تعرّض الكاتب والمسرحي اللبناني زياد عيتاني للسجن مدة 4 أشهر (تشرين الثاني/نوفمبر 2017 حتى آذار/مارس 2018)، في قضية ملفقة، اتهم فيها ظلما وعدوانًا بالعمالة لإسرائيل. وبعد مضي 7 سنوات على القضية والمظلمة، أصدر مجلس شورى الدولة، وهو أعلى سلطة قضائية في لبنان، قرارًا لصالح عيتاني، أعلن فيه المجلس مسؤولية الدولة اللبنانية عن الأضرار التي لحقت عيتاني، ملزمًا، في الآن نفسه، الدولة اللبنانية بتعويض مالي لعيتاني عن الضرر المعنوي والمادي الذي لحقه جرّاء "امتناع الدولة عبر الإهمال والتقاعس عن القيام بموجباتها تجاه عيتاني، والتي أدت إلى تعرضه لأعمال التعذيب وانتهاك قرينة البراءة"، وفقًا لنص المفكرة القضائية التي اطلع عليها موقع الترا صوت.
واعتبر البيان الصادر عن مجلس شورى الدولة اللبناني أن قراره بشأن مظلمة عيتاني "يؤسّس ضمنًا لخارطة طريق للإصلاحات المستقبليّة، حيث أنّ قضية عيتاني تُعدّ من أبرز الأمثلة على الخلل العميق في النّظام اللبنانيّ وانهيار المهنيّة، خصوصًا في العمل القضائي والأمني والإعلامي"، مضيفًا أنه وفي حين "أثارت هذه القضية اضطرابًا كبيرًا في الرأي العام، لم تستخلص مؤسسات الدولة الدروس اللازمة منها سواءً لجهة تحديد المسؤوليات وإخضاع المخالفين للمحاسبة وجبر ضرر الضحيّة أو لجهة القيام بالإصلاحات واتخاذ الإجراءات لمنع تكرار هكذا مظلمة".
يشار في هذا الصدد إلى أنّ كُلّا من الرئيس جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام "وعدا بدعم استقلالية القضاء، وتطهير المؤسسات الحكومية من الفساد"، وتعدّ قضية عيتاني نموذجا صارخا على مستوى الفساد الذي تفشى في المؤسسة الأمنية اللبنانية.
معركة الالتزام بالإصلاحات الفعلية: زياد عيتاني متضامنًا مع الضحية التالية
في تصريح خاص لـ ألترا صوت، أكد الكاتب والمسرحي زياد عيتاني أنه خلال معركته القانونية ضد أجهزة السلطة، كان يركز بشكل أساسي على قضية التحقيقات في جهاز أمن الدولة اللبناني وما يرافقها من انتهاكات وتعذيب جسدي ونفسي. ولفت إلى أنه خلال تلك الفترة، لقي شاب سوري حتفه تحت التعذيب في نفس الجهاز الأمني، مشددًا على أن "لبنان الرسمي لا يريد فتح هذا الملف أو الحديث عنه".
وأوضح عيتاني أن أحد أهداف نضاله في قضيته الشخصية كان محاسبة الطبقة السياسية ووضع حد لاستهتارها بالإصلاحات ووقف الفساد والانتهاكات الجسيمة بحق الموقوفين، مؤكدًا أنه خاض هذه المعركة على هذا الأساس. كما ثمّن القرار الصادر عن مجلس شورى الدولة، الذي حمّل السلطات اللبنانية المسؤولية عن الأضرار التي لحقت به، معتبرًا أن هذه الخطوة تعد سابقة قانونية مهمة في مسار العدالة ومحاسبة الانتهاكات الأمنية.
إضاءة على القضية:
بعد التحقيقات التي أجراها القضاء في التهم الموجهة إلى زياد عيتاني، أصدر قاضي التحقيق العسكري قرارًا بتبرئته من التهم الكيدية المنسوبة إليه، وأمر بوقف محاكمته. في المقابل، وجه الاتهام إلى كلٍّ من رئيسة مكتب مكافحة الجرائم الإلكترونية السابقة، سوزان الحاج، ومقرصنٍ بتلفيق القضية ضد المسرحي اللبناني زياد عيتاني.
اعتبر البيان الصادر عن مجلس شورى الدولة اللبناني أن قراره بشأن مظلمة عيتاني "يؤسّس ضمنًا لخارطة طريق للإصلاحات المستقبليّة"
وعلى الرغم من فداحة هذا التلفيق، إلا أن القضاء اللبناني انتهى بعد سنوات من المحاكمة، إلى الحكم على المقرصن بعشرين شهرًا فقط مع الأعمال الشاقة، في حين حَكَم على المقدم سوزان الحاج بدفع غرامة رمزية قدرها 200 ألف ليرة لبنانية أي ما قيمته 18 دولارا بسعر الصرف حينها، وذلك بتهمة إخفاء المعلومات عن مرؤوسيها، مستفيدةً من إصرار المقرصن من أنه قام بالقرصنة من تلقاء نفسه، بدون إيعاز من أحد آخر.
لكن وعلى الرغم من صدور قرار بفصل المقدم سوزان الحاج، على خلفية قضية أخرى هي السبب فيما حدث مع عيتاني، فإن قرار الفصل بقي معلقا، بل حصلت الحاج لاحقا على ترقية من الرئيس السابق ميشال عون، وذلك بعد إدانتها في قضية عيتاني الملفقة.
ويطالب حقوقيون وإعلاميون الرئيس الحالي جوزيف عون بتوقيع قرار فصلها، "لاسيما أن التحقيقات لم تكشف عن تورط سوزان الحاج بجرم التلفيق فحسب، بل أضاءت على تحقيق لشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي عن تورط المتهمين في قرصنة مواقع حكومية ومصارف".
وتعود الدوافع وراء قضية تلفيق تهمة العمالة لعيتاني من طرف المدانين إلى العام 2017، حيث اتخذ قرار بتوقيف المقدم سوزان الحاج عن عملها، "على خلفية قيامها بوضع إشارة إعجاب لمنشور للمخرج اللبناني شربل خليل، في خطوة اعتُبرت حينها عنصرية بحق السيدات السعوديات"، وقد ساهم عيتاني حينها في تسليط الضوء على الموضوع.
التوجه إلى مجلس شورى الدولة:
على ضوء مجريات القضية وتطوراتها، قدّم عيتاني في آب/أغسطس 2020 دعوى إلى مجلس شورى الدولة، بعد أن "فشلت الدولة في إنصافه على إثر احتجازه في العام 2017 ورفْض الحكومة طلبه بالتعويض"، ليطعن في هذا الرفض عند شورى الدولة، مطالبًا بتعويضه عن "الأضرار الجسديّة والمعنويّة التي لحقتْ به من جرّاء الخلل الجسيم في سير المرافق العامة الإدارية والقضائية والأمنية، حيث أدّت الأخطاء المرفقيّة بفعل ترابطها إلى تفاقم ضرره"، وجاء قرار المجلس لصالح عيتاني حيث أكّد "أنّ الدولة فشلت في تأمين حماية سريّة التحقيق واحترام قرينة البراءة لصالح عيتاني، ممّا أدّى إلى انتشار اتهامات عامّة ضدّه بالعمالة، مع ما استتبع ذلك من استباحةٍ لعيتاني وحقوقه واحتجازه لأسابيع وبصورة مخالفة للقانون بعدما تمّ وصمُه بخيانة وطنه. وقد تسبّب بشكل خاصّ بهذا الفشل ثلاث جهات رسمية هي: جهاز أمن الدولة والمجلس الأعلى للدفاع والمجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع".
وتبعًا لما تقدّم، قرّر مجلس شورى الدولة، بما له من سلطة في التقدير، "تحديد قيمة التعويض لعيتاني بمبلغ 480 مليون ليرة لبنانية (5300 دولار)". ومن المقرر أن تعقد “المفكرة القانونية” مع زياد عيتاني مؤتمرًا صحافيًا في مكاتبها يوم غد الأربعاء للحديث عن مضمون الحكم وأبعاده والنتائج التي تترتب عليه.
وفي أول تعليق له على هذا القرار قال عيتاني إن القرار "يدين بشكل واضح جهاز أمن الدولة، والمدعي العام حينها بيتر جرمانوس، والمجلس الوطني للإعلام الذي وقف صامتًا إزاء انتهاك التحقيقات الأولية معه، عبر تسريبها للإعلام"، مضيفًا: "إن تهمة العمالة عرضتني وعائلتي بشكل يومي للخطر، ولم تتحرك الدولة للإقرار الكافي بأن مواطنًا مشهودًا له ولعائلته بمواقفهم وسيرتهم في وجه الاحتلال اتُهم ظلمًا وبهتانًا بأبشع تهمة ممكنة".
واعتبر عيتاني أن القرار عمومًا "يشكل بداية فتح ثغرة لكل مواطن لبناني يتعرض لظلم من ذوي النفوذ والسلطة في الدولة"، مبديًا استعداده "لوضع الجهود التي بذلها لإحقاق الحق في خدمة ضحايا انفجار مرفأ بيروت عام 2020، وقضيتهم التي لا تزال قيد التحقيقات القضائية".