24-فبراير-2022

من المعرض

ليست التّجربة الأولى للفنان اللبناني عيسى حلّوم، أو لغيره حتّى، تلك الّتي يعتمدُ فيها على المكان كمرجعيّة في اللّوحة. منطقةُ العين البقاعيّة أو غيرها من المناظر والمَشاهد الّتي يقيمُ في أحضانها الفنّان، تشكّل دعامة لوحته الأساسيّة. لا أدري بالضّبط ماذا كانتْ لتكون حقيقةُ شعوري لو لم أزُر هذا المعرض. والقولُ هذا لا يصُبُّ في خانة المُجاملة أو التزلُّف أو إعطاء القيمة وتدبيج الأسطر بلْ ينبعُ تمامًا من زاوية شخصيّة بحتة.

للعصافير حصّتها أيضًا في لوحة عيسى حلّوم فهي تنتحي جانبًا من بعض لوحاته ليصير المُشاهد أمام لوحتين أو ثلاث

النفسيّة المُغايرةُ الّتي خرجتُ بها من المعرض جعلتني أدركُ وأحسُّ أنّ فيه شيئًا من السّحر. اللّوحاتُ جعلتني نوعًا ما أتصالحُ مع نفسي. وهذا ما يصعبُ تصديقُه لكنّه حدث بالفعل.

اقرأ/ي أيضًا: كارلوس موراغو.. في معنى المكان

"تألق الطّبيعة، إشراق الطّبيعة، ألقُ الطبيعة" عناوينُ عديدة وتآويل للعنوان، كلها تفي بالغرض فالمعنى فضفاضٌ ويحتمل.

كما في معارضه السّابقة يتابع عيسى حلّوم احتفاءه بالطّبيعة وعناصرها، ذلك الاحتفاء الواقعيّ، المُستندُ حاليًّا إلى التّفاصيل. ما هو جديد أمامنا هو التّقنيّة وهو الرغبة في ملئ كلّ زاوية من زوايا اللّوحة، وعدم ترك أيّ مهرب للفراغ كي يتسلّل. نحنُ أمام تطويرٍ مدروسٍ لما هو موجود، بأدواتٍ لونيّة كانت موجودة أساسًا لكنّها كانت غارقةً في مساحات متآكلة باللّون، وفارغة.

يضمُّ المعرض الّذي أقيم في غاليري "آرت أون 56" وانتهى منذ أيّام، 24 لوحة موزّعة على عدّة صالات، من بينها 10 لوحات جديدة وأخرى قديمة لكنّها غير معروضة سابقًا. ثيماتُ اللّوحات تتمحور حول الأمكنة من صور إلى عين المريسة إلى قريته البقاعيّة. ومع الأمكنة تمشي الألوان بخطٍّ موازٍ، نرى الأخضر والأصفر، ألوان شمسيّة وساطعة وبارقة.

للعصافير حصّتها أيضًا في لوحة عيسى حلّوم فهي تنتحي جانبًا من بعض لوحاته ليصير المُشاهد أمام لوحتين أو ثلاث. وهذا ما نُبصره في عدّة أعمال أخر. لوحة الورود، لوحة الجارة الّتي تعجن، مشهد آخر لنساء مجتمعات وطفل، يضاف إليه نساء متحلّقات الزّاوية. 3 مشاهد في لوحة واحدة. 

نُضيف أيضًا 4 لوحات عن مدينة صور. نشعر أننا أمام مشاهد أكثر حميميّة. تعكس دخول حلّوم في التّفاصيل. هي لوحات أكثر فانتازيّة. لوحة الصيّادين والشّباك، وأخرى على المرفأ رجلٌ جالسٌ يترقّب ويُشاهد. المشاهدُ متلاصقةٌ ومتباعدةٌ في ٱن. 

مفاجأة المعرض هي في 4 منحوتات من الأخشاب. تلك التي اشتغل عليها حلّوم بالألوان، وحملت توقيع الفصول الأربعة وفيها جسّد فصول السّنة. النّهر للصّيف والورودُ للرّبيع والبياضُ النّاصعُ للشّتاء و"الصّفارُ" المسيطر للخريف. وإضافةً أيضًا نجدُ منحوتةً خشبيّة رسم عليها بكاملها بشكلٍ دائريّ مشهد المطبخ، المرأة والعجين والأطفال. 

لا يوجدُ ظلامٌ أو ليلٌ في لوحة حلّوم. حتّى بعض اللّوحات الدّاكنة طعّمها بانزياحات وخطوط لونيّة جاءت منسابة. لم تعكّر صفاء اللّوحة بل انسابت داخل فضائها. 

كائناتُ عيسى حلّوم كائنات مُسالمة. المرأةُ والبيتُ والشّجر والمقعد والعُصفورُ الشّريدُ والطّفلُ المركونُ في زاوية والرّجل الحائرُ على المرفأ، كلُّها مسالمة وتملكُ الوقت الكافي لتقول ما لديها.

في لوحاته نحن أمام نوستالجيا "ضيعاويّة" يضافُ إليها طبعًا مشاهد أخرى مُشابهة ومدموغة بالرّوحيّة ذاتها. إذًا نحن أمام لوحة سهلة، خالية من الوعورة ومن الغضب ولو شئنا القول لوحة تفسّر نفسها بنفسها، كلُّ شخص يسلّمك إلى آخر ويحيلُك إليه. ولك أنت أنْ تتخيّل ما تُريد. 

لا يوجدُ ظلامٌ أو ليلٌ في لوحة حلّوم. حتّى بعض اللّوحات الدّاكنة طعّمها بانزياحات وخطوط لونيّة جاءت منسابة

الامتلاء باللّون هو فعلًا ما يمكنُ نسبه إلى حلوم في هذه العجالة، اللّون أساسُ لوحته وليس الضّربة. الضربة غدت تفصيلًا على كلّ حال، مجرّد تمرين.

اقرأ/ي أيضًا: في مسار محمد حافظ الفني.. لم نولد من هواء عابر

عودةٌ إلى سؤالٍ أساسيّ ومحوريّ: هلْ يمكنُ وصفُ لوحةٍ أنّها مُريحة؟ هذا بالضّبط ما يلخّصُ معرض عيسى حلّوم المُنصرم منذ أيّام.

 

اقرأ/ي أيضًا:

معرض زياد أبي اللّمع.. ما تقوله الهوامش

حوار| غطفان غنوم.. كاميرا تبحث عن سحر العالم