تعدّ التعبئة الجزئية التي أعلنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخرًا هي الأولى من نوعها بعد الحرب العالمية الثانية، وجاء قرار التعبئة بعد الانتكاسة التي عرفتها القوات الروسية في أوكرانيا ما اضطر المسؤولين الروس إلى اتخاذ هذا القرار.
التعبئة الجزئية، مصطلح يشير في التقاليد العسكرية الروسية، إلى توقيت استدعاء "مجموعات معينة محدودة، سبق لها أن تلقت تدريبًا عسكريًا، للخدمة في القوات المسلحة"
مصطلح التعبئة الجزئية من المصطلحات المركزية في العلوم العسكرية، إلى جانب مصطلحات أخرى مركزية في هذا المجال وفي مجال الجيوبوليتيكا بشكل عام التي تعتبر "علمًا عسكريًا" ومركزيًا في منظور القوى الدولية ذات الطموح التوسعي، حيث تحتل الجيوبوليتيكا مكانة بارزة في العقيدة السياسية الروسية. ويعتبر ألكسندر دوغين الذي يعد أحد أهم منظريها حاليًا، من المفكرين المؤثرين في بوتين ومن الداعمين النشطين لحرب روسيا على أوكرانيا من منطلق إيمانه بالأوراسيا أو العالم الروسي مقابل العالم الأطلسي الذي تمثله القوى الغربية الداعمة لأوكرانيا بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.
فيما يلي نستعرض أهم المصطلحات التي تجب معرفتها بعد قرار التعبئة الجزئية للجيش في روسيا.
تعبئة الجيش
تتكون الجيوش في كثير من الدول من جيش عامل مباشر وجيش احتياط، ومن هذا المنطلق يقصد بتعبئة الجيش تعبئة جميع عناصره العاملة والاحتياطية، ويتم اللجوء إلى تعبئة الجيش عادة في أوقات الطوارئ وحالة الحرب وتهديد الأمن القومي والكوارث الطبيعية، وتستمر التعبئة طيلة الفترة الاستثنائية. وتعلن حالة التعبئة في معظم الدول من طرف رئيس الدولة وتقتضي تنشيطًا كاملًا للقوات المسلحة.
التعبئة الجزئية
التعبئة الجزئية، مصطلح يشير في التقاليد العسكرية الروسية، حسب ما تشير صحيفة واشنطن بوست، إلى توقيت استدعاء "مجموعات معينة محدودة، سبق لها أن تلقت تدريبًا عسكريًا، للخدمة في القوات المسلحة الروسية"، وهو بذلك يختلف عن التعبئة العامة أو الشاملة، التي قد تقود إلى التجنيد من عامة الشعب، وإلى إعادة تركيز الاقتصاد بأكمله، ووضع البلد بشكل كامل في طريق حرب، وبالتالي إيقاف الوضع الطبيعي للحياة اليومية.
وفي العادة لا تزيد مدة التعبئة الجزئية عن 24 شهرًا، وبموجب قرار الكريملن الأخير، فقد تم فقط حسب وزارة الدفاع الروسية استدعاء 300 ألف جندي من قوات الاحتياط التي يصل قوامها في روسيا إلى 25 مليون جندي حسب بيانات وزارة الدفاع الروسية.
وبالنظر للتشريعات الروسية المعمول بها، فإنه يمكن استدعاء جنود قوات الاحتياط ممّن تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عامًا، سواء كانوا رجالًا أو نساء.
الاتحاد الروسي
مصطلح يشير إلى الكيان الفدرالي القائم في روسيا والمكون من 85 وحدة فدرالية بينها 22 جمهورية، بإضافة جمهورية القرم التي ضمتها روسيا من أوكرانيا والتي ظل الاعتراف الدولي بها محدودًا. يشار إلى أن معظم الجمهوريات في روسيا تشكل مناطق إثنيات غير روسية، ويسمح الدستور الروسي الذي يحتل هرم القوانين في الجمهوريات الروسية لتلك الجمهوريات المنضوية في الاتحاد الروسي بشكل من الاستقلالية لناحية لغة التعليم والعلم والنشيد الوطني، بخلاف الحالة في الفيدراليات دون الجمهورية.
ودخلت روسيا حروبًا من أجل عدم انفصال العديد من الجمهوريات الموجودة حاليًا فيها على غرار حرب الشيشان نهاية تسعينات القرن الماضي، في ظل حكم يلتسن وبداية حكم بوتين 2000، الذي استطاع إخضاع العديد من حركات التمرد، وأعاد الجمهوريات المتمردة إلى السيادة الروسية. فحالة الانكفاء التي ميزت روسيا بعد تفكيك الاتحاد السوفييتي واستقلال العديد من الدول التي كانت ضمنه استحالت إلى نقيضها في ظل روسيا بوتين الحالمة باستعادة أمجاد الاتحاد السوفييتي والتوسع في محيطها الجيواستراتيجي. وهذا ما تعبر عنه بشكل صريح ما تسمى نزعة الأوراسيا أو العالم الروسي التي يعد ألكسندر دوغين أحد منظريها الرئيسيين في روسيا.
الأوراسيا.. القوة البرية أو العالم الروسي
ينطلق هذا التصور للجغرافيا السياسية من فكرة مفادها أن معركة الروس من أجل السيادة على العالم لم تنته بعد، حسب ألكسندر دوغين، كما ينطلق هذا التصور من تطلع يتمثل، حسب المنظرين للأوراسيا، في الخروج من دائرة القطب الواحد الذي آل إليه العالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والبحث عن الطريق التي يمكن أن تؤدي إلى ذلك. فالقوتان اللتان خاضتا الصراع على مدى القرن العشرين هما روسيا، الأوراسيا "القوة البرية" والعالم الغربي الذي يسميه بـ"الأطلسي" القوة البحرية. ولن يكون هذا الأمر ممكنًا إلا بوحدة القوى الأوراسية، وهي القوى المشكلة تاريخيًا للإمبراطورية الروسية. وكما تشير لفظة أوراسيا، فهي كتلة جغرافية تمتد على آلاف الكيلومترات تضم أراضي من أوروبا وأخرى من آسيا، وتقدر الكتلة السكانية فيها بحوالي 350 مليون نسمة.
الاتحاد الروسي مصطلح يشير إلى الكيان الفدرالي القائم في روسيا والمكون من 85 وحدة فدرالية بينها 22 جمهورية، بإضافة جمهورية القرم التي ضمتها روسيا من أوكرانيا
المجال الحيوي لروسيا
يعتبر هذا المصطلح محوريًا في تفسير سلوك روسيا مؤخرًا، وسلوك معظم القوى الدولية، لأنه يحدد، في التخطيط السياسي والاستراتيجي، مجال المصالح والنفوذ الذي تطمح دولة ما إلى التسيّد وتحقيق المركزية فيه. وهي مستعدّة، في إطار صراعها مع القوى الأخرى إلى خوض حروب من أجله. ومن هذا المنطلق يجادل البعض بأن حرب روسيا على أوكرانيا جاءت نتيجة هذا التفكير في المجال الحيوي أو نطاق المصالح الرئيسية لها.
فانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي يعد تهديدًا للأمن القومي الروسي ووجود حلف الناتو على أبواب روسيا، وهو الحلف الذي تعتبره روسيا عدوًا لها. بخلاف فكرة العالم الروسي أو الأوراسيا التي يمكن وصفها بالفكرة الفضفاضة الممتدة على نطاق جغرافي شاسع، فإن المجال الحيوي يعدّ أكثر خصوصية وقربًا وتحديدًا من الناحية الجغرافية.
