09-سبتمبر-2019

عاشت بريطانيا مسارًا سياسيًا معقدًا الأسبوع الماضي (Getty)

مجلس اللوردات يصادق على ورقة تنهي احتمال وقوع بريكسيت دون اتفاق، ووزيران من حكومة جونسون يستقيلان من منصبهما. أخبار ترسم خطًا جديدًا في ملامح المشهد السياسي البريطاني الأكثر تضاربًا هذه الأيام. الورقة المعنية، والتي قدمتها المعارضة، تفيد دفع الحكومة لطلب تأجيل تنفيذ إجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبي، لثلاثة أشهرٍ أخرى. وبطبيعة الحال، هذا مر عكس رغبة بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطَاني، وهو نتاج عملية شد وجذب عسيرة هي التي عرفها برلمان البلاد هذا الأسبوع. شدٌ وجذب بدوره دفع نوابًا عدة لمغادرة حزب المحافظين، اثنان منهما وزيرين أحدهما شقيق بوجو الأصغر.

مجلس اللوردات يصادق على ورقة تنهي احتمال وقوع بريكسيت دون اتفاق، ووزيرين من حكومة جونسون يستقيلان من منصبهما. أخبار ترسم خطًا جديدًا في ملامح المشهد السياسي البريطاني الأكثر تضاربًا هذه الأيام

دخل السياسيون البريطانيون، وعلى اختلاف تياراتهم، فيما يشبه حرب كتل برلمانية للسيطرة على رزنامة الجلسات البرلمانية ومنع جونسون من الخروج دون اتفاق. في وقت يدفع جونسون ثمن توحيد أعدائه، إذ يرى رهاناته تتهاوى أمامه داخل القبة والحزب، أولًا بتمرير الورقة المذكورة وثانيًا إبطال طلبه لانتخابات تشريعية سابقة لأوانها، كما انفكت بطانته من حوله مما يجعله في وضع هو الأكثر حرجًا من ذي قبل.

اقرأ/ي أيضًا: "بوجو" على رأس المحافظين البريطانيين.. بورتريه انتصار مؤجل

حرب الرزنامة البرلمانية

السجال السياسي في بريطانيا اليوم لم يعد حول البريكسيت ذاته، بل حول الخروج دون اتفاق. هذا التحول في الموقف الذي أتى مع عاصفة بوريس جونسون في البرلمان، ومنذ اعتلاء اليميني الأشقر رأس الحكومة. قصر حبل الكذب، وانفضت الغمامة الديبلوماسية التي كان يدرأ بها نواياه، مع أول تحركٍ له لتعطيل البرلمان لخمسة أسابيع، تتوافق للمفارقة وبداية الشهر الذي تنتهي فيه المهلة التي منحها الاتحاد إلى بريطانيا للمصادقة على اتفاق الخروج، يوم الـ 31 من تشرين الأول/أكتوبر، مما يقلص مدة مناقشة الاتفاق ويرجح طرح انعدامه. كما يحميه من سحب ثقة منتظر، تروج له المعارضة.

طلب التعطيل هذا كلف بوريس جونسون الكثير. بداية بالتمرد الذي قاده 21 من نواب حزبه، على رأسهم فيليب هاموند وضمنهم حفيد وينستون تشرشل، لتعطيل الخروج دون اتفاق، بالتصويت لصالح ورقة تأجيل البريكسيت بموجب  المادة 50 من اتفاقية الاتحاد الأوروبي، وتسريع إقرارها كقانون قبل تعطيل البرلمان. مرورًا باللحظة الفاصلة التي عبر فيها سيناتور فيليب لي أرضية مجلس العموم، آخذًا مجلسه ناحية اليسار، في تعبير عن تركه المحافظين وانضمامة للحزب الليبرالي الديمقراطي الداعم لأوروبا، في انشقاقٍ ليس الأول منذ تنصيب جونسون على رأس الحزب، لكن هذه المرة مضيعًا على الحكومة أغلبيتها.

أغلبية حكومية ضائعة ودّ بوريس جونسون لو استعادها في انتخابات تشريعية استثنائية تنأى به عن هذا الوضع المتأزم داخل البرلمان.

ثغرة الانتخابات الاستثنائية

يأتي طلب إجراء انتخابات تشريعية استثنائية كرد فعل لاستدراك الضعف الذي بلغته حكومة جونسون، وإعادة توزيع القوى داخل البرلمان بما يعيد تدعيم نفوذ رئيس الوزراء بقوة الصناديق. الصناديق التي يرصد للجوء إليها يوم الـ 15 من تشرين الأول/ أكتوبر، قد تدعم تعطيله للبرلمان وتشوش على نقاش البريكسيت بلا اتفاق، مراهنًا على دعم القسم من الشعب المتشبث بالبريكسيت، ولينفذ خطته يوم الـ 31 من ذات الشهر.

في ما يبدو على أنها مغامرة رابحة لبوجو، لتحقيقها صار لزامًا عليه ضم ثلثي مجلس العموم إلى صوته. وهذا الذي لم يتأتى له يوم الأربعاء الماضي، حيث وقبل طرح الأمر للتصويت أول مرة، أعلنت قوى المعارضة عدم دعمها لطلب رئيس الوزراء. حتى وجونسون يبتزهم في محاولة عقد صفقة أمام العلن قائلًا: "وإذا تعهدت بتمرير قانون تمديد مهلة الخروج من الاتحاد، هل ستدعمون حق الشعب في تقرير مصيره عبر انتخابات تشريعية يوم 15 تشرين الأول/أكتوبر القادم؟". رد جيريمي كوربين والمعارضة كان هو إتمام تعطيل البركسيت دون اتفاق، قبل الحديث عن أي انتخابات قادمة.

لا ثقة في بوجو.. لا ثقة في كوربين

يوم الخميس 5 أيلول/سبتمبر الحالي، وخلال تصريح له تعهد بوريس جونسون بأنه يفضل "الموت على الطلب من بروكسيل تأجيل الخروج". في نقضٍ لخطابه داخل قبة البرلمان، وسعيه لتعطيل ورقة القانون التي دفعت بها المعارضة. رد فعل يدخل في خانة انعدام الثقة بين الفرقاء؛ جونسون لا يثق في موافقة المعارضة على العودة للصناديق، والمعارضة لا تثق في سماح جونسون بتمرير قانون طلب التأجيل.

"لا أثق أن رئيس الوزراء سيقوم بواجبه" تقول ليز روبرت زعيمة حزب الويلز، مضيفة: "والمعارضة ليس في صالحها حرمان الشعب من حق التصويت، لكن اللعبة في بيد جونسون الآن". في وقت غردت نيكولا ستورجيون، زعيمة الحزب الوطني الاسكتلندي، أن الانتخابات مسألة وقت لكن لا يجب فسح المجال لبريكسيت دون اتفاق. هكذا اتحد كل من حزب الويلز والحزب الوطني الاسكتلندي، إضافة إلى حزب العمال والحزب الليبرالي الديمقراطي البريطانيين حول إيقاف المحاولة الجديدة لبوريس جونسون من أجل فرض انتخابات استثنائية يوم الاثنين.

محافظون يتركون جونسون وحيدًا

بعد تمرد 21 من نواب الحزب المحافظ على رئيسهم، ودعم ورقة قانون تأجيل البريكسيت، الشيء الذي دفع جونسون إلى طردهم من الحزب. وكذلك انشقاق السيناتور فيليب لي وانضمامه إلى الحزب الليبرالي الديمقراطي. حان الدور على جو جونسون، شقيق بوريس جونسون ووزير التعليم العالي في حكومته، الذي استقال من الحكومة والحزب بعد الجدل الأخير حول سياسات أخيه الأكبر.

اقرأ/ي أيضًا: بوريس جونسون وتعقيدات بريكست.. الديمقراطية البريطانية في خطر؟

بحجة عدم قدرته على التوفيق بين ولائه العائلي والواجب الوطني فضل جو جونسون وضع حد لمسيرته السياسية داخل البرلمان البريطاني. في حين مثلت هذه الاستقالة هجومًا مضادًا على سياسات بوريس الذي يُعد "تهديدًا لدرجة أن أخاه فقد الثقة فيه!"، كما يقول لسان حال حزب العمال.

دخل السياسيون البريطانيون، وعلى اختلاف تياراتهم، فيما يشبه حرب كتل برلمانية للسيطرة على رزنامة الجلسات البرلمانية ومنع جونسون من الخروج دون اتفاق

بعد يومين من استقالة جو، أعلنت وزيرة العمل البريطانية أمبر رود ترك منصبها والحزب احتجاجًا على طرد النواب المتمردين، في تغريدة كتبت فيها: "لا أستطيع البقاء متفرجة بينما يطرد النواب المحافظون المخلصون". كما تعددت الاستقالات،على  رأسها النائبة كارولين سبيلمان التي علقت لوسائل الإعلام أنه "لا يمكني دعم البريكسيت دون اتفاق وأنا أرى نتائجه الكارثية المتوقعة". في وقت حذر فيه النائب المحافظ ديفيد غوك من أن سياسات بوريس جونسون تحول الحزب إلى نسخة مخففة من حزب البريكسيت. وأن ما يقع خيانة لـ"ثلاثة ملايين صوت وضعوا ثقتهم في الحزب لأنهم لا يوافقون على سياسات نايجل فاراج (زعيم حزب بريكسيت)".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الطلاق المؤجل.. لماذا تتلكأ بريطانيا في الخروج من الاتحاد الأوروبي؟

ما هي تأثيرات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟