26-يونيو-2017

يشهد الجنوب السوري تصعيدًا عسكريًا بين مختلف الفصائل المسلحة (محمد أبازيد/ أ.ف.ب)

دخل جنوب سوريا مطلع الشهر الجاري، مرحلة جديدة على خط التصعيد العسكري بعد بدء قوات الأسد والميليشيات الأجنبية المدعومة من إيران، هجومًا عنيفًا في محاولة منها استعادة السيطرة على معبر "نصيب" الحدودي مع الأردن، في الوقت الذي أطلقت فيه فصائل المعارضة المتواجدة في ريف القنيطرة قرب هضبة الجولان السوري المحتلة، هجومًا معاكسًا على مدينة "البعث" في القنيطرة، ما سمح لها بالتقدم لعدد من النقاط الجديدة، في إطار معركة تحاول أن تخفف من التصعيد العسكري الذي تشهده بلدات درعا الخارجة عن نطاق سيطرة النظام السوري.

تشكيل غرفة عمليات "جيش محمد" في القنيطرة

بدأت فصائل المعارضة، بعد ظهر السبت الماضي، هجومًا مفاجئًا على مدينة "البعث" شمال القنيطرة بمركز المحافظة الإداري، من محوري الحميدية والصمدانية الغربية، تمكنت خلاله من كسر الخطوط الدفاعية الأولى والثانية، والسيطرة على مواقع تتمركز فيها قوات النظام، وعناصر تابعة لحزب الله اللبناني الذي يملك تواجدًا كبيرًا داخل المدينة منذ عام 2014.

شكلت فصائل المعارضة في القنيطرة غرفة عمليات "جيش محمد" لـ"تخفيف حدة التصعيد العسكري الذي تشهده مدينة درعا من قوات النظام"

وبعد التعتيم الإعلامي الذي رافق العملية التي بدأتها فصائل المعارضة، أعلن في وقت متأخر من مساء السبت الماضي، تشكيل غرفة عمليات "جيش محمد" في المدينة التي تضم فصائل هيئة تحرير الشام وجيش التوحيد وألوية الفرقان ولواء السبطين وجبهة ثوار سوريا.

اقرأ/ي أيضًا: "هيئة تحرير سوريا".. الفصائل المتشددة تتوحد 

وقالت فصائل المعارضة إنّ تشكيل غرفة عمليات جيش محمد، جاء للتخفيف من التصعيد العسكري الذي تشهده مدينة درعا، حيث يسعى النظام السوري للفصل بين ريفي درعا الشرقي والغربي، تمهيدًا لفرض حصار عليهما، والوصول لمعبر "نصيب" الحدودي مع الأردن الذي يتعرض خلال اليومين الماضيين لضربات جوية مكثفة من مقاتلات روسية وسورية.

ومنذ شباط/فبراير الماضي شنت فصائل المعارضة هجومًا معاكسًا على مواقع للنظام السوري، بهدف السيطرة على مدينة "درعا البلد"، منعًا من وصول النظام السوري لمعبر "نصيب" الحدودي. وتعد المعارك الدائرة في الجنوب السوري خرقًا واضحًا للمذكرة التي وقعتها الدول الضامنة حول مناطق تخفيف التصعيد في سوريا، كون الجنوب السوري مدرج ضمنها.

وفي تطور آخر، نفذ سلاح الجو الإسرائيلي غارة جوية على موقع للنظام السوري، قال إنها جاءت ردًا على سقوط عشرة قذائف في الجيب الذي تحتله إسرائيل من هضبة الجولان، مصدرها الأراضي السورية، مُضيفًا أن القذائف التي سقطت في المناطق الشمالية المحتلة ناجمة عن "معارك داخلية في سوريا"، في إشارة للعملية العسكرية التي بدأتها فصائل المعارضة من مناطق سيطرتها، بمحاذاة الخط الفاصل لهضبة الجولان المحتل.

روايات مختلفة للضربة الإسرائيلية

وتضاربت الروايات التي تحدثت عن الأسباب الكامنة خلف شن الغارة الجوية المعلن عنها السبت الماضي، ففي الوقت الذي قال فيه جيش الاحتلال الاسرائيلي، إنها جاءت ردًا على سقوط قذائف صاروخية داخل الأجزاء المحتلة لهضبة الجولان، مُسفرةً عن تدمير موقع عسكري ودبابتين تابعتين للنظام السوري؛ اعتبر النظام السوري أن الغارة جاءت في إطار "دعم إرهابيي جبهة فتح الشام (النصرة سابقًا)"، وأنّها استهدفت مرآب محافظة القنيطرة وإحدى الأبنية السكنية.

إلا أنّ مصدرًا عسكريًا روسيًا خالف الروايتين السابقتين بحديثه عن أن الغارة الجوية "التي أسفرت عن تدمير دبابتين ورشاش ثقيل"، استهدفت موقعًا لجبهة فتح الشام، كانت تنطلق منه القذائف، ما يثير التساؤل حول سبب الرواية الروسية، رغم تأكيد كافة وسائل الإعلام الغربية أن الغارة نفذت على مواقع تابعة للنظام السوري في المدينة!

اختلفت الروايات حول الضربة الإسرائيلية لسوريا، ما بين إن كانت ضد النظام أو دعمًا لجبهة النصرة أو ضد جبهة النصرة

وتعتبر الضربة الإسرائيلية الأخيرة من الضربات النادرة، كون تل أبيب منذ عام 2013، نفذت أكثر من 15 غارة جوية داخل الأراضي السورية استهدفت شحنات أسلحة متطورة متوجهة من سوريا لحزب الله اللبناني أو العكس، دون أن تنفذ أي عمليات عسكرية قد تكون في إطار دعم فصائل المعارضة خلال معاركها الدائرة ضد النظام السوري، والتي ارتفعت وتيرتها منذ عام 2012.

اقرأ/ي أيضًا: الأسد يستنجد بروسيا لحمايته من إسرائيل

لكن صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، نشرت في التاسع من شهر حزيران/يونيو الجاري، تقريرًا يتحدث عن تقديم إسرائيل الدعم لفصيل "فرسان الجولان"، وأنها أنشأت وحدة عسكرية للإشراف على دعم مجموعات معارضة في سوريا، تُموّلها ماليًا لدفع رواتب المقاتلين وشراء الأسلحة والذخائر. 

ونقلت الصحيفة عن أحد أعضاء الفصيل المذكور قوله، إنهم لم ينجحوا لو لم تقف إلى جانبهم إسرائيل. ومنذ عام 2013 قدمت إسرائيل العلاج لنحو ثلاثة آلاف بينهم مقاتلون من بعض فصائل "المعارضة" داخل الأراضي المحتلة، وفقًا لروايتها.

الجنوب السوري.. لعنة تسريبات المناطق الآمنة

خلال الشهر الجاري، أُثيرت العديد من الأحاديث، التي أُرجع معظمها لتسريبات مرتبطة بانعقاد اجتماع ثلاثي بين روسيا والأردن والولايات المتحدة، للاتفاق على إنشاء مناطق آمنة في مدينة درعا وريفها تمتد بعمق 30 كيلومتر من الحدود الأردنية، فيما تحدث تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال عن أن المحادثات السرية تهدف لإقامة منطقة تخفيف التصعيد جنوب غرب سوريا، وهو غالبًا السبب الذي دفع النظام السوري، مدعومًا بالميليشيات الأجنبية التي تتلقى أوامرها من طهران، بشن الهجوم الأخير على مدينة درعا، بسبب أحد بنود الاتفاق التي تطالب الميليشيات الأجنبية بالابتعاد عن الحدود. ومن المرجح أن تكون موسكو قد زودت دمشق وطهران بتفاصيل الاجتماعات الدائرة منذ أيار/مايو الماضي.

وفي شباط/فبراير الماضي كشف الأردن أنه عمل على التنسيق مع النظام السوري، فضلًا عن إجراء اجتماع بين ضباط من النظام السوري والأردن في العاصمة عمّان، قبل أن يتراجع عن موقفه عندما أعلن القائد العام للجيش الأردني، محمود فريحات، أن بلاده لن يكون لها أي تواجد عسكري في سوريا، حيثُ يشترك الأردن مع سوريا بطول حدود برية تتجاوز 370 كيلومتر.

من الممكن في حال نفذ اتفاق المناطق الآمنة في الجنوب السوري أن يؤخر المواجهة المحتملة بين واشنطن وطهران على الأراضي السورية

وبينما كان الأردن يتوجه للتنسيق مع موسكو ودمشق بهدف الدخول إلى جنوب سوريا، بعد تنفيذه ضربات جوية استهدفت مواقع لجيش خالد بن الوليد المبايع لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في منطقة "حوض اليرموك" غربي درعا، رغم أن الأردن عزل نفسه بنسبة كبيرة عن التدخل في الحرب السورية، عكس الدول المجاورة أو الإقليمية، ظهر أنه أعاد تقييم دوره العسكري، وقرر الالتزام بموقفه الداعم للإدارة الأمريكية، بخاصة بعد اللقاء الذي عقد بين العاهل الأردني عبد الله الثاني والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض، في 25 من شباط/ فبراير الماضي.

اقرأ/ي أيضًا: هل يقود الأردن تنسيق الاتصالات الأمريكية السورية؟

هذا واشتعلت جبهة الجنوب السوري مجددًا بعد محاولة النظام السوري، مدعومًا بإيران وروسيا، التقدم إلى مناطق المعارضة، ما يسمح له بحصار ريفي درعا الشرقي والغربي من ثلاث جهات بعد فصلهما عن بعضهما، الذي يشكل خطرًا على فصائل المعارضة المتواجدة في البادية السورية بسبب قربها من ريف السويداء الشرقي، ويقدم بالتالي فرصًة بالتمدد في عمق الجنوب السوري وصولًا للحدود الأردنية، والذي تخشى حدوثه واشنطن كونه يزيد من النفوذ الإيراني في سوريا.

ومن الممكن في حال نفذ اتفاق المناطق الآمنة في الجنوب السوري أن يؤخر المواجهة المحتملة بين واشنطن وطهران على الأراضي السورية، إلا أنه لن يدوم طويلًا بسبب عدم التزام إيران بالاتفاقيات السابقة المبرمة بين النظام والمعارضة من طرف، أو الدول الفاعلة عسكريًا في سوريا من طرف آخر، زيادة على استفزازها المستمر لفصائل المعارضة المدعومة من واشنطن، ويظهر أن الولايات المتحدة بحكم العلاقات القوية مع الأردن، تحاول أن تنشأ داخلها قاعدة عسكرية مؤلفة من عدة قوى إقليمية تحت عنوان إيقاف التمدد الإيراني في المنطقة.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

حرب البادية السورية.. ماراثون البوابات الحدودية

هل نشهد حربًا أمريكية على إيران قريبًا؟