1. ثقافة
  2. مناقشات

معاناة مسرح الهواة.. كيف يخلق شباب الأقاليم مسرحهم رغم قلة الإمكانيات؟

13 أكتوبر 2025
gudmund-stenersen-christiania-theaters-salong-1899-oslo-museum
gudmund-stenersen-christiania-theaters-salong-1899-oslo-museum
سحر عزازي سحر عزازي

على مدار ثلاثة عقود، ظلَّ مسرح الهواة في مصر بمثابة الشريان الذي يُغذي الساحة الفنية بالمواهب الشابة من مختلف الأقاليم، ورغم هذا الدور الكبير الذي يلعبه لم تكن مسيرته سهلة، إذ يعاني من ضعف الإنتاج وقلة التمويل، مما يجبر فرقه على الإنتاج الذاتي للاستمرار. ويشير الباحث والشاعر مسعود شومان إلى أن هذا التحدّي هو جوهر قوة المسرح، فاستقلاليته عن الدعم الحكومي واعتماده على الجمعيات الثقافية هو ما يصنع تفرده، حيث أصبح منبعًا لإبداع شباب الأقاليم.

وأوضح شومان، أن الهيئة العامة لقصور الثقافة، تقوم عبر الإدارة المركزية للشؤون الثقافية، بتنظيم مهرجان سنوي تنافسي لاختيار أفضل العروض المسرحية المُقدَمة من هذه الجمعيات، والذي أسدل الستار منذ أيام عنه، مضيفًا: "يتقدم إلينا كل عام عددٌ كبير من العروض، وتُشكل لجان للمشاهدة تختار منها مجموعة تتنافس أمام لجنة تحكيم متخصصة".

ولفت إلى أن المهرجان في بداياته، لم يكن يحظى بأعدادٍ كبيرة، لكنّه اليوم أصبح يقف على قدم المساواة مع المهرجانات الكُبرى، رغم محدودية ميزانيته. ويترأسه فنانون كبار مثل الفنان رياض الخولي في دورته الأخيرة، كما يشارك في لجانه نخبة من كبار النقاد والمحكمين، كما شهدت تكريم عدد من كبار الفنانين: "طورنا المهرجان كثيرًا ليليق بالهواة، فالهواة بالنسبة لي هُم الفئة الأعلى، لأنهم لم يصلوا بعد إلى درجة الاحتراف الثابتة. لا يزال لديهم الأمل والحلم، ولديهم قدرة عالية على التجريب والإدهاش حتى اليوم. وهذا ما يميز المهرجان ويمنحه روحاً مختلفة."

تقول عبير رشيدي، مدير عام الجمعيات الثقافية، إن دعم الجمعيات الثقافية لفرق الهُواة بدأ عام 1996، بعدد أربعة عروض فقط كانت نواة لانطلاق الدورة الأولى من مهرجان فرق الهواة، ثم تواصلت الدورات حتى وصلت إلى الدورة الحادية والعشرين، لافتة إلى أن عدد العروض التي تقدمت للمشاركة في الدورة الأخيرة بلغ 35 عرضًا مسرحيًّا من إنتاج الجمعيات الثقافية، اخُتير منها 9 عروض بعد مشاهدتها من قبل لجان متخصصة.

المهرجان في بداياته، لم يكن يحظى بأعدادٍ كبيرة، لكنّه اليوم أصبح يقف على قدم المساواة مع المهرجانات الكُبرى، رغم محدودية ميزانيته

وأوضحت رشيدي أن العمل جارٍ حاليًا على تنظيم ورش مجانية في مجالات المسرح المختلفة مثل التأليف، والإخراج، والديكور، والتمثيل، والأغاني والأشعار، بهدف دعم الفرق وصقل مواهب أعضائها.

إنتاج محدود.. وطموح بلا سقف

ورغم زيادة الأعداد والورش والفعاليات، إلا أن مسرح الهواة لا يزال يعاني من تحديات كثيرة منها، ضعف الإمكانيات الإنتاجية والذي يمثل العقبة الأكبر أمام فرق الهواة بحسب عبير، إذ تُنتَج أعمالهم من خلال الجمعيات الأهلية بإمكانياتٍ محدودة. وتضيف: "مهرجان الهواة ينقصه أن يكون عربيًا، أي أن تشارك فيه جمعيات من خارج مصر، لأن ذلك سيعزز روح التنافس ويطور مستوى العروض بشكل كبير".

ويشاركها شومان، بعض التحديات التي تواجه فرق الهواة في مصر ، ومن أبرزها التمويل الذاتي للإنتاج. مضيفًا: "كان هناك توصية من لجنة التحكيم هذا العام بمساهمة الهيئة في دعم الإنتاج، لافتًا إلى رغبته في الحفاظ على هوية "المسرح الفقير" لهذه الفرق، لضمان استمرار حيويتها وقدرتها على التجريب.

وكشف عن خطة جديدة لـ "تدوير العروض الفائزة" في أكثر من محافظة، بهدف تعريف الجمهور بهذه المواهب الشابة، بعد أن كان عرضها يقتصر سابقًا على مقار جمعياتها فقط.

كما تحدث الناقد طارق عمار عن أبرز ملاحظاته النقدية حول مسرح الهواة قائلًا :"إن ضعف الإمكانيات الإنتاجية كان واضحًا في بعض العروض"، مشيرًا إلى ضرورة وضع لائحة صارمة تضمن أن تكون الأعمال المشاركة من إنتاج الجمعيات الأهلية فقط، لا من جهات إنتاج أخرى، موضحًا أن لجنة التحكيم نبّهت إلى هذه النقطة وطالبت بآلية واضحة للتحقق من تاريخ العروض السابقة واستبعاد أي عرض شارك في مهرجانات أخرى.

المطالبة بزيادة الدعم

وذكرت مديرة الجمعيات الثقافية، أن شروط المشاركة، تتضمن أن يكون جميع أعضاء الفريق منتمين لجمعية أهلية أو ثقافية مُشهرة، وأن يكون العرض من إنتاج الجمعية نفسها، وهو ما يجعل الإنتاج بسيطًا إلى حدٍ كبير. وأضافت: "هناك توصيات في الدورة الأخيرة بزيادة الدعم والجوائز لتحسين جودة الإنتاج ورفع مستوى العروض".

وأكدت رشيدي أن مسرح الهواة يلعب دورًا مهمًا في اكتشاف المواهب داخل الجمعيات الثقافية التي تقدم أعمالًا بسيطة الإنتاج لكنها تتيح الفرصة أمام المخرجين والجمهور للتعرف على طاقات جديدة. وتابعت: "بعض العروض تناقشها لجان نقد متخصصة توضح لمخرجيها وممثليها نقاط القوة والضعف، وغالبية جمهور المهرجان من الشباب المهتمين بالمسرح."

قضايا تمس المجتمع المصري

أما عن المستوى الفني، فأكد  "عمار"، أن العروض كانت متقاربة فنيًا، وأن الشباب قدموا أعمالًا تعبّر عن قضايا اجتماعية واقتصادية ونفسية تمس المجتمع المصري، مشيدًا بعدالة التحكيم واهتمام الهيئة بتحقيق تقييم منصف للجميع. وأضاف: "القيمة الحقيقية للمهرجان ليست في نتائجه، بل في استمراره ودعمه لحركة مسرح الهواة في مصر"، لافتًا إلى أن النشرة اليومية للمهرجان كانت أحد الجوانب المُضيئة، حيث ترأس تحريرها الناقد يسري حسان، وغطت العروض نقديًا وإخباريًا بشكل متميز، مع متابعة آراء الجمهور والمشاركين.

وأكد شومان، على أن المهرجان يخرّج كل عام فنانين ومبدعين في مختلف المجالات كالإخراج والتمثيل والسينوغرافيا، يجدون طريقهم لاحقاً إلى مسارح الدولة والاحتراف، مما يثبت الدور الحيوي الذي يلعبه مسرح الهواة في تجديد دماء الحركة المسرحية المصرية.

إقامة المهرجان على مسرح السامر أسهمت في جذب الجمهور، إذ لوحظ حضور متزايد للعائلات والشباب على مدار أيام الفعاليات

ولفتت عبير، إلى أن المهرجان تم استضافته في محافظات عدة مثل بورسعيد، الإسكندرية، دمياط، القاهرة، الجيزة، والفيوم، وتشارك فيه عروض من الأقصر وقنا وأسيوط والغربية والشرقية والسويس، مشيرة إلى أن نحو 200 جمعية ثقافية تتعامل معها الإدارة في مختلف المحافظات.

وفي ما يتعلق بتأثير قلة الدعم المادي على جودة العروض، أوضح شومان: "نحن لا نقدم دعمًا ماديًا مباشرًا، لكننا ندعمهم معنويًا من خلال الجوائز والظهور الإعلامي، مشيرًا إلى أن كل جمعية تعتمد على إمكانياتها الذاتية، ومع ذلك تقدم أعمالاً مبهرة.

وأضاف: "دعمنا أيضًا يتمثل في إتاحة المسارح ومنح الجوائز، والدعاية الكاملة عبر النشرة الإعلامية التي تجري لقاءات مع المخرجين والممثلين، وتستضيف نقادًا للكتابة عن العروض، ما يخلق وعيًا مسرحيًا لدى جميع عناصر العمل وأعتقد أن الدعم المعنوي في حالتنا لا يقل أهمية عن الدعم المادي".

الهواة وتجديد دماء الحركة المسرحية

فيما أشار عمار إلى إن إقامة المهرجان على مسرح السامر أسهمت في جذب الجمهور، إذ لوحظ حضور متزايد للعائلات والشباب على مدار أيام الفعاليات، ما يعكس حالة من الرواج الفني في محيط المهرجان، مؤكدًا على أهمية زيادة عدد العروض وقيمة الجوائز والدعم الإنتاجي في الدورات المقبلة، مع تثبيت موعد انعقاد المهرجان سنويًا، مضيفًا: "حركة الهواة في مصر هي الرافد الأساسي للمسرح المصري، فهي تخرج الممثلين والمخرجين والمؤلفين والنقاد ومهندسي الديكور الذين يشكلون مستقبل الحركة المسرحية"، ولفت أن الدورة الأخيرة كشفت عن ثلاثة أو أربعة مخرجين واعدين، إضافة إلى مؤلفين شباب قدموا نصوصهم الأولى ضمن المهرجان، وهو ما اعتبره مردودًا مهمًا ودليلًا على نجاح التجربة.

بينما اختتمت مديرة الجمعيات الثقافية حديثها قائلة، إن أغلب مشكلات شباب مسرح الهواة تتعلق برغبتهم في الظهور والتوجيه والتدريب بأسعار مناسبة تتيح لهم الفرصة لتطوير مهاراتهم واكتشاف مواهبهم للحفاظ على استمرار مسرح الهواة.

كلمات مفتاحية
سجن صيدنايا (شبكة تواصل اجتماعي)

من داخل سجن صيدنايا.. رحلة افتراضيّة في تاريخ القمع السوري

متحف وجولة افتراضية داخل سجن صيدنايا

الأديب زكي شعبان بأغطية الرأس (شبكات تواصل اجتماعي)

1925.. حين اشتعلت المعركة حول غطاء الرأس وهوية المواطن المصري الجديد

الشاعر إبراهيم رضوان والكاتب أحمد أبو دياب (شبكات تواصل اجتماعي)

غياب العدالة والشهرة: حكايات كتّاب الأقاليم في مواجهة مركزية القاهرة

كثيرٌ من كتاب الأقاليم يحملون موهبة كبيرة لكن تقابل هذه الموهبة شهرةٌ ضئيلة وفرص محدودة

حرب السودان
سياق متصل

السودان.. جدل المبادرة الرباعية وتحديات العمل الانساني في زمن الحرب

تشهد العاصمة الإدارية بورتسودان حراكًا مكثفًا، حيث استقبلت وفدًا من مسؤولي الأمم المتحدة من نيويورك، بالإضافة إلى وزير الخارجية المصري

فرقة رولينغ ستونز (شبكات تواصل اجتماعي)
نشرة ثقافية

بيع مقتنيات نادرة لفرقة رولينغ ستونز في مزاد علني

مزاد علني لمقتنيات فرقة رولينغ ستونز

العراق
سياق متصل

الانتخابات العراقية: ارتفاع المشاركة وبدء الفرز وسط ترقب للنتائج الأولية

تتوجه الأنظار في العراق نحو الإعلان المرتقب للنتائج الأولية للانتخابات البرلمانية التي أجريت يومي الاثنين والثلاثاء

معرض كايروكوميكس (الترا صوت)
فنون

قرن من الرسوم: مهرجان "كايروكوميكس" يعيد اكتشاف جذور الإبداع المصري

مهرجان "كايروكوميكس"