تُواصل روسيا ضرب العمق الأوكراني محاولةً انتهاز الأيام المتبقية, قبل التنصيب الرسمي للرئيس المنتخب دونالد ترامب، في تحقيق ما يمكن تحقيقه من مكاسب على الأرض.
وفي هذا الصدد، كشفت كييف عن قيام القوات الروسية، ليل الثلاثاء/ فجر الأربعاء 15 يناير/ كانون الثاني 2025، بشنّ هجوم واسع النطاق على مناطق مختلفة من الأراضي الأوكرانية بسرب من الطائرات المسيرة أُطلقت، حسب وكالة الأنباء الأوكرانية الرسمية، من مناطق ميلروفو وأوريول وكورسك وبريمورسكو الروسية.
وتسبّب الهجوم، الذي تصدّت له الدفاعات الجوية الأوكرانية، بأضرار مادية في مناطق مختلفة من كييف وسومي وجيتومير وخاركوف وتشيركاسي، حيث تدّعي القوات الأوكرانية أنها أسقطت 58 طائرة من إجمالي 80 طائرة مسيرة انتحارية من طراز شاهد وطرازات أخرى مراوغة أطلقتها روسيا. كما كشفت وزارة الدفاع الأوكرانية عن خوض قواتها لأكثر من 166 اشتباكًا مع القوات الروسية في مختلف جبهات القتال.
وعلى صعيد العمليات الأوكرانية، أكّدت كييف تواصُلَ هجومها في مقاطعة كورسك الروسية، في حين أعلنت القوات الروسية إسقاطها لـ12صاروخًا من طرازات أتاكمز وكروز وستورم شادو استهدفت غالبيتها منطقة بريانسك الحدودية.
خاضت القوات الروسية والأوكرانية أكثر من 166 اشتباكًا في مختلف الجبهات خلال الـ24 ساعة الماضية
تجدر الإشارة إلى أنّ القوات الأوكرانية أكّدت الثلاثاء أنها تمكنت بواسطة صواريخ بعيدة المدى من ضرب مصنع كيميائي في منطقة بريانسك الحدودية، يتولى تصنيع وقود الصواريخ والذخيرة، وأفادت القوات الأوكرانية أنها ـ ومن أجل إصابة الأهداف الرئيسية بشكل دقيق ـ قد لجأت لاستخدام مسيرات بهدف تشتيت الدفاعات الجوية الروسية.
كما نفذت القوات الأوكرانية أيضًا هجومًا كبيرًا بواسطة الطائرات المسيرة على مدينتيْ ساراتوف وإنجلس الروسيتين، مما أسفر عن تضرر بعض المنشآت الصناعية، وفقًا للمصادر المحلية الروسية.
لكنّ هذا كلّه لا ينبغي أن يحجب عن الأنظار حقيقة أنّ أوكرانيا تعاني، وليست ـ والعبارة للأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته ـ في موقع قوة يمكنها من الحصول على تنازلات حقيقية من الكريملن. ومعنى ذلك أنّ قيادة الحلف لا تنصح الأوكرانيين ببدء محادثات السلام مع روسيا حاليًا، بخلاف ما يدعو إليه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، لكنّ أوكرانيا أيضًا ليست في الموقع الذي يسمح لها بقول "لا" في وجه إرادة ساكن البيت الأبيض الجديد، خاصةً أن الدول الأوروبية الرئيسية لم تُقدّم بعد البديل للدعم الأميركي، وإن كان زيلنسكي ناقش مؤخرًا مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إمكانية نشر قوات أوروبية في أوكرانيا.
أوكرانيا ليست في الموقع الذي يسمح لها بقول "لا" في وجه إرادة ساكن البيت الأبيض الجديد، خاصةً أن الدول الأوروبية الرئيسية لم تُقدّم بعد البديل للدعم الأميركي، وإن كان زيلنسكي ناقش مؤخرًا مع ماكرون إمكانية نشر قوات أوروبية في أوكرانيا
وكان روته قد قال صراحةً في البرلمان الأوروبي إن كييف لم تصل بعد إلى المرحلة التي تمكنها من حصد تنازلات من الروس "لأن الأوكرانيين في الوقت الراهن لا يستطيعون التفاوض من موقع قوة"، معتبرًا أنه على حلف شمال الأطلسي "بذل مزيد من الجهود لضمان بلوغ موقع القوة هذا من خلال تغيير مسار النزاع" وفق تعبيره، ولن يكون ذلك، حسب روته، إلا بتمكين أوكرانيا من القدرات العسكرية اللّازمة.
ولا يقتصر الأمر حسب روته على أوكرانيا، بل يجب على الدول الأعضاء في الحلف زيادة إنفاقها العسكري ولو كان ذلك على حساب البرامج الاجتماعية، من رعاية صحية وتعليم، ولفت روته إلى أنّ الحد الأدنى للإنفاق الذي تم الاتفاق عليه 2014 والمتمثل في تخصيص 2% من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق العسكري لم يعد كافيًا بالمرة.
وبالعودة إلى المسألة الأوكرانية، تراهن كييف في القريب العاجل، على اتخاذ حلف شمال الأطلسي أو الدول الرئيسية فيه، قرارًا بنشر قواتها في أوكرانيا، حيث يرى الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي أن نشر تلك القوات سيكون أقوى ضمانة وأفضل أداة لإجبار موسكو على السلام، وفق تعبيره.
يشار إلى أن روسيا ترفض، حت الآن نشر قوات أجنبية في أوكرانيا، وعبّرت عن رفضها للفكرة بشكلٍ مبكّر عندما بدأت أوساط أوروبية في تداولها خلال الأشهر القليلة الماضية، قبل أن يتم التعبير عنها صراحةً على لسان الرئيس الفرنسي ماكرون خلال لقائه بنظيره البولندي دونالد توسك كانون الأول/ديسمبر المنصرم.