14-أبريل-2016

اعتصام الأساتذة المتعاقدين في الجزائر(الترا صوت)

لم يطفُ إلى الواجهة مصطلح "الأساتذة المتعاقدين" في الجزائر إلا في الأشهر الأخيرة، إذ كان مصطلحًا متداولًا داخل أسرة التربية والتعليم فقط، كما كانت أوجاعهم متداولة بينهم وبين أسرهم، بعيدًا عن رصد الإعلام وباقي شرائح المجتمع المدني لها.

أن تكون أستاذًا متعاقدًا في الجزائر معناه أنك لست مثبتًا في منصبك، فأنت معرض للتوقيف في أي لحظة، وأن تتقاضى ما لا يزيد عن 150 دولارًا

أن تكون أستاذًا متعاقدًا في الجزائر، التي تحصي ثمانية ملايين تلميذ متمدرس في أطوار التعليم الثلاثة، معناه أنك لست مثبتًا في منصبك، فأنت معرض للتوقيف في أي لحظة، وأن تتقاضى ما لا يزيد عن مئة وخمسين دولارًا، يذهب معظمها تكاليف للنقل والطعام، ذلك أنك لا تملك أن تختار مكان شغلك، ويمكن لمديرية التربية أن تعيّنك في قرية نائية، فهي أصلًا استعانت بك في ظل حاجتها إلى من يسد الفراغ في الأماكن التي يزهد فيها "الأساتذة الدائمون"، الذين يملكون الحق في الاختيار مع امتيازات مسيلة للعاب.

اقرأ/ي أيضًا: المغرب.. "الأساتذة المتدربون" يهددون حكومة بنكيران

تحصي المدرسة الجزائرية 22 ألف أستاذ متعاقد، معظمهم من خريجي الكليات المختلفة للجامعة الجزائرية، وقد بلغت مأمورية بعضهم عشر سنوات من غير أن يحظوا بالتثبيت، وحين تشكلوا في نقابة طالبت بحقهم في ذلك، قيل لهم إنكم مطالبون بأن تشاركوا في مسابقات التأهيل، ولن يُثبّت إلا من فاز فيها، من غير احتساب سنوات الخبرة، قبل أن تتراجع وزيرة التربية نورية بن غبريط عن ذلك، و"تتكرم" باحتسابها مع الإبقاء على شرط المشاركة في المسابقة.

يتساءل المعلم حسام. ع من محافظة وادي سوف، 600 كيلومتر جنوبًا: "أنا خريج كلية الرياضيات، وقد علّمتُ تسع سنوات في قرية نائية لا تصلها حتى العصافير، فبأي حق أجد نفسي مطالبًا بخوض مسابقة لا أضمن فيها الفوز، ليس لأنني غير كفء، بل لأن التجارب علمتنا أن المسابقات في الجزائر إجراء شكلي لذر الرماد في العيون، ففي العادة لن يفوز فيها إلا أصحاب الأكتاف العريضة والجيوب المنتفخة؟". يضيف المعلم الذي قال إنه ترك بناته منذ أسبوع من غير طعام لـ"الترا صوت": "إذا كانت الوزارة ترانا غير أكفاء، فلماذا وثقت فيها عقدًا من الزمن؟".

هذا الواقع المر دفع بالأساتذة المتعاقدين قبل أسبوع إلى خطوة غير متوقعة وغير مسبوقة في المشهد الجزائري، تمثلت في خوض مسيرة على الأقدام من مدينة بجاية إلى الجزائر العاصمة على بعد 180 كيلومترًا أسموها "مسيرة الكرامة"، وشاركت فيها المعلمات أيضًا، حتى إن إحداهن صنعت الحدث بإجهاضها بعد مسافة قصيرة من الانطلاق.

المسيرة التي كانت تكبر بعد كل مرحلة من الطريق لفتت الانتباه الإعلامي والشعبي إليها، وباتت حديث المجالس والمقاهي ومواقع التواصل الاجتماعي، مما خلق أشكالًا مختلفة من التضامن مع أصحابها الذين خرج معظمهم بجيوب خاوية وأحذية خذلتهم في مفاصلَ مختلفة من المسار الذي رفضوا أن يتخلوا عنه رغم الإكراهات الجغرافية والأمنية المتعددة.

تحصي المدرسة الجزائرية 22 ألف أستاذ متعاقد، وقد بلغت مأمورية بعضهم عشر سنوات من غير أن يحظوا بالتثبيت

اقرأ/ي أيضًا: مسيرة الكرامة.. كفاح أساتذة الجزائر المتعاقدين

المؤسسة الأمنية استعدت لمنع أصحاب المآزر البيضاء من دخول الجزائر العاصمة، عملًا بقانون منع المسيرات والتجمعات فيها، والذي سُنَّ عام 2001، في عهد رئيس الحكومة الأسبق ورئيس حزب "طلائع الحريات" المعارض علي بن فليس، فتلقفتهم على بعد أربعين كيلومتر شرقًا، وحشرتهم في بقعة معزولة في مدينة "بودواو".

هذه البقعة لم تعد معزولة بفعل الإضاءات الإعلامية للجرائد والفضائيات المستقلة، وهبات التضامن الشعبي التي وصلت من مختلف الشرائح والجهات، بما يوحي أن مطالب المعتصمين الذين شنوا إضرابًا عن الطعام بالتداول متبناة شعبيًا، وهو ما دفع نخبة من أحزاب السلطة نفسها إلى أن تنصح الوزيرة المصممة على "احترام قوانين الجمهورية"، كما قالت، بالاستجابة لها مثلما فعل حزب "تجمع أمل الجزائر" الذي يرأسه وزير السياحة عمار غول.

اعتصام الأساتذة المتعاقدين في الجزائر(الترا صوت)

 

"ألترا صوت" زار ساحة الاعتصام ليلًا ونهارًا ورصد مظاهر التضامن الشعبي مع المحتجين القادمين من المحافظات الثماني والأربعين، والذين لم يكفوا عن ترديد شعاراتهم، حتى في الهزيع المتأخر من الليل، منها "لا خضوع لا رجوع.. الإدماج حق مشروع"، وقد أعطوا لها ألحانًا لأناشيدَ وطنية معروفة، إشارة منهم إلى أنهم ليسوا دمى تحركها أياد خارجية تريد أن تزعزع النظام، التهمة الجاهزة في الجزائر مع التحركات الشبيهة منذ ظهور بوادر الربيع العربي.

عائلات "حي 950 مسكن"، الذي يقع الاعتصام في مدخله أوكلت لبعض شبابها مهمة جمع تبرعات مالية لشراء الطعام للمعتصمين، من غير أن تكتفي بذلك، فما إن يحل موعدا الغداء والعشاء حتى يلحظ الزائر للمكان عشرات الصحون المملوءة بالأطعمة المختلفة تخرج من البيوت، يحملها في العادة الأطفال الذين باتوا يحفظون الشعارات المرددة ويرفعون عقيرتهم بها في كل مكان.

كما تبرعت هذه العائلات بما يكفي من الأغطية والأفرشة والوسائد، وفتحت بيوتها لاستعمال الحمامات ولأخذ قسط من الراحة ومتابعة أخبار الاعتصام في الفضائيات. الحي الهادئ الذي تسكنه أسر محدودة الدخل تحول بتعيينه ساحة للاعتصام إلى فضاء لا ينام، وباتت سلع محالّه التجارية تنفذ بمجرد وصولها.

يكاد عدد رجال الأمن ينافس عدد المعتصمين، فهم يسيطرون على كل مفاصل المدينة، خوفًا من أي انزلاق، غير أنهم لا يسيئون التعامل مع المعتصمين أو يمنعون زائريهم الكثر عنهم، ما عدا من يقولون إنهم يستغلون الاعتصام لأغراض سياسية، مثلما حدث مع المترشح الرئاسي السابق رشيد نقاز.

اعتصام الأساتذة المتعاقدين في الجزائر(الترا صوت)

 

اقرأ/ي أيضًا:

أزمة الأساتذة المساعدين المتعاقدين في تونس..مستمرة

لا أساتذة لتدريس طلاب سوريا!