24-مايو-2016

مجند من الجيش العراقي على مقربة من تخوم الفلوجة (24آيار/مايو 2016/Getty)

يتواجد في العراق هذه الأيام قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سُليماني، إلى جانب عدد من المستشارين العسكريين الأمريكيين، بالإضافة إلى قيادة العمليات المشتركة العراقية التي يشرف عليها القائد العام للقوات المسلحة رئيس مجلس الوزراء العراقي حيدر العبادي.

 تهدف إيران لإبراز حلفائها من المليشيات الطائفية في العراق على أنهم الحل الأمثل للتصدي للإرهاب

قبل أسابيع بدأ التنسيق بين العواصم الثلاث بغداد-طهران-واشنطن لبدء معركة الفلوجة. فهي بالنسبة للعراقيين القشة التي ستقصم ظهر "داعش"، وبالنسبة لإيران المدينة التي ستبعد كل خطر عن مصالحها في العراق وستؤكد التفوق العسكري لمليشياتها، عدا عن كون إيران تهدف لإبراز حلفائها من المليشيات الطائفية في العراق على أنهم الحل الأمثل للتصدي للإرهاب، خاصة ضد تنظيم داعش، أما بالنسبة لواشنطن فيريدون معركتهم الثالثة في الفلوجة لصالحهم وصالح حلفائهم فأيام ساكن البيت الأبيض باتت معدودة في سدة الرئاسة، وهذه أكبر المعارك، لناحية العديد والعتاد، التي شهدتها الأراضي العراقية منذ الغزو الأمريكي واحتلال العراق 2003.

اقرأ/ي أيضًأ: مع بدء عمليات تحرير الموصل.. توقعات بنزوح الملايين

في ساعات الصباح الأولى لليوم الثلاثاء الـ 24 من آيار/مايو 2016 اجتمع في بغداد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وزعيم فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني وعدد من القادة العسكريين لمليشيات مثل الحشد الشعبي وأبو الفضل العباس. كان الحديث يدور عن أهمية التنسيق المشترك وعدم تجاهله مثلما حدث في معارك أخرى، ومحاولة لضبط الانفلات الإعلامي لبعض قيادات المليشيات التي أقدمت على الإدلاء بتصريحات فضائحية كثيرة لصالح علاقتها بالثأر والنية بارتكاب مجازر بحق المدنيين السنة من أهل الفلوجة، ما يشف عن المخططات المتوافرة لهذه القيادات بشكل صريح، التي ذهب بعضها لحد وصف الفلوجة بـ"السرطان واجب الاستئصال" عوضًا عن توعد أهلها بالتقتيل والإذلال.

بالإضافة لهذا الاجتماع، كانت هناك لقاءات سرية بين سُليماني ومستشارين أمريكيين، يرجح أنه عقد داخل قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار، حيث أكد سُليماني للمستشارين الأمريكيين أنه سيمضي بالخطط التي وضعوها معًا لمعركة الفلوجة وأنه لا تغيير في السيناريو، أي شكل الحصار وتقديم ضمانات بعدم دخول المليشيات إلى المدينة.

لم يجد أحد المسلك الآمن لخروج المدنيين الذي وعد به أهالي الفلوجة قبل ضرب الحصار على مدينتهم وبدء الطلعات الجوية العشوائية المكثفة

في حين واصل طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية قصفه لمواقع تنظيم "داعش" في اليوم الأول من المعركة، علمًا أن نتائج القصف لم تكن مركزة على أهداف متعلقة بداعش، بل غلب عليها الطابع العشوائي وسط الأحياء السكنية والأسواق، بينما استمرت الهجمات البرية من قبل القوات العراقية والقوات المساندة لها من الحشد الشعبي والعشائري دون أن يكون هناك توغل حقيقي يمكن الحديث عنه، أو مناطق بعينها تم تحريرها من قبضة داعش سوى حي النعيمية جنوب المدينة ومنطقة المعامل، وكلاهما خال من داعش منذ أيلول/سبتمبر 2015، لكن الحكومة والقوات المسلحة العراقية كررت الإعلان عن تحرير هاتين المنطقتين خلال الأشهر القليلة الماضية في كل مرة تعرضت لانتقادات بشأن المعركة مع داعش أو حتى بخصوص المجازر المتعمدة التي وقعت خلال الشهور الأخيرة في مناطق قريبة من الفلوجة ضمن محافظة الأنبار كان المتهم الأساسي فيها ليس إلا قوات الحشد الشعبي، حليفة حكومة العبادي وقواته المسلحة.

اقرأ/ي أيضًأ: كردستان العراق.. العودة إلى الإدارتين "حلًا"

اللافت في مجريات التحضير لمعركة الفلوجة وإنهاء وجود تنظيم "داعش" فيها، كان التقارب الأمريكي الإيراني والإتفاق على مجريات المعركة علانية، خاصة وأن أوباما الذي ستنتهي ولايته مع نهاية العام، يُريد أن يحقق شيئًا على أرض الواقع يجعل من العراقيين والأمريكيين يتذكرونه "بخير"، أما إيران فتُريد أن تقول بأن قوات الحشد الشعبي التي تدعمها حققت نتائج إيجابية وأنها بريئة من المجازر الطائفية التي ارتكبت باسمها، ولذلك كان من ضمن الاتفاق على بقاء قوات الحشد الشعبي خارج الفلوجة، والاشتراط بالحصار دون الهجوم، لكن روايات شهود عيان أكدت خلو محيط المدينة من قوات الحشد تقريبًا، ووجود تمركز كثيف لقوات الحشد رفقة مليشيات أخرى جنوب المدينة، وهو ما يعد مثار تساؤل عن مدى الالتزام من طرف الحشد الشعبي بقيادة العامري بما اتفق عليه في بغداد وعين الأسد، وظهور تحضيرات لها بخصوص التوغل في الفلوجة، ناهيك عن القصف المدفعي المركز على الأحياء السكنية، والذي يتبارى فيه عناصر الحشد الشعبي من مواقع تمترسهم جنوب المدينة.

وتُشير المعلومات التي حصل عليها "الترا صوت" إلى أن "يومي الخميس والجمعة المقبلين قد يشهدان إعلان تحرير الفلوجة بشكل كامل من قبل القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي، إلى ذلك الحين يبقى مصير المدنيين في الفلوجة رهن فكي داعش والحشد الشعبي، في ظلال الخذلان لهؤلاء من قبل الحكومة والقوات المسلحة، إذ لم يجد أحد المسلك الآمن لخروج المدنيين الذي وعد به أهالي الفلوجة قبل ضرب الحصار على مدينتهم وبدء الطلعات الجوية العشوائية المكثفة.

اقرأ/ي أيَضًا: 

فـخُ المنطقـة الخضراء

هل كان يمكن لحدودٍ مختلفة أن تنقذ الشرق الأوسط