16-سبتمبر-2017

مقاتلون في إدلب (أرشيفية/Getty)

أمس الجمعة، اختُتمت في العاصمة الكازاخية أستانا، الجولة السادسة من المباحثات المنعقدة بين كيانات المعارضة السياسية والعسكرية من جهة، والنظام السوري من جهة مقابلة، برعاية روسية تركية إيرانية، حيثُ اتفقت الدول الثلاث بعد خلافات سابقة، على نشر قوات مشتركة في المنطقة الأمنية في محافظة إدلب، في خطوة تشير لاقتراب عمل عسكري ضد هيئة تحرير الشام (هتش) التي تسيطر على النسبة الأعظم من الشمال السوري.

نص البيان الختامي لمباحثات أستانا على نشر قوات مكافحة تصعيد مشتركة بشكل مؤقت في محافظة إدلب التي تسيطر عليها هتش

إرسال قوات مكافحة التصعيد إلى إدلب

بعد مباحثات استمرت ليومين، أعربت الدول الثلاث في بيانها الختامي عن ارتياحها لما وصفته بـ"التقدم المحرز" في تنفيذ مذكرة إنشاء مناطق التصعيد في سوريا، التي وقعوا عليها في أيار/مايو الماضي، معتبرًة إياها "تدبيرًا مؤقت" لفترة ستة أشهر، على أن تمدد تلقائيًا على أساس توافق الدول الضامنة لها، مجددًة تأكيدها على محاربة هتش وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وكافة الجماعات والأفراد المرتبطة بتنظيم القاعدة.

اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: المشهد السوري بعد أستانا

وبعد خلاف في الجولة السابقة حول النقطة المرتبطة بمحافظة إدلب التي باتت تسيطر عليها هتش بشكل كبير، نص البيان الختامي على نشر قوات مكافحة التصعيد "على أساس مؤقت" في محافظة إدلب، وبعض أجزاء المقاطعات المجاورة، كاللاذقية ومحافظتي حماة وحلب، حيثُ تشترك إدلب بحدود إدارية مع المحافظات الثلاث الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، فيما قالت الخارجية التركية، إن أنقرة لعبت دورًا في النقطة المرتبطة بمنطقة إدلب، "بصفتها ضامنة للمعارضة، مع الأخذ بالحسبان مقاربة ومواقف فصائل المعارضة على الأرض".

وشهدت الأشهر الماضية إبرام اتفاقيات وقف لإطلاق النار في أكثر من منطقة اتفق عليها في مباحثات أستانا، ففي تموز/يوليو الماضي، اتفقت الولايات المتحدة وورسيا والأردن على وقف لإطلاق النار جنوب سوريا، ألحقتها مصر برعايتها لاتفاقين مماثلين بين وزارة الدفاع الروسية والمعارضة السورية المسلحة في منطقة الغوطة الشرقية بريف دمشق وريف حمص الشمالي.

وُيلحظ في الاتفاقيات السابقة، أنها جاءت بالاتفاق مع دولتين لم تكونا حاضرتين في الاجتماعات الأولى لمباحثات أستانا، التي بدأت مع بداية العام الجاري، وجاءت دعوتهما بناءً على توافق روسي أمريكي قبل أن ينشب التوتر الدبلوماسي بينهما، كما أن حيّ جوبر الدمشقي، والبلدات المتاخمة له في منطقة الغوطة الشرقية، تتعرضان لهجمات صاروخية عنيفة لم تهدأ منذ توقيع الاتفاقية، رغم أن المنطقة مدرجة في الأساس ضمن مذكرة تخفيف التصعيد، وهي خاضعة لنفوذ فيلق الرحمن المنضوي ضمن مكونات الجيش السوري الحر.

أبرز التطورات التي استبقت موعد المباحثات

واستبقت موعد المباحثات الأخيرة، تطورات عديدة حلت بالخارطة العسكرية على جميع المستويات، إذ أحكمت هتش سيطرتها بشكل شبه كامل على محافظة إدلب، وكذا المعابر الحدودية مع تركيا، بعد معاركها الأخيرة مع حركة أحرار الشام الإسلامية، برفقة تغييرات ضربت في البنية التنظيمية لهتش ذاتها بإعلان حركة نور الدين الزنكي، ولاحقًا جيش الأحرار، الانشقاق عنها، وبينهما جاءت استقالة عبدالله المحيسني ومصلح العلياني، أبرز شرعييها من مجلس شورتها.

وطرأ تبدل جديد على القوى الداعمة لمسار المفاوضات الحالية، بدخول حركة أحرار الشام على خطها، فقد نشر القائد العام للحركة حسن صوفان، تغريدة على حسابه بتويتر، قال فيها، إنهم "سيكافحون على طاولة المفاوضات لتحصيل الحقوق ودفع المفاسد وكلنا شركاء مع جميع الثوار في حمل الأمانة"، ما يظهر أن الحركة قد تكون انخرطت مؤخرًا في مباحثات أستانا بعد أن رفضت سابقًا مشاركتها بها.

 

شهدت سوريا تطورات عديدة سبقت مباحثات أستانا الأخيرة، أبرزها سيطرة هتش على إدلب والنظام السوري على الشريط الحدودي مع لبنان

ولم يغب جنوب سوريا عن التطورات العسكرية، بعدما كشفت مصادر أردنية، عن أن غرفة "الموك" التي تقودها واشنطن وعَمَّان طلبت من فصائل المعارضة المتواجدة في البادية السورية، انسحابها إلى داخل الأراضي الأردنية، بعد شهرين تقريبًا من إيقاف وكالة الاستخبارات الأمريكية برنامج دعم المعارضة السورية المسلحة، من بينها فصائل غرفة "الموك".

اقرأ/ي أيضًا: تغييرات هيكلية في قيادة أحرار الشام.. هل تنجح في تفادي الانهيار؟

ونص اتفاق وقف إطلاق النار بجنوب سوريا، على ابتعاد المليشيات الإيرانية 40 كيلومتر عن الحدود الأردنية، ما يعزز فرضية وجود اتفاق بين الأطراف على تحجيم دور فصائل المعارضة في البادية السورية على المثلث الحدودي مع الأردن والعراق، مقابل ضمانة روسية لالتزام النظام السوري وإيران بوقف إطلاق النار في المنطقة، رغم مساعي النظام السوري الحثيثة لاستعادة السيطرة على كافة الشريط الحدودي مع الأردن.

ما مصير إدلب بعد محادثات أستانا الأخيرة؟

وتصدّرت محافظة إدلب جدول مباحثات أستانا الأخيرة، غير أنها لم تكن محصورة بين الدول الراعية لاتفاق وقف التصعيد، إنما امتدت لتشمل تنظيم القاعدة، بعد أن دعا حمزة بن لادن نجل مؤسس التنظيم أسامة بن لادن، "المسلمين في أندونيسيا والمغرب الإسلامي، لدعم أهل الشام"، مشددًا في رسالة صوتية، على أنه "يجب أن تكون قضية الشام قضية الأمة كلها".

وهذه أول مرة يدعو فيها بن لادن الابن، لنجدة تحرير الشام منذ إعلان جبهة النصرة تبديل اسمها لجبهة فتح الشام وفك ارتباطها بتنظيم القاعدة، ما يدل على متابعة القاعدة للتطورات التي تشهدها محافظة إدلب، والانشقاقات التي عصفت بهتش مؤخرًا بخسارتها أكبر فصيلين بين مكوناتها. وتُشكل الرسالة الأخيرة دعمًا معنويًا لهتش يظهر فيها عدم تخلي القاعدة عن تقديم الدعم لها، وأن النصرة في الأساس كان انفصالها عن القاعدة شكليًا.

ويشير اتفاق أستانا الأخيرة لترجيح كفة شن عملية عسكرية مشتركة في شمال سوريا ضد مواقع نفوذ هتش، بناءً على ثلاثة أسباب، أولهما رفض هتش نفسها لمقررات "أستانا 6"، إذ اعتبر عماد الدين مجاهد في تصريح صحفي على قناته في تطبيق تليغرام، أن من حضروا الاجتماع "غير مفوضين بذلك"، مُضيفًا أنّ روسيا "نجحت في سحب الدول الداعمة للثورة والتي سحبت بدورها الفصائل إلى المربع الذي يحفظ بقاء الأسد فيما سيتم مقاتلة كل من يرفض وجوده".

أما ثاني الأسباب فيأتي من جانب تبني الحكومة السورية المؤقتة مبادرة المجلس الإسلامي، بإعلانها تشكيل وزارة دفاع للمعارضة تحت إشرافها، والذي أيده غالبية الفصائل السورية. ويدُل تصريح مجاهد الأخير بشكل غير مباشر، على دور أنقرة في تقديمها دعمًا لفصائل المعارضة لشن هجوم محتمل ضد هتش في الشمال السوري، ويعزز ذلك توحد فصائل المعارضة في المنطقة تحت لواء الحكومة المؤقتة لكسب دعم دولي يمكنها من المحافظة على مكاسبها في الشمال.

بعد اتفاق أستانا الأخير، يرجح أن يشهد شمال سوريا شن عملية عسكرية مشتركة ضد مواقع نفوذ هيئة تحرير الشام

وأخيرًا فإن السبب الثالث، يكمن في هتش نفسها التي شهدت انشقاقات في صفوفها بعد أن ظنت نفسها محصنة من مثل هذه التصرفات، لكن الأمر يعطي مدلولًا على أن هذه الفصائل تريد أن تنأى بنفسها عن الاقتتال مع باقي الفصائل المدعومة من أنقرة، والتسريبات الأخيرة كشفت جانبًا مهمًا من سيطرة مجموعة محددة من الأشخاص على مفاصل القرار في الجماعة، فضلًا على وجود تقارير تقول إن شرعيين في هتش دعوا في خطب الجمعة لمحاربة القوات التركية في حال دخلت الأراضي السورية.

وأمام هذه المعطيات يبدو أن مؤتمر أستانا الأخير استطاع أن يتوصل لتوافق يمكن وصفه بـ"المبدئي"، إزاء آخر التطورات الميدانية في الشمال السوري، وفي نفس الوقت حيدت بشكل مباشر أي دور مستقبلي لواشنطن فيها، لكن ذلك يبقى مجرد تكهنات حول المصير الذي ينتظر محافظة إدلب، وحجم الرد من قبل هتش في حال تعرضها لهجوم محتمل، والذي ستحدده الأيام القادمة بعد أن تثبت الدول الضامنة قواتها في الحدود المرسومة على خارطة مناطق تخفيف التصعيد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بعد حربهم ضد الفصائل الأخرى.. عسكريو "هتش" يتآمرون على مجلس شورى الهيئة

مفاوضات الأستانا..ضغوط روسية ومناورات إيرانية