22-مايو-2016

فاروق سيورات/ تريكا

هناك نكتة ساخرة عن الحكم تقول إن من لم يحكم دولة عربية لم يذق معنى أن يكون حاكمًا، على اعتبار أن العربي بطبيعته ينظر إلى الحاكم نظرة خاصة جدًا، مهما كانت درجة عدله أو ظلمه وأيًا كان الموقع أو المقام الذي يريد من رعيته أن تضعه فيه، حتى لو كان مقام الألوهية.

لم يكن لفكرة الحاكم القَدَري أن تكتسب شعبيتها من دون وجود فقهاء ووجهاء يلقّمون الشعوب بها 

في الحقيقة، لا تبتعد النكتة كثيرًا عن الواقع التاريخي للمنطقة العربية منذ نشأة فكرة الدولة، والذي تخلّلته فترات وشخصيات قلبت مفهوم الحاكم كفرد ليس له أفضلية على باقي أفراد الرعية "إني ولّيت عليكم ولست بخيركم" إلى مفهوم مرتبط بـ"قدرية الحكم" "لا أخلع قميصًا أكسانيه الله"، أو "قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء"، التي ردّ بها يزيد بن معاوية على سائليه حين استغربوا قوله أن الحسين بن علي خير منه أبًا وأمًا وجدًا.

اقرأ/ي أيضًا: عمائم ومكائد

ولكن فكرة الحاكم القَدَري لم تكن لها أن تكتسب شعبيتها لمجرد إيمان الحكّام بها من دون وجود فقهاء ووجهاء يلقّمون الشعوب بها ويحاولون إقناعهم بهم وتسكينها في رؤوسهم، وقد قام الفقهاء بدورهم بامتياز في هذا الصدد منذ عهد الإمام الحسن البصري، الذي سار ويسير على نهجه الفقهاء من بعده، ورجال الدين ممن تبعوهم إلى يومنا هذا. إذًا صار الحاكم قدرًا من الله سواء كان عادلًا او ظالمًا، كفئًا أم فاشلًا، وصار الخروج عليه مُحرّمًا في عقيدة أهل السنّة والجماعة، الأمر الذي استتبعه تعامُل الحكّام مع منظومة الحكم كأنها ملكية خاصة وصرنا نرى الواحد منهم يتعامل بمنطق "من حكم في ماله فما ظلم".

وفي مصر، يبدو الأمر وقد تم تكريسه بعد وضع اللمسة المصرية عليه كعادة المصريين دائمًا، فتحوّل الحاكم بأمر الله إلى "حاكم شيخ عرب"، يحمي رجال نظامه مهما كانت مفاسدهم وأخطاؤهم وكوارثهم، ويعفو عن كلّ المتجاوزين والقتلة والسفّاحين، ومن ينهبون أموال الشعب أو يقتلون أبناءه في الشوارع والبيوت، فقط لأنهم مخلصون أو يتظاهرون بالإخلاص للنظام. 

اقرأ/ي أيضًا: اليمن.. خمس سنوات في الطريق إلى الصوملة

نظرية شيخ العرب في الحكم هذه ليست جديدة على مصرنا المسكينة، فقد اتبعها المشير عبد الحكيم عامر حين كان قائدًا للجيش المصري في فترة صعبة ومفصلية في التاريخ المصري والعربي كذلك، حين أبقى على من خسروا حرب 1956 وحاول حماية من أهدروا شباب مصر في هزيمة حزيران/يونيو 1967 والتي كانت نتيجة طبيعية لتلك السياسة الرشيدة والوطنية. لقد فعلها الرجل الثاني في مصر، التي عاث فيها رجاله فسادًا لما يقرب من عقدين من الزمان وهم يتصوّرون أن الدنيا قد دانت لهم، حتى وقعت الهزيمة النكراء ليفيقوا من غيّهم ويدركوا أن يوم الحساب قادم لا ريب ولكن بأثمان فادحة، دفعها أبناء وشباب مصر ودفعتها قطعة عزيزة من أرضها.

لن يدرك النظام المصري مدى فداحة سياسته، ومدى خطأ حمايته للفاسدين والعابثين، حتى تقع الواقعة

ونظام الحكم الحالي أيضًا لن يدرك مدى فداحة سياسته، ومدى خطأ حمايته للفاسدين والعابثين في بوتقته، حتى تقع الواقعة وتحدث الكارثة التي لا يعلم إلا الله كيف ومتى ستكون، والتي لا يتصوّر حدوثها رغم حداثة وجوده في هالة السلطة العمياء. ولكنه كعادة كلّ النظم الدكتاتورية القمعية يقرّ في ذهنه أن بقاء الحال ليس من المحال طالما أحكم السيطرة على المجال العام وأخلاه من كلّ ما يمكنه تعكير صفو حكمه الرشيد والسعيد، وأنه أذكى من أسلافه الذين ذهبوا إلى مزبلة التاريخ، يساعده في ذلك ظهير شعبي، قد نتفق أو نختلف على أهميته سياسيًا، وأذرعًا أمنية ومخابراتية تقوم بالعمل القذر الذي يكفل بقاءه إلى أجل غير مُسمّى. ولكن هذا لم يحدث قط في التاريخ كلّه، فما من نظام دكتاتوري قمعي بوليسي بقي أو استمر إلى الأبد منذ بدء الخليقة مهما كان مستندًا إلى ما يبدو له كقوة رادعة.

ألمانيا النازية كان لديها نظام أمني رهيب لا يسمح لأحد بالتنفس إلا إيمانًا بمبادئ النازي، وإيران كان لديها جهاز السافاك الذي قيل عنه إنه أقوى نظام أمني في الشرق الأوسط، وعراق صدّام حسين الذي نشر نظم أمنه المخيفة في أرضه واستباح دماء شعبه، والاتحاد السوفيتي قام على نظرية القمع الأمني والنظم البوليسية الصارمة. فأين كل هذه الأنظمة الآن؟ وهل تصوّر واحد منها، في جبروته وبطشه، أن الغدّ سيأتيه بما لا تشتهي نفسه؟

اقرأ/ي أيضًا:

الممانعون وتطبيلهم

أشتم إكرامًا للمنطق