في منتصف شهر آذار/مارس الجاري، تجرى انتخابات الاتحاد الإفريقي لكرة القدم "كاف" في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا والتي يتنافس فيها كل من الكاميروني عيسى حياتو والمدغشقري أحمد أحمد على مقعد رئاسة الاتحاد.

يدخل عيسى حياتو المنافسة على مقعد الرئاسة طامحًا الفوز بفترة رئاسة ثامنة، أمام مرشح مغمور لكن تصفية الحسابات قد تغير الواقع

ويدخل الكاميروني عيسى حياتو، الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي لكرة القدم "كاف"، المنافسة على مقعد الرئاسة طامحًا الفوز بفترة رئاسة ثامنة، أمام المرشح المغمور أحمد أحمد رئيس اتحاد مدغشقر لكرة القدم، ورغم ما تبدو عليه الأمور من سهولة نظرية لصالح الكاميروني المخضرم إلا أنه من المنتظر أن تشهد العملية الانتخابية معركة شرسة بين المرشحين، ستكون تصفية الحسابات هي بطلها الأبرز.

وتشير أغلب المستجدات على الساحة الرياضية إلى عدم سهولة المعركة بالنسبة لحياتو القابع على مقعد الرئاسة منذ عام 1988، مع مطالبة البعض بضرورة التغيير، خصوصًا وأن حياتو يبلغ من العمر نحو 71 عامًا.

اقرأ/ي أيضًا: إسرائيل وعضوية الاتحاد الأفريقي: احتمالات وتداعيات

الفساد يحكم

لا تختلف المعارك الانتخابية في كرة القدم أو تقل سخونة عن أكبر الانتخابات السياسية، ولا صوت فيها يعلو أيضًا على صوت التربيطات وإعلان الولاءات في الغرف المغلقة، ولا مانع من استخدام جميع أنواع الأسلحة مع تأجيل إظهار الروح الرياضية لما بعد انقضاء المهمة والظفر بالاستحقاق الانتخابي.

ورغم ما يلاحقه من اتهامات بالإخفاق والفساد، فقد ساهمت السنوات الطويلة التي تربّع فيها حياتو على عرش الاتحاد الإفريقي في تمتعه بالقوة والنفوذ، ما يجعل فوزه في الانتخابات المقبلة واردًا. في المقابل، تحتاج الرغبة في تغيير الوجوه داخل أروقة الاتحاد إلى مساندة قوية من الاتحادات التابعة للكاف، حيث أن الغالبية لا يعنيها الارتقاء باللعبة في المقام الأول، لكن تعنيها المصالح الشخصية والمناصب، وهذا سيصعِّب من مهمة إثناء رجال حياتو عن مواقفهم وتبديل أصواتهم لصالح منافسه، فقد ارتبط مصيرهم ببقاء حياتو في منصبه، ورحيل الرجل معناه كشف فساد بعضهم.

وتشير تقارير إلى أن الإطاحة بالعجوز الكاميروني لن تحدث إلا إذا تم فتح أي ملفات تتعلق بالفساد أو إخفاقات حياتو في الآونة الأخيرة، لأنه إذا ما فتحت وسائل الإعلام هذا الملف، بتحرك وتوصيات من الاتحاد الدولي أو الاتحادات الأوروبية، سينقلب مؤيدو حياتو ضده، من أجل إرضاء المؤسسة الأم وهي الفيفا، ورئيسها السويسري جياني إنفانتينو.

من جانبه، يبدو حياتو حريصًا على التمسك بمنصبه حتى الرمق الأخير، ومن أجل ذلك وسعيًا لاسترضاء القيادات الكروية في القارة السمراء، اتخذ حياتو قرارات جديدة بتعديل بعض اللوائح الخاصة بالشخصيات المسموح لها بخوض الانتخابات، بحسب بيان رسمي للكاف الأسبوع الماضي، وكانت اللائحة القديمة تنصُّ على حصر الشخصيات التي يمكن لها خوض غمار الانتخابات. وبعد هذا التعديل المنتظر سيمحى هذا الشرط ليفسح المجال أمام الأفارقة، ما يشير إلى أنه يمكن لأي بلد إفريقي، تقديم مرشح للفوز بهذا المنصب، دون أن يملك منصبًا بالمكتب التنفيذي للاتحاد، وذلك بدءًا من انتخابات 2021، كما كان الكاف قد أدخل تعديلًا سابقًا، يتيح لرئيسه البقاء في منصبه ثلاث مدد متتالية (12 عامًا) فقط، بعدما كان يحق له الخلود في المنصب، مثلما يفعل حياتو حاليًا.

رغم ما يلاحقه من اتهامات بالفساد، فقد ساهمت السنوات التي تربّع فيها حياتو على عرش الاتحاد الإفريقي في تمتعه بالقوة والنفوذ

سخط شعبي

من ناحية أخرى، فقد حياتو بعض مؤيديه خصوصًا دول الشمال الإفريقي، حيث لا تزال الجزائر تتذكر للرجل أنه حرمها من استضافة بطولة كأس الأمم الإفريقية 2017، ومنحها لدولة الجابون، وهي النسخة التي شهدت وجود ملاعب سيئة للغاية تسببت في إصابة عدد غير قليل من لاعبي المنتخبات المشاركة، فضلًا عن تواضع مستوى فنادق الإقامة ووسائل المواصلات، وهو الأمر الذي لم يتطرق أحد للحديث عنه عقب انتهاء البطولة، ما دعا البعض للحديث عن أن المصالح تلعب دورًا كبيرًا في تكميم الأفواه.

ولكن في الوقت نفسه، لا يبدو التصويت العقابي من جانب الجزائر مؤكدًا، لأن محمد روراوة رئيس الاتحاد الجزائري تربطه مصالح مشتركة برئيس الاتحاد الإفريقي ولا يرغب بتأزيم العلاقة مع حياتو، خصوصًا أن الإنتخابات المقبلة ستكون حاسمة لروراوة، الذي يسعى وراء تجديد عضويته للمكتب التنفيذي للكاف، ومن أجل ذلك حرص على تحسين علاقته مع حياتو، والتي تعكَّرت بعد تسريب خبر عن نيّة روراوة في الترشح لرئاسة الكاف.

يُذكر أن أحمد أحمد، منافس حياتو، كان من بين المسؤولين القلائل الذين صوَّتوا لملف الجزائر، التي نافست الجابون على تنظيم كأس أمم إفريقيا 2017، وإذا كان روراوة مطالبًا برد الجميل، فإنه سيضطر لإعادة حساباته من جديد.

وإذا كانت فرصة حياتو في الفوز بتصويت الجزائر محتملة، فإن الأمر لا يتعلق بدولة بعينها حين نتحدث عن حرمان الجماهير في دول إفريقية عديدة من مشاهدة منتخباتها الوطنية في كأس الأمم الإفريقية الأخيرة، بعد أن باع حياتو حقوق البث الخاصة بمباريات الكاف إلى شركة "لاجاردير سبورت" الفرنسية حتى عام 2028، وهو ما تسبّب في إحالة حياتو للتحقيق من قبل جهاز حماية المنافسة في مصر، واعتبر أن حياتو خالف بعض نصوص قانون الجهاز، بناء على اتفاقية بين الحكومة المصرية والكاف، تتيح للمواطن مشاهدة المباريات، دون أي ممارسات احتكارية.

ولم تتأثر مصر وحدها من أزمة البث، بل قادت بعض الدول حملة ضد الكاف إزاء احتكارها لعملية تسويق المباريات الكبرى على مستوى القارة، ومن بينها عريضة التنديد التي أصدرتها منظمة الدول الإفريقية في نهاية شهر كانون الثاني/يناير الماضي، على هامش اجتماعها في أديس أبابا، والتي أكدت ضرورة إيجاد حلول مناسبة لتمكين الأفارقة من حقهم في متابعة البطولات الكبرى.

ليس ذلك فقط، بل إن أحمد أحمد يلقى دعمًا قويًا من عدة دول، فقد أعلن الاتحاد النيجيري لكرة القدم، مساندته التامة لمرشح مدغشقر، وقال أماغو بينيك، رئيس الاتحاد في تصريحاته لشبكة "بي بي سي" الإخبارية، إن انتخابات الكاف المقبلة هي لحظة حاسمة ومحددة لمستقبل الكرة في القارة الإفريقية، مشيدًا بجرأة أحمد أحمد، الذي لم يتردد في الدخول في منافسة ستكون حامية أمام حياتو، ومؤكدًا أن الاتحاد الإفريقي يحتاج الآن لدماء جديدة في القيادة، أسوة بما حدث على مستوى الاتحاد الدولي، ورحيل السويسري سيب بلاتر وتولي مواطنه جياني إنفانتينو المسؤولية.

اقرأ/ي أيضًا: تونس والسعي وراء أفريقيا "المنسية"

إفريقيا الجنوبية تتحدّ

أعلنت منظمة الاتحادات المنتمية لمنطقة إفريقيا الجنوبية (كوسافا) دعمها لأحمد أحمد في مواجهة حياتو

أما منظمة الاتحادات المنتمية لمنطقة إفريقيا الجنوبية (كوسافا) وعددها 14 اتحادًا، هي: نامبيا، سوزيلاند موريتانيا، سيشيل، مالاوي، موزمبيق، ليسوتو، جنوب إفريقيا، جزر القمر، زامبيا، وزيمبابوي، أنجولا، بتسوانا ومدغشقر، ويرأس المنظمة الزيمبابوي فيليب تشيانغو، فقد أعلنت دعمها لأحمد أحمد في مواجهة حياتو، ودعا رئيس المنظمة الكثير من رؤساء الاتحادات الإفريقية حتى التي لا تنتمي للمنطقة، إلى اجتماع أقيم يوم 24 شباط/فبراير الماضي، في هراري عاصمة زيمبابوي، وهو ما يشير إلى وجود مخطط للإطاحة بحياتو من على عرش الكاف، غير أن حياتو اعتبر أن هذا الاجتماع غير قانوني ويعرِّض الداعين له للمساءلة.

وقد أعلن تشيانغو على الملأ عداءه الشديد لحياتو، وقال إن نهايته قد اقتربت، ونصحه بالانسحاب في هدوء، كى يبقى محتفظًا بكرامته في إفريقيا. وفي احتفالية ضخمة بهراري، دعا تشيانغو رؤساء الاتحادات الإفريقية المؤيدين لأحمد، للاحتفال بعيد ميلاده، وأُعلن عن حضور رئيس الفيفا جياني إنفانتينو نفسه، ما أثار غضب وحفيظة حياتو، الذي سخر من حرص رئيس الفيفا على حضور حفل عيد ميلاد!

تأييد رئيس الاتحاد الدولي لأحمد أحمد جاء بعد وقوف حياتو ضد الأول في انتخابات الفيفا ودعمه لمنافسه البحريني سلمان بن إبراهيم، رئيس الاتحاد الأسيوي للكرة، في الانتخابات التي أجريت في شباط/فبراير 2016، لذلك وافق إنفانتينو على حضور اجتماع الكوسافا، في رغبة مخفية لمساندة منافس حياتو.

ويسعى إنفانتينو إلى توجيه رؤساء الاتحادات الإفريقية للتصويت لأحمد، وقد ألقت عدة تقارير تناولها عدة صحف في بعض الدول التي تنتمي للكوسافا، على موقف إنفانتينو، وأكدت هذه التقارير أن رئيس الفيفا لم ينس ما كان يقوم به حياتو حتى يخسر هو أصوات الأفارقة، ويعي تمامًا من كان مؤيدًا له ومن كان ضده من القارة السمراء، لذلك توقعوا أن يكون الوقت قد حان لتصفية الحسابات، وإزاحة حياتو من منصبه.

اقرأ/ي أيضًا:

10 أمور يجب معرفتها عن كأس الأمم الأفريقية 2017

الكاميرون على عرش أفريقيا للمرة الخامسة