متفقون على نقطة مركزية واحدة وهي أنه يجب القيام بشيء ما إذا كان لأوروبا أن تظل آمنة، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل المؤدية إلى ذلك الإجراء وآليات تجسيده على أرض الواقع بسبب الخلافات والتباينات بين الدول الأعضاء في الاتحاد.

تُعتبَر فرنسا الدولة الأكثر حرصاً  بلا شك على مثل هذا التكامل الأمني والعسكري، حيث  لم يُخفِ الرئيس إيمانويل ماكرون حلمه بأوروبا أقوى، بل إنه دعا إلى إنشاء "جيش أوروبي حقيقي" لتقليل حاجة أوروبا إلى حماية الناتو بقيادة الولايات المتحدة.

وستكون فرنسا معنية أكثر من غيرها بتمرير وثيقة تشكيل قوة عسكرية أوروبية فاعلة في آذار/مارس من العام القادم حيث تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، مع العلم أن العديد من نظرائها الأوروبيين أقل حماسة عندما يتعلق الأمر بالدفاع الأوروبي المشترك.

فدول مثل بولندا وإستونيا وليتوانيا في أوروبا الشرقية  قد تؤيد الخطة، ولكن فقط إذا أشارت بشكل محدد إلى التهديد الذي تشكله روسيا،  وبدرجة أقل الصين، فضلا عن أنها أعربت عن قلقها بشأن أي خطة من شأنها تقويض الناتو.

كما أعرب مسؤولون من دول أوروبا الشرقية، حسب سي أن أن، عن قلقهم من أن القوات المخصصة لفرق الانتشار السريع لن يتم استخدامها أبدًا، وأن هذا الإجراء سوف يتم نقضه وسيؤدي الأمر برمته إلى إهدار المال الذي يقوض الناتو ويقوض التحالف عبر الأطلسي.

إلا أن "سي أن أن" تعتبر أن مربط الفرس في المشروع العسكري الأوروبي المطروح هو موقف ألمانيا، فما تزال أغنى دولة في الاتحاد الأوروبي تتفاوض بشأن حكومتها الائتلافية المقبلة، ويقول المسؤولون الذين قابلتهم "سي أن أن" إنه من الصعب للغاية التكهن بالضبط بمدى تشدد برلين في العام المقبل.

علما بأن وزيرة الدفاع الألمانية أنيغريت كرامب-كارنباور كانت قد صرحت من قبل قائلة: "إن العبرة مما حصل في أفغانستان هي أنه علينا أن نصبح مستقلين أكثر بصفتنا أوروبيين وأن نكون قادرين على التحرك بشكل مستقل أكثر"، مضيفةً "لكن من المهم جدا ألا نتصرف كبديل عن حلف الأطلسي والأمريكيين".

لكن الوزيرة الألمانية بدت حينها معارضة لفكرة تشكيل قوة دائمة قائلة إن على "تحالفات من الراغبين" ضمن الدول الأعضاء أن توحّد صفوفها للتعامل مع أي أزمات مستقبلية.

أنجيلا ميركل ووزيرة الدفاع الألمانية أنغريت كارينباور (Getty)

في المقابل أعلن وزير الدفاع اللاتفي أرتيس بابريكس أن التكتل يجب أن يثبت أن لديه "الرغبة السياسية" في استخدام هذه القوة، متسلائلا في ذات السياق: "نحاول وضع خطط هائلة حول الدفاع المشترك في الاتحاد الأوروبي لكن المجموعات القتالية قائمة منذ عقد، هل استخدمناها؟".

يشار إلى أن المحادثات حول ملف "الجيش الأوروبي المشترك" استؤنفت بعد خروج بريطانيا من التكتل لا سيما وأنها كانت تعارض بشدة احتمال تشكيل ذلك الجيش.

ترى "سي أن أن" أنه على الرغم من جميع المزالق المحتملة، فإن هناك تفاؤلا صادقًا بإمكانية تجاوز هذه الاختلافات إذا أصبح الجميع واقعيًا وجادًا.

ونقلت "سي أن أن" عن  رئيس الوزراء الفنلندي السابق ألكسندر ستوب قوله في هذا الإطار "إذا أرادت أوروبا أن تكون جادة في حماية نفسها فعليها أن تفهم أن الخط الفاصل بين الحرب والسلام غير واضح ... القوة الناعمة تم تسليحها وأصبحت قوة صلبة. إننا نرى ذلك مع استخدام طالبي اللجوء كأسلحة  نرى ذلك في تحويل المعلومات والتجارة والطاقة واللقاحات إلى أسلحة كذلك ".

دعم أمريكي ولكن...

أعلنت الإدارة الأمريكية مع الإرهاصات الأولى حول "خطة تكوين جيش أوروبي" أنها سترحب بمثل تلك القوة التي قد تقوم بعد سنوات من الضغط الأمريكي على الحلفاء في حلف شمال الأطلسي من أجل تقاسم المزيد من الأعباء وزيادة إنفاقهم العسكري.

على الرغم من جميع المزالق المحتملة في طريق تشكيل قوة أوروبية مشتركة، فإن هناك تفاؤلا أوروبيا صادقًا بإمكانية تجاوز هذه الاختلافات إذا التزم القادة الأوروبيون بالواقعية بعيدة المدى 

حيث سبق للمتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس أن قال "ما زلنا نعتقد أن أوروبا أقوى وأكثر قدرة هو أمر يصب في مصلحتنا المشتركة"، مضيفاً "عندما تتكاتف الديمقراطيات التي يتألف منها الاتحاد الأوروبي فإنها تشكل قوة هائلة من أجل نظام دولي مستقر ومنفتح".

لكنه أضاف أنه يتعين على الاتحاد الأوروبي والناتو التنسيق من أجل "تجنب الازدواجية والهدر المحتمل للموارد الشحيحة".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

رويترز: كيف تحوّلت مينسك إلى وجهة للاجئي الشرق الأوسط؟

ميديل إيست مونيتور: معايير مزدوجة حكمت موقف الغرب من انقلابي تونس والسودان