20-أغسطس-2017

محمد صبحي مكرمًا من المفتي أحمد حسون

ليست غريبة محاولة نظام بشار الأسد إظهار أن الحياة في دمشق تسير بسلام، وكل شيء يجري فيها على ما يرام، لكن الغريب أن يقيم معرضًا فنيًا في محاولة بائسة لتعود دمشق إلى ساحة القوة الناعمة بعدما فقدت كل شيء، فلم يعد هناك إلا خراب وخرائب الأسد. يحاول النظام أن يمحو تلك الصورة، ويصنع صورة خيالية أخرى بأموال زهيدة، كانت كافية فقط لدعوة أجيال انتهت فنيًا من مصر وغيرها.

يرى الفنانون المصريون جانبًا واحدًا من المعارضة في سوريا، هو جانب الجماعات الإسلامية

من مصر، انتقل وفد فني إلى سوريا في محاولة لدفع اسمه إلى صفحات الصحف أو القنوات من جديد بعدما اعتبروا نجومًا عفا عليهم الزمن، فلم يعد يتذكرهم لا في أعمال فنية ولا برامج تليفزيونية، فكان الشيء الوحيد الذي يمكن أن يعودوا به إلى الساحة.. دعم الأسد.

اقرأ/ي أيضًا: نوبل للسلام وودّ لنظام الإرهاب!

يرى الفنانون المصريون جانبًا واحدًا من المعارضة في سوريا، هو جانب الجماعات الإسلامية، داعش وجبهة النصرة وغيرها، يتعمّدون ألا يروا غيره أو يتحدثوا عن غيره حفاظًا على شيء من سلامهم النفسيّ، فلا يتذكرون أن هناك آخرين في سوريا يقاومون الأسد، وآخرين لا يريدونه، وهناك عُزّل بلا سلاح راحوا ضحية طغيانه.

الغريب فعلًا أن من هم حول الأسد حين اختاروا له فنانين من مصر، وقعوا على مجموعة منتهية الصلاحية، في مقدمتها المخرج عمر عبد العزيز، رئيس اتحاد النقابات الفنية بالقاهرة، وهاني شاكر، نقيب الموسيقيين، ومحمد صبحي، وبوسي شلبي، وإلهام شاهين، وندى بسيوني، وندى بهجت، ورشا الخطيب، وأميرة العقدة. هناك اختياران يحملان دلالة هما هاني شاكر وعمر عبد العزيز؛ إذ أنها محاولة لجلب صبغة رسميّة للوفد المصري، فهما الوحيدان اللذان يتمتعان بصفة رسمية غير كونهما فنانين، أما الباقون فليست لهم أي صفة رسمية. 

التقارب المصري السوري في المؤتمرات والمعارض كتلك، لا بد أن يظلّ ناعمًا وخفيًا، فهو لا يعبر عن موقف رسميّ تماما، فلا تزال مصر – أمام الناس – غاضبة مما يفعله الأسد، وتحتوي معارضين مثل أحمد الجربا، لكنها في الوقت ذاته متواصلة مع بشار. مصر لا تضفي سرية على علاقاتها الممتدة مع الأسد من باب الموقف أو الإنسانية، هي فقط تخاف غضب الخليج – السعودية تحديدًا - المعادي لبشار، والرافض لاستمراره لأسباب لا تتعلق بالإنسانية أيضًا.

لكن عدّة علامات تشير إلى تقارب مصري – سوري مؤخرًا، فهناك دعوات بالقاهرة إلى عودة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين البلديْن، وأمس، قال وزير خارجية الأسد، وليد المعلم، إن "مصر لديها رغبة صادقة في تعزيز التعاون مع سوريا ودعم الاقتصاد السوري في مجالات متعددة ومختلفة". ربما تكون مصر قدمت هذا العرض، دون أن تنتبه أنها تبحث عمّن يدعم اقتصادها!

 ما كل هذا الأمان الذي يحاول أن يسوّقه الوفد المصري الذي ذهب إلى زيارة معرض دمشق الدولي؟

بدأ الفنانون المصريون استعراضيين إلى حد لم يستوعبه أحد، فعلى مقربة من المعرض هناك مئات الآلاف قتلوا أمام مدافع وتحت طائرات قوات الأسد، لم ينتبهوا لهيبة الموت، أو مصيبة الموقف الذي يقفون فيه، وتفرّغوا لالتقاط الصور، وصناعة البوظة، وتبادل "السيلفي"، وتبادل الكلمات والتذكارات مع نجاح العطار، نائبة الأسد، وأحمد حسون، مفتي سوريا، بقلب مفتوح؛ ما يشير إلى شيء ما ترتب له سوريا في علاقتها بالقاهرة.

اقرأ/ي أيضًا: أبو شاور وأبو خالد.. في القصر الجمهوري

أدى الوفد المصري ما عليه تمامًا، اجتهد في أن يثبت أن كل شيء على ما يرام، ولا أحد يكره الأسد في سوريا أو يهدّده، والحياة عادية إلى حد إقامة معرض فني دولي، وإعلان أن هناك برنامجًا خاصًا من رحلات سياحية داخل سوريا، ولذلك أكدت الفنانة الصاعدة، المغمورة، ندى بهجت في تصريح لوكالة "سانا" إن "زيارتها إلى سوريا ومشاركتها في معرض دمشق الدولي تثبت للعالم الخارجي أن الأمن والاستقرار عادا إلى سوريا".

 ما كل هذا الأمان الذي يحاول أن يسوّقه الوفد المصري؟!

انتقى مقدم الدعوة إلى الفنانين المصريين مجموعة تكره الربيع العربي، كان اختيارًا موفقًا بالنسبة له، فكلهم يعتقدون أن الثورات جاءت بفنانين جددًا وطريقة جديدة في الحياة، تسببت في محوهم من على الساحة، ولذلك فهم يكرهون الربيع العربي بشكل شخصي، فقالت ندى بسيوني الفنانة القادمة من عمق التاريخ، من التسعينات تحديدًا، إن "محنة الربيع العربي التي تعرضت لها دول عربية عديدة، منها مصر وسوريا، زادت من قوة ووحدة هذه البلدان، وما يجري الآن هو الربيع الحقيقي". التصريح يبدو كيدًا ضد الثورة!

تعتبر إلهام شاهين متعهدًا دائمًا لرحلات سوريا، فقد زارت دمشق في أيار/مايو الماضي، ولتسويق ما جاءت لأجله، وربما للحصول على فرصة سفر ثالثة، قالت إن "سوريا هي البلد الوحيد الذي أسافر إليها حتى لو لم تكن لي مشاركة فيها من باب السياحة ولقاء الأصدقاء، لأنها بلد العراقة والأصالة والقيمة والإنسانية".

صاحب النصيب الأكبر من الشتائم والسخرية والاتهامات بالدم كان محمد صبحي، المروّج الأول لأخلاق لا أحد يريدها أو يبحث عنها غيره، ثم شعر نفرٌ من محبيه إنه يناقضها بزيارته إلى سوريا، فهي زيارة على دم شهداء الثورة، مؤكدين إنه كان يجب عليه رفض الزيارة، لأن بها تأييدًا لنظام الأسد الإجرامي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

محمد صبحي الذي كنت أحبه

اقتل البغدادي وانكح إلهام شاهين