24-أكتوبر-2019

من محاضرة عزمي بشارة حول الشعبوية والأزمة الدائمة للديمقراطية (معهد الدوحة)

الترا صوت - فريق التحرير

اختتمت أمس الأربعاء، 23 تشرين الأول/أكتوبر 2019، سلسلة محاضرات "حوارات العصر" التي نظمتها كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية في معهد الدوحة للدراسات العليا. وشهد اليوم الثاني والأخير، عقد ورشة عمل بعنوان: "الشعبوية وتحولات السياسة المعاصرة"، تحدث فيها مجموعة من الباحثين والأكاديميين.

اختتم معهد الدوحة للدراسات العليا سلسلة محاضرات "حوارات العصر" بعقد ورشة عمل بعنوان "الشعبوية وتحولات السياسة المعاصر"

وفي الجلسة الافتتاحية للورشة -التي تضمنت أربع جلسات- سلطت شانتال موف، أستاذة النظرية السياسية بجامعة وستمنستر في لندن، الضوء على موضوع الديمقراطية التصادمية والشعبوية اليسارية بمقاربة من منظور الهيمنة.

اقرأ/ي أيضًا: اختتام أعمال ندوة "العربية بين اكتساب المعرفة وإنتاجها" في معهد الدوحة

وناقشت شانتال موف في ورقتها عددًا من المفاهيم، بينها مفهوم السياسي والسياسة والهيمنة والديمقراطية التصادمية والديمقراطية الراديكالية، مشيرة إلى أن تطوير هذه المصطلحات يتم في إطار ما يعرف بـ"ما بعد الماركسية"، وأن "أي عمل سياسي لا بد أن يقوم على تحديد العدو والصديق بصورة واضحة، والتعامل معه".

ورأت شانتال موف، على خلاف الكثير من المفكرين السياسيين الليبراليين، أن السياسة لا يمكن حسم الأمور فيها بالتوافق، مؤكدة على ضرورة وجود صراعات هيمنة لا بد أن تحسم. وأضافت أن السياسة هي صراع حول الهيمنة، وأن الليبرالية بتبنيها فكرة التوافق لا يمكن أن تفسر وتفهم ظواهر مثل الشعبوية.

معهد الدوحة

وشهدت الجلسة الثانية مشاركة أستاذة الفلسفة في الجامعة البابوية الخافيارية، لوشيانا كاداهيا، بورقة عمل تناولت "الشعبوية النسوية"، ناقشت فيها التلميحات التي تشير إلى إمكانية تخيّل بديل لليبرالية الجديدة عن طريق البحث في الإشكالية النسوية والشعبوية، موضحةً أن الشعبي والنسوي "هما شكلان من أشكال النضال القائم بالفعل ضد الليبرالية الجديدة".

من جهته، تحدث عبد الوهاب الأفندي، عميد كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية، حول ما أسماه "ما بعد السياسة.. لاهوت وبلاغيات عصر الشعبوية".

وحاول الأفندي في مداخلته الإجابة على سؤال: "هل تشير الشعبوية إلى عودة السياسي، أم أنها تعني في الواقع نهاية السياسة؟"، وذلك عن طريق معالجة البعد اللاهوتي في الموضوع.

وأضاف الأفندي أن الحركات الشعبوية "تتسم بتكثيف وإلهاب المشاعر إلى مستويات خطيرة، لدرجة أنها تطغى على العقلانية والمنطق"، موضحًا أن السمة المميزة للشعبوية ليست المطالب المشتركة، وإنما سرديات التآمر حول المخاطر المحدقة.

وفي الجلسة الثالثة، بحصور كريستوف فينتورا، زميل باحث أول في المعهد الفرنسي للشؤون الدولية والإستراتيجية، تحدث عن تجليات الشعبوية الأوروبية، موضحًا أن أوروبا الغربية "تجد نفسها اليوم في لحظة شعبوية متعددة الأشكال". وتطرق الباحث إلى أشكال الشعبوية في فرنسا، وميزان القوة بين اليمين الشعبوي واليسار الشعبوي.

"في السّعي نحو الفائض"، كان عنوان الورقة التي قدمها إسماعيل الناشف، أستاذ مشارك في برنامج علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، وفيها تناول الناشف مفهوم "السياسي"، مجادلًا أن تسميته تتناقض بالضرورة مع إمكاناته كأداة تغيير جماعية.

من جانبه، ألقى المفكر العربي، عزمي بشارة، مدير عام المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ورئيس مجلس أمناء معهد الدوحة للدراسات العليا؛ محاضرة عامة حول الشعبوية والأزمة الدائمة للديمقراطية، رصد فيها ثلاثة توترات دائمة في الديمقراطية الليبرالية: 

  1. أولها التوتر بين البعد الديمقراطي المتعلق بالمشاركة الشعبية القائمة على افتراض المساواة الأخلاقية بين البشر، والبعد الليبرالي الذي يقوم على مبدأ صون حرية الإنسان وكرامته. 
  2. ثانيها يوجد داخل البعد الديمقراطي ذاته، بين فكرة حكم الشعب لذاته من جهة، وضرورة تمثيله عبر قوى سياسية منظمة ونخب سياسية.
  3. ثالثها يتلخص بين التمثيل بالانتخابات، ما يقود إلى اتخاذ قرارات بأغلبية ممثلي الشعب، أو بأصوات ممثلي الأغلبية من جهة ووجود قوى غير منتخبة مثل القضاء وبيروقراطية الدولة.

ووصف بشارة الديمقراطية بأنها "نظام سياسي قام تدريجيًا من خلال الصراع على السلطة السياسية، وأيضًا من خلال التجربة والخطأ، وتوسع تطبيق إجراءاته بالتدريج"، موضحًا أنه نظام لا يعتمد على العقلانية فقط، بل على القيم أيضًا، ولا يتجاهل المصالح بل يخاطبها.

معهد الدوحة

 وأضاف المفكر العربي أن النظام الديمقراطي "يستمد ديمومته من عناصر غير عقلانية، مثل: التعويد، وإرساء ذاته في الهوية والمشاعر الوطنية ونمط الحياة وغيرها".

وقال بشارة إن النظام الديمقراطي الليبرالي "ليس أيديولوجية نهائية، ويمكن بالطبع أن تنشأ بدائل عالمية له غير الشيوعية"، مؤكدًا أن الأمر "ممكن من الناحية النظرية" وأن "انتصار الديمقراطية ليس حتميًا".

وفضّل عزمي بشارة التمييز تحليليًا بين الشعبوية والحركات الأيديولوجية الشمولية، التي تكتسب تأييدًا شعبيًا، عبر استخدام الديماغوجيا والأدوات الشعبوية، والتحريض ضد الآخر، موضحًا أن "الشعبوية ليست أيديولوجيا"، وأن "الحركات الأيديولوجية الشمولية تستغل الشعبوية في التعبئة ضد الخصوم السياسيين، أو للتجييش ضد النظام الديمقراطي نفسه، وليس فقط ضد فساد السياسيين والبرلمانيين، ولكن هدفها تسييد أيديولوجية نخبوية باسم الشعب".

قال عزمي بشارة إن النظام الديمقراطي الليبرالي ليس أيديولوجية نهائية، ويمكن بالطبع أن تنشأ بدائل عالمية له غير الشيوعية

هذا، وأعقبت المحاضرة جلسة نقاشية مفتوحة حول عدد من القضايا الفكرية الراهنة، على رأسها الشعبوية بشقيها الإيجابي والسلبي، إضافة إلى النقاش حول الديمقراطية، والديمقراطية الليبرالية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عزمي بشارة مشخصًا حال الخيار الديمقراطي العربي

ما وراء خطوط الشعبوية.. هل هو عصر إذابة الدولة القومية الحديثة؟