30-يناير-2023
gettyimages

تعد جبهة بيلاروسيا أقل الجبهات احتمالية لأن ينطلق القتال منها أو أن تشارك بالمعارك (Getty)

تتأرجح جبهات القتال في أوكرانيا ما بين تقدم للقوات الأوكرانية في جبهة، وتقدم للقوات الروسية في جبهة أخرى، دون تسجيل اختراقات مهمة تكون مؤشر على مسار الذي سيذهب إليه سير المعارك، فيما تتحضر كل الأطراف في الحرب للهجوم القادم في الربيع.

تظهر التحضيرات لمعركة الربيع من الآن، حيث تعمل كل الأطراف على الإعداد لها بشكلٍ كبير. وتعمل روسيا على تقوية قواتها في أوكرانيا

وسجلت القوات الروسية مؤخرًا بعض التقدم على جبهات شرق أوكرانيا، خاصة في سوليدار التي انسحبت منها القوات الأوكرانية بعد السيطرة عليها من قبل مرتزقة "فاغنر"، كما كثفت القوات الروسية هجماتها على مقاطعة زاباروجيا، خاصة مدينة هولييابول، لكن من دون تسجيل تقدم يذكر. 

ويرجح تحليلات عسكرية، أن يتحرك أحد الأطراف المتحاربة في محاولة لكسر حالة الجمود على الجبهات، خلال الربيع المقبل، وذلك في محاولة لتحقيق اختراقات هامة في جبهات القتال، تغير شكل الحرب وتوجه الحالي فيه، ويدور الحديث حاليًا هو من سيبادر في الهجوم وأين ستكون المعارك القادمة.

تنقل صحيفة "الغارديان" البريطانية، عن الرقيب الأول في لواء "ماريوبول 56" مشاة الأوكراني، قوله إن "المعركة الكبرى قادمة هذا الربيع، أو حتى قبل ذلك"، وأضاف "سواء وصلت إلى هنا، أو كانت في مكان آخر على طول خط المواجهة الذي يبلغ طوله 750 ميلًا، فمن المتوقع أن تندلع أشد مراحل الحرب ضراوة حتى الآن".

getty

وتظهر التحضيرات لمعركة الربيع من الآن، حيث تعمل كل الأطراف على الإعداد لها بشكلٍ كبير. وتعمل روسيا على تقوية قواتها في أوكرانيا، من خلال خطط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى توجيه جهود اقتصاد بلاده نحو الصناعة الحربية، من أجل إنتاج الأسلحة، لتدعيم تلك القوات. فيما تسعى الدول الغربية إلى حشد كافة أنواع الأسلحة الممكنة إرسالها إلى أوكرانيا.

وبحسب "الغارديان"، يرى العديد من المحللين العسكريين أن خطوة الرئيس الروسي  بتكليف قائد هيئة الأركان العامة الجنرال فاليري غيراسيموف، على رأس القيادة العسكرية التي تشرف بشكلٍ مباشر على العمليات في أوكرانيا، ينذر باستعداد موسكو لشن هجوم واسع، بعد أن انتهت المرحلة الأولى من الغزو بنكسة للقوات الروسية، وبعد الخسائر الكبيرة التي منيت بها في الشمال، وفي الجنوب الشرقي في جبهات خاركيف وخيرسون.

getty

وتمثلت المرحلة الأولى من الغزو بحرب استنزاف، خسر خلالها الكرملين الآلاف من جنوده من أجل مكاسب استراتيجية صغيرة حول مدينتي باخموت وسوليدار، بالإضافة إلى استنزاف ترسانته الصاروخية التي استعملت في قصف البنية التحتية للطاقة والمياه بأوكرانيا.

وتشير الصحيفة البريطانية إلى أن المرحلة الجديدة من الحرب، والتي من المحتمل أن تنطلق في الربيع، ستشهد "معركةً شاملة للحصول على ميزات حاسمة خاصةً في الهجوم على المواقع الثابتة"، حيث سينتج عنه مخاطر هائلة، سواء في الأرواح أو المعدات العسكرية.

وتكشف تحليلات عسكرية عن أن  القوة التي ستبادر بالهجوم على المواقع الثابتة يجب أن تكون أقوى بثلاثة أضعاف من القوة المدافعة لتنتصر عليها، وذلك نظرًا لتطور التكنولوجيا العسكرية، خاصة المُسيّرات والأقمار الصناعية، التي تسمح للقوات المدافعة أن تكتشف الهجوم بشكلٍ استباقي، وتدافع بشكل جيد، وأن القوة النارية المدمرة لصواريخ الإطلاق المتعددة يمكن أن تقضي على التهديد قبل أن يتم شن هجوم.

getty

وبحسب "الغارديان"، يبقى رهان روسيا وأوكرانيا، على تشكيل قوى "يمكنها تجاوز هذه الصعاب، وتحقيق اختراقات في مواقع تمركز العدو".

وتطرح الصحيفة تساؤلات جدية، حول ما إذا كانت القوات الروسية قد تعلمت الدروس التكتيكية من الفشل الذريع لعملياتها خلال العام الماضي، وإذا ما كانت في حالة أفضل الآن لشن هجمات منسقة.

ويرى كبير محللي البنتاغون السابق في مجال القدرات العسكرية الروسية دارا ماسيكوت، أن "القدرة الروسية على المناورة الهجومية على نطاق واسع تواجه تحديًا حقيقيًا في الوقت الحالي"، ويتابع في رده على أسئلة الغارديان، قائلًا: "لقد حاولوا العام الماضي، ولم تسر الأمور على ما يرام، لأن القوات التي اعتمدوا عليها ليست محترفة، كما لم تكن المعدات جيدة، إلا أن كل أسبوع يمر يعد فرصةً أخرى للجيش الروسي لإعادة التدريب والاستعداد".

أما بالنسبة للطرف الأوكراني، يشير إلى أن هناك "شعور متزايد بين القوات الأوكرانية، بالتوجه إلى أخذ زمام المبادرة والشروع في الهجوم أولًا، واستباق الهجمات الروسية، لكن غياب الأسلحة اللازمة لاختراق مواقع قوات الغزو الروسي، يتسبب لها في حالة إحباط، رغم وصول إمدادات مهمة من حلفائها الغربيين".

getty

يشار إلى أنه هناك الكثير من المعدات في طريقها الجيش الأوكراني، بما في ذلك دبابات ليوبارد الألمانية ومئات المركبات القتالية للمشاة من الولايات المتحدة وفرنسا والسويد وألمانيا، وسرب من دبابات "تشالنجر 2"، ومدافع "هاوتزر" البريطانية، والتي  يمكن أن تستخدمها القوات الأوكرانية في  شن هجماتها القادمة. مع الإشارة إلى أن كل منظومة أسلحة غربية جديدة تحتاج إلى حوالي شهرين حتى تسليمها، وحتى تدريب القوات الأوكرانية على استخدامها، فيما تم تدريب حوالي 20 ألف جندي أوكراني حتى الآن، ومن المتوقع أن يرتفع العدد بشكلٍ كبير في الأشهر الأولى من عام 2023.

من جانبه، قال المدير المشارك ببرنامج العلاقات الخارجية والأمن الدولي في مركز أبحاث مركز رازومكوف في كييف أوليكسي ميلنيك، للصحيفة: "ستحاول القوات الأوكرانية الضرب أينما ترى أن الخطوط الروسية هي الأضعف"، مرجحًا أن يتم ذلك في الشرق في لوغانسك حيث تكون القوات الروسية الأضعف والأكثر استنزافًا.

وتلفت الغارديان إلى أن هناك ثلاث جبهات يمكن أن تكون ساحةً للمعارك الكبرى في الربيع، ويمكن أن "يكون حسم أي واحدة منها منعرجًا حاسمًا لهذه الحرب".

جبهة الشرق

يمكن القول إن جبهتي لوغانسك ودونيتسك، التي كانتا مسرحًا لأعنف المعارك في الأشهر القليلة الماضية، هي أكثر الجبهات احتمالية لشن هجمات كبرى على كلا الجانبين في الربيع.

بالنسبة لموسكو، يرى محللون أنه لأسباب سياسية بحتة، فإن شن قواتها هجومًا جديدًا في الجبهة الشرقية، يبقى احتمالًا قويًا، حيث لطالما شكل عدم قدرة قواتها من السيطرة على المنطقتين "اللتين تتحدثان باللغة الروسية مصدر إحراج لها"، ويمكن من خلال السيطرة عليها تسجيل انتصار معنوي، نظرًا للخسائر الكبيرة في هذه الجبهة.

getty

بالمقابل، يرى ماسيكوت أن نقطة الضعف المباشرة في الدفاعات الروسية يمكن أن تكون في لوغانسك، حيث كان الأوكران يضغطون بلا هوادة حول مدينة كريمينا، بهدف قطع خطوط الإمداد الروسية عبر لوغانسك وشمال دونيتسك.

فقد اندلعت خلال الأسابيع الأخيرة، معارك قوية حول مدينة كريمينا، حيث تعرضت لهجوم أوكراني قوي في حين دافع الروس بضراوة عن بعض مكاسبهم التي تحققت خلال الأشهر الماضية.

جبهة الجنوب

وتعتقد "الغارديان"، أن ما يحدث على الجبهة الجنوبية سيقرر في نهاية المطاف نتيجة الحرب برمتها، سواء بادرت القوات  الأوكرانية بشن هجومها الأول في الشرق أم لا، إذ سيتعين عليها في وقت ما التوجه جنوبًا إذا ما أرادت تحرير مقاطعتي خيرسون وزاباروجيا وبعدهما شبه جزيرة القرم.

وبالنسبة لروسيا، يقدم الجنوب إمكانية تحقيق "مفاجأة استراتيجية"، والأوكران يدركون هذا الخطر بحسب الصحيفة البريطانية، ويقول ضابط مخابرات أوكراني، إن الروس يمكن أن يتقدموا إلى الشرق من هولييابول، عند النقطة الفاصلة بين جبهتي زاباروجيا ودونيتسك وهي مدينة تدعى "فيليكا نوفوسيلكا". ويوضح الضابط الأوكراني أن "هذه نقطة استراتيجية للغاية، إذا قام الروس بعمل جيد واستولوا على هذه المدينة، فيمكنهم القيادة شمالًا، ويمكن أن تُحاصر قواتنا في دونيتسك".

جبهة الشمال

تقوم القوات الروسية في الفترة الأخيرة بعمليات تدريب وحشد في بيلاروسيا، لكن معظم المحللين العسكريين يرون أن هجومًا كبيرًا آخر من الشمال غير مرجح، بعد كارثة العام الماضي.

وقد أعلن الرئيس البيلاروسي  ألكسندر لوكاشينكو، عن انتشار مشترك مع القوات الروسية، وأطلق تهديدات ضد أوكرانيا، لكن سكرتير مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني أوليكسي دانيلوف، قال "إن بيلاروسيا لن تعلن الحرب على أوكرانيا، لأن ذلك سيكون موتًا سياسيًا للوكاشينكو".

وهو ما تذهب إليه معظم التقديرات العسكرية الغربية والأوكرانية، بأن خطوة موسكو بحشد بعض قواتها في بيلاروسيا هي "خدعة"، لإبعاد القوات الأوكرانية عن الجنوب والشرق، وحتى الآن، لا توجد مؤشرات على أن القوات الروسية هناك منظمة وتستعد للهجوم.

ومع ذلك، فإن الهجمات والهجمات المضادة خلال الأشهر القليلة المقبلة يمكن أن تكون حاسمة في تحديد مسار بقية الصراع، وسيكون لنجاح أوكرانيا أو فشلها تأثيرًا مهمًا على قدرة داعميها على مواصلة  دعمها بالأسلحة المتطورة، وهي ميزة استراتيجية لكييف.

بالنسبة لروسيا، فإن أهم ميزة استراتيجية تمتلكها، تتمثل في الاحتياطي الهائل من القوة البشرية، حيث لا تولي القيادة في موسكو، أهميةً للخسائر البشرية

أما بالنسبة لروسيا، فإن أهم ميزة استراتيجية تمتلكها، تتمثل في الاحتياطي الهائل من القوة البشرية، حيث لا تولي القيادة في موسكو، أهميةً للخسائر البشرية، ويمكن للقيادة الروسية أن تتورط في المعركة بأعداد هائلة من الجنود، وأن تتكبد خسائر فادحة دون أن يكون لذلك عواقب، وهو ما يعتبر أكبر تهديد لأوكرانيا في هذه الحرب الطويلة.