27-ديسمبر-2019

نساء عاملات في الغزل والنسيج والتطريز بأخميم (أحمد دريم)

كغيرها من المدن المصرية التي لم تعد تحظَى بالشهرة الكافية، يبقى لمدينة أخميم حكايتها التي تجعلها راقدة في عين التاريخ المصري.

على بساطتها الريفية، تتصل مدينة أخميم بالتاريخ بوصال الأثر والطبيعة البكر التي لم تمسسها يد الحداثة إلا على استحياء

تقع أخميم على الجانب الشرقي من نهر النيل، على مسافة 12 كم من مدينة سوهاج بصعيد مصر. وهي من المدن التي حافظت بدرجة كبيرة على اسمها القديم، وإن مع بعض التعديل المتعلق باللهجة والنطق.

اقرأ/ي أيضًا: الإسكندرية.. "مدينة الرب" في سوق نخاسة رأس المال

حافظ اسم المدينة على تجاور حرفي الخاء والميم على مر العصور، من المصريين القدماء إلى الرومان فالأقباط نهاية بالعرب، حيث ذكرها أبو عبدالله محمد الإدريسي في كتابه "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق"، فقال: "أخميم". وسماها المصريون "خنتي من" و"خن من" و"خمين" و"خمو خنيم".

وعلى بساطتها الريفية، تتصل المدينة بالتاريخ بوصال الأثر والطبيعة البكر التي لم تمسسها يد الحداثة إلا على استحياء، وبالمهن اليدوية التقليدية، خاصة الغزل والنسيج.

أخميم.. مانشستر ما قبل التاريخ

في أحد كتب التاريخ التي وثقت تاريخ العمال حول العالم حتى عام 2000، سُميت مدينة أخميم بـ"مانشستر ما قبل التاريخ"، نسبة إلى شهرة مدينة مانشستر البريطانية في صناعة النسيج حديثًا، في حين عرفته أخميم منذ القدم. وحتى نسيج مانشستر البريطانية، كان يعتمد على الغزل المستورد من أخميم منذ النصف الثاني من القرن الـ19.

مطرزات مدينة أخميم

وعلى مر العصور عُرفت أخميم بالغزل والنسيج والتطريز، فنسجت لمصر الفرعونية والرومانية والقبطية والعربية، ولمصر الجمهورية، قبل أن تبدأ الصناعة بالاضمحلال وتدخل ركودًا تقاومه أيادٍ متفردة.

وارتبط فن الغزل والتطريز في أخميم منذ القدم بتصوير مشاهد إنسانية وحياتية، فصورت منسوجات المدينة الطيورَ والحيوانات والنباتات وأحوال الإنسان، وكذا الآلهة والقديسين وأساطيرهم والملوك ومواكبهم. 

وخلال ما بين مصر الفرعونية والرومانية، مزجت المصورات على منسوجات أخميم بين الآلهة المصرية القديمة والآلهة الرومانية، مثل الإله إيروس والإله فينوس. كما ظهرت أيقونات فن العصر الهيليني على منسوجات أخميم. وفي مصر القبطية، ظهرت المصورات والزخارف المسيحية البحتة، مثل الصليب والسمكة وصور القديسين والقديسات.

مطرزات أخميم

ووثقت منسوجات أخميم أيضًا تأثير الثقافات المجاورة، فظهر أثر الفن الساساني الفارسي في مصورات منسوجاتها التي ترجع تحديدًا للقرن الخامس الميلادي.

كسوة الكعبة من أخميم

في كتابه "الأنامل الذهبية" يرصد عز الدين نجيب، كيف أن شهرة أخميم في الغزل والنسيج، أهلتها لغزل ونسج وتطريز الستائر والعباءات الملكية، وصولًا لنسج وتطريز كسوة الكعبة وأربطتها.

مطرزات أخميم

وعلى مدار مئات السنين ظلت الكعبة تُكسى من نسج أخميم، حتى تأسس مركز مخصص لكسوة الكعبة في منطقة الجمالية بالقاهرة في عصر محمد علي، عرف بـ"دار الكسوة"، والذي سحب البساط من تحت أخميم، قبل أن ينتقل نسج كسوة الكعبة إلى السعودية.

انحسار صنعة آلاف السنين

في العقود الأخيرة، بدأت صنعة آلاف السنين التي اشتهرت بها أخميم، في الانحسار، ولم تتبقَ إلا أماكن قليلة جدًا محافظة صنعة النسج والتطريز، أبرزها معمل إلى جوار معبد ميرت آمون، تملكه مجموعة من ورثة المهنة منذ فجر التاريخ.

مطرزات مدينة أخميم

بالإضافة إلى مكان آخر، هو جمعية الصعيد للتنمية والتراث، المعنية بالحفاظ على هذا التراث الإنساني الإنتاجي، من خلال دعم العاملين والعاملات في النسج والتطريز بأخميم، وإقامة المعارض لمنتجاتهم.

تحكي أخميم تاريخ مصر، أو بالأحرى تاريخ الإنسان، من صعود إلى أفول، صعود من فجر التاريخ، وأفول تورطت فيه الحداثة

حرفيًا، تحكي أخميم تاريخ مصر، أو بالأحرى تاريخ الإنسان، من صعود إلى أفول، صعود من فجر التاريخ، وأفول تورطت فيه الحداثة، ومساعٍ لانتشاله من الضياع بوعي قديم بأهمية كل ما يمكن أن يوثق للهوية الإنسانية في وجه التنميط والاستهلاك.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أعراف الحياة والموت لدى التقليد النوبي في مصر

"فنون الوداع".. للفراق أغانٍ باقية في صعيد مصر

دلالات: