29-يناير-2021

رجل يلقي بإشارة مرور على رجال الشرطة في أمستردام (رويترز)

منذ نهاية الأسبوع الماضي، تعرف هولندا احتجاجات واسعة النطاق، وأعمالَ شغب هي الأكثر دموية خلال العقود الأربعة الأخيرة من تاريخ البلاد، امتعاظًا من فرض حكومة البلاد حجرًا كاملًا، كإجراء صحيّ للحد من عدوى السلالة الإنجليزية المتحوّرة لـ19-COVID. آخذة في بدايتها شكلًا سلميًا، سرعان ما صعدت هذه الاحتجاجات من عنفها، متحولة إلى مواجهات مفتوحة مع رجال الشرطة، التي استعملت الأحصنة والكلاب، والغاز المسيل للدموع ومدافع الماء لتفريق المتظاهرين الذين ردوا بدورهم برشق الشرطة بالمفرقعات، وتخريب واجهات المتاجر وحرق السيارات تعبيرًا عن غضبهم، بل وحرق مركز لإجراء تحاليل كورونا.

منذ نهاية الأسبوع الماضي، تعرف هولندا احتجاجات واسعة النطاق، وأعمالَ شغب هي الأكثر دموية خلال العقود الأربعة الأخيرة من تاريخ البلاد

في تقريرٍ لشبكة DW الألمانية، تقول ديان فان غاميرن، رئيسة شرطة مدينة سيرتوخيمبوس جنوب البلاد، بأن ما جرى "لا يتعلّق بحق التظاهرِ السلمي"، وليس إلا "أعمال إجرامية يقودها أشخاص بهدف إثارة العنف!". من جهة أخرى، اختار  عمدة مدينة روتردام، أحمد أبوطالب، أن يوجه رسالته لـ "آباء وأمهات الشباب المتظاهر"، داعيًا إياهم إلى الابقاء على أبنائهم في البيت "لسلامتهم"، كما وصف المتظاهرين بـ "اللصوص عديمي الحياء"، هذا قبل أن يوقع مرسومًا يسمح للشرطة باعتقال كل من خرق قانون حظر التجوال داخل تراب المدينة. كما أدان رئيسُ الوزراء الهولندي، مارك روت، ما أسماه "هجوم المتظاهرين على رجال الشرطة"، معتبرًا الأمر "غير مقبول!".

اقرأ/ي أيضًا: كورونا من منظور أوروبي.. أسئلة الوحدة والتفكك

لكن سوى التنديد واستعطاف المحتجين لتجنب المواجهة، أو حتى اعتقالهم وتغريمهم، لم تكن هذه الاحتجاجات رهينة فقط قرار الحجر الأخير، يقول تقرير آخر لموقع EuroNews، بل لها "علاقة وضطيدة بانعدام الثقة في الحكومة والكراهية إزاءها، وإزاء كل المؤسسات الدستورية. هذه اللا ثقة والكراهية تمت تغديتها طوال السنوات الأخيرة بشتى أنواع الحقد والغضب والتجارب السيئة. لهذا وعندما يجتمع كل هذه الأمور في لحظة واحدة، فما علينا إلا انتظار الأسوأ الذي يتمدد ويتوسع بسرعة الضوء".

وعلى ضوء هذا القول يجد هذا العنف تفسيرًا، كما تبين الرسائل المروجة داخلَ مجموعات المحادثات الداعية إلى التظاهر، مستوى هذا التحضير القبلي والإصرار  على المواجهة العنيفة من قبل المحتجين، إذ تقول إحدى هذه الرسائل: "احملوا معكم أقصى ما يمكنكم من المفرقعات، البنزين أو أي شيء حارق، أخبروا أصدقاءكم أننا نازلون لتدمير هذا الحجر! مهمتنا اليوم هي أن نسحقَ الشرطة!".

يورد تقرير EuroNews كذلك أن عددًا من المتظاهرين كانوا "متطرفين من اليمين الشعبوي، إضافة إلى مشاغبين ومنكرين حقيقة 19-COVID"، هذا ما تؤكده أيضا مراسلة قناة الجزيرة بأمستردام، متحدثة عن وجود "دعاة نظرية المؤامرة المرتبطين باليمين المتطرف وجماعة QAnon". أحدهم كان ويلم إنجل، صاحب أكبر صفحة هولندية مروجة لخطاب إنكار كورونا ونشر نظرية المؤامرة حولها، الذي صرح لجريدة لوموند الفرنسية، أن ما حصل كان "احتجاجًا سلميا ضد الحكومة"، معتبرا قرار الحجر "تحركًا مفتعلًا لفرض قانون الطوارئ"، داعيًا إلى ما أسماه "الثورة السلمية" والاحتجاج كذلك يوم السبت.

"العنف الذي انتشر داخل الأراضي الهولندية يظهر أن خلفه سياسيين يحركونه من أجل تنفيذ أجنداتهم مستغلين الأزمة الحاصلة"، يقول مقال لـ World PoliticsReview، مشيرًا بالإصبع إلى سياسيي اليمين الهولندي واليمين المتطرف، فـ "هما معًا يحاولان حصد المكسب السياسي على حساب الحالة الوبائية بالبلاد". هؤلاء الذين انتقدوا أي إجراء طرح للحد من تفشي الوباء، يقول المقال، سعيًا  إلى " توسيع حضوهم بين المشككين في الوباء والمنتقدين للإجراءات التي اتخدت إزاءه". فيما يبقى أخطر من انضم كذلك لجماعة المنتقدين تلك، أتباع جماعة بيغيدا اليمينية المتطرفة، أو جماعة "الأوروبيين الوطنيين ضد أسلمة الغرب" إذا ما ترجمنا اسمها إلى العربية.

بيغيدا ذاتها، كانت طوال العام الماضي أحد منظمي الاحتجاجات ضد الإجراءات الصحية في ألمانيا، والتي سرعان ما كانت تستغلها في رفع شعارات ضد المهاجرين والتحريض على معاداة المسلمين. كما كانت في جناح المسؤولين عن كل أعمال العنف التي تخللت تلك الاحتجاجات، وصولا إلى اقتحام مبنى "الرايخستاغ" (البرلمان الألماني) ذات آب/أغسطس الماضي، حيث "اقتحم نازيون بأعلام الحرب الإمبراطورية (البروسية) مبنى البرلمان"، كما وصف ذلك وقتها زعيم الخضر الألماني، روبرت هابيك، معلقًا بأن "ذلك ذكرنا بإحدى أحلك فترات تاريخ بلادنا"، في إحالة إلى صعود النازية إثر حادث إحراق ذات المبنى سنة 1933. فيما يبقى اختراق هذا النوع من الاحتجاجات والتعبئة لها، مستغلة الحالة الوبائية لـ 19-COVID، الاستراتيجية الجديدة التي تتبعها بيغيدا، ومثيلاتها من المجموعات والأحزاب اليمينية المتطرفة على طول التراب الأوروبي، لـ " تعبئة صفوفهم وتحسين موقعهم بالنسبة للشعب، كما إضعاف نظرائهم اللبراليين في الحكم الذين، وحسب اعتبارهم، فشلوا في مهمة حماية هذا الشعب"، حسب مقال لعالم الاجتماع الألماني ماتياس كوينت.

كانت بيغدا طوال العام الماضي أحد منظمي الاحتجاجات ضد الإجراءات الصحية في ألمانيا، والتي سرعان ما كانت تستغلها في رفع شعارات ضد المهاجرين والتحريض على معاداة المسلمين

من جهة أخرى، يربط مقال World PoliticsReview الآنف ذكره بين بيغيدا والنظام الروسي، الذي وبأداته الإعلامية؛ قناة روسيا اليوم وكل المنصات التابعة لها، يغطي بشكل دائم أخبار الحركة ويروج لأفكارها. هذا القول يجد دليلًا عليه في وثائق رسمية للاتحاد الأوروبي، نشرت ذات آذار/مارس السنة الماضية، يتهم الاتحاد فيها موسكو بـ "نشرها أخبارًا زائفة وإطلاقها حملة تضليل إعلامية واسعة ضد الغرب، لخلق حالة من الهلع والانفلات الأمنيبين لدى مواطني الاتحاد"، بهدف " زعزعة استقرار الاتحاد وإفشال جهوده لاحتواء الجائحة الوبائية".  وهي الادعاءات التي نفاها الكريملين فيما بعد، متبرئًا من أي علاقة تربطه بالقضية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 اتحاد أوروبي بلا أوروبيين.. كورونا والقوميّة المتخيّلة

صعود المقتصدين وإطاليكسيت.. أسئلة أوروبية لما بعد خطة "الإنعاش"