07-فبراير-2025
أعلام مصر وسوريا في وسط القاهرة (منصة إكس)

أعلام مصر وسوريا في وسط القاهرة (منصة إكس)

من الواضح أن التطورات التي شهدتها الساحة السورية في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، مع فرار رئيس النظام السابق، بشار الأسد، إلى خارج البلاد سرًا، قد أحدثت تأثيرات واسعة داخليًا وخارجيًا. هذا الحدث، الذي يمثل نهاية حقبة استمرت لأكثر من خمسة عقود، لا يزال يلقي بظلاله على المشهد الإقليمي والدولي.

ومن أبرز تداعيات هذه التطورات تأثيرها على علاقة سوريا الجديدة بجيرانها ومحيطها الإقليمي، وفي مقدمتهم مصر، التي تجمعها علاقات تاريخية وثيقة بدمشق.

بينما تسابقت العديد من الدول لإقامة قنوات تواصل مع السلطة الانتقالية السورية، كانت المواقف المصرية تتسم بالحذر والترقب

لا يمكن إنكار أن سقوط النظام السوري بتلك الطريقة أثار تساؤلات عديدة لدى القيادة المصرية، وأربك الحسابات السياسية في القاهرة. إلا أن التحدي الأبرز تمثل في طبيعة السلطة الجديدة في سوريا، والتي تحمل طابعًا إسلاميًا وخلفية أيديولوجية مختلفة عن النظام السابق، وهو ما أثار مخاوف وتحفظات في الأوساط السياسية المصرية.

بينما تسابقت العديد من الدول لإقامة قنوات تواصل مع السلطة الانتقالية السورية، كانت المواقف المصرية تتسم بالحذر والترقب. فقد اكتفت القاهرة في البداية ببيان رسمي مقتضب يعبر عن دعم خيارات الشعب السوري، مع التشديد على وحدة الدولة السورية واستقرارها، دون الخوض في تفاصيل العلاقة مع الإدارة الجديدة.

غير أن بعض الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية بعد سقوط النظام السوري أثارت تساؤلات حول موقفها الرسمي، ومن أبرزها فرض شروط جديدة على دخول السوريين إلى مصر، بما في ذلك الحصول على موافقات أمنية وتأشيرات دخول مسبقة، مما ألغى التسهيلات السابقة التي كانت متاحة لهم.

إلى جانب ذلك، شنت بعض وسائل الإعلام المصرية حملات انتقادية ضد الإدارة السورية الجديدة، متبنية خطابًا يشكك في قدرتها على إدارة البلاد، ومعتبرة أنها تمثل تهديدًا للاستقرار الإقليمي، وهو ما أثار جدلًا واسعًا حول أبعاد التوجه المصري تجاه دمشق في المرحلة المقبلة.

الهواجس المصرية تجاه المشهد السوري

تتمحور المخاوف المصرية تجاه التطورات في سوريا حول عاملين رئيسيين:

المنظور الأمني والعسكري: تقوم العقيدة العسكرية المصرية على رفض وجود كيانات مسلحة خارج إطار المؤسسات النظامية. ومن هذا المنطلق، تنظر القاهرة بقلق إلى صعود تنظيمات ذات طابع عسكري خارج الدولة، خاصة إذا كانت لها أبعاد أيديولوجية أو سياسية قد تتعارض مع النهج المصري في التعامل مع الأزمات الإقليمية.

التداعيات السياسية الداخلية: يمثل نجاح المعارضة السورية في إسقاط نظام متجذر منذ عقود سابقة مصدر قلق للقيادة المصرية، خاصة في ظل ذكرى مرور 14 عامًا على ثورة يناير. إذ يُنظر إلى هذا التطور على أنه قد يحيي آمال بعض القوى السياسية في المنطقة، مما دفع بعض وسائل الإعلام المصرية إلى شن حملات ضد السلطة السورية الجديدة.

وقد زاد هذا القلق مع انتشار صور ومقاطع فيديو على منصات التواصل الاجتماعي، تظهر شخصيات معارضة مصرية داخل سوريا، مثل محمود فتحي، المحكوم عليه بالسجن في قضية اغتيال النائب العام الأسبق في مصر، هشام بركات، عام 2015، والذي نشر صورة له مع الرئيس السوري أحمد الشرع، خلال زيارته لتهنئته بانتصار الثورة.

أما الصورة الثانية، فقد نشرها المعارض المصري المقيم في سوريا، أحمد المنصور، أحد المقاتلين السابقين في هيئة تحرير الشام، على حسابه على منصة "إكس"، وتظهره جالسًا على طاولة وبجواره عدد من الملثمين، وأمامه مسدس، بينما خلفه لوحة مرسوم عليها العلم المصري خلال فترة الملكية قبل عام 1952، مع إعلان تشكيل ما أسماه "حركة ثوار 25 يناير"، بهدف إسقاط نظام السيسي. وتبع ذلك نشر بعض المقاطع المصورة، التي دعا فيها إلى توحيد الإرادة الثورية، من أجل تكرار التجربة السورية على الساحة المصرية.

ردود الفعل السورية ومساعي التهدئة

في محاولة لطمأنة الأطراف الإقليمية، قدمت القيادة السورية الجديدة رسائل تؤكد أن المرحلة الثورية قد انتهت، وأن الأولوية الآن هي لبناء دولة مدنية حديثة. كما شددت على أن سوريا لن تكون منصة لتهديد أي من دول الجوار، بما في ذلك مصر.

وبجانب تلك الرسائل الواضحة، أبدت الإدارة السورية حسن نواياها تجاه القاهرة على وجه الخصوص، حين أوقفت المعارض أحمد المنصور، صاحب الفيديوهات المناوئة للنظام المصري، ومؤسس حركة "ثوار 25 يناير"، وأبعدته عن المشهد بصورة كاملة، وهو التحرك الدبلوماسي الذي لاقى ترحيبًا كبيرًا لدى الجانب المصري.

العلاقة بين القاهرة ودمشق: حذر متبادل

رغم رسائل التطمين القادمة من دمشق، لا تزال القاهرة تتعامل بحذر مع المستجدات في سوريا، معتمدة نهجًا تدريجيًا يقوم على الترقب والتقييم. فقد جاء أول اتصال رسمي بين وزيري خارجية البلدين بعد نحو عشرين يومًا من سقوط النظام السابق، وهو ما يعكس ترددًا في اتخاذ مواقف حاسمة تجاه السلطة الجديدة.

ومع ذلك، بدأت بعض المؤشرات في التحسن، إذ تراجعت حدة الحملات الإعلامية المصرية ضد القيادة السورية، وبدأت القاهرة في الانخراط التدريجي في النقاشات المتعلقة بمستقبل سوريا، دون تقديم دعم صريح، ولكن أيضًا دون تبني موقف معادٍ.

العوامل المؤثرة في الموقف المصري

يمكن إرجاع التغير في الموقف المصري إلى عدة عوامل:

الرسائل الإيجابية من الإدارة السورية الجديدة، والتي ساهمت في تقليل المخاوف المصرية تجاه طبيعة الحكم في دمشق.

انخراط الحلفاء الإقليميين، مثل السعودية والإمارات، في التواصل مع السلطة السورية، وهو ما دفع القاهرة إلى إعادة تقييم موقفها.

الزخم الدبلوماسي الدولي تجاه سوريا، حيث أصبحت دمشق وجهة للوفود السياسية والاقتصادية، مما يعكس توجهًا دوليًا نحو الاعتراف بالإدارة الجديدة.

العلاقات المصرية-السورية: تاريخ من التعاون

تمتد العلاقات بين مصر وسوريا لعقود طويلة، حيث تشترك الدولتان في روابط ثقافية واقتصادية واستراتيجية جعلتهما حليفين طبيعيين في العديد من المراحل التاريخية. وعلى الرغم من الفتور الذي شاب العلاقة في بعض الفترات، إلا أن التفاعل بين البلدين ظل قائمًا على المصالح المشتركة والاستقرار الإقليمي.

رغم رسائل التطمين القادمة من دمشق، لا تزال القاهرة تتعامل بحذر مع المستجدات في سوريا، معتمدة نهجًا تدريجيًا يقوم على الترقب والتقييم

تعتبر سوريا بالنسبة لمصر امتدادًا استراتيجيًا لحدودها الشرقية، كما أن التقارب بين البلدين كان دائمًا مؤشرًا على استقرار الأوضاع في المنطقة. ولم يكن هذا التناغم حكرًا على المستوى الرسمي، بل امتد إلى العلاقات المجتمعية، حيث اندمجت الجالية السورية في مصر بشكل لافت، وساهمت في الاقتصاد المحلي من خلال استثمارات ضخمة تقدر بمئات الملايين من الدولارات.

مستقبل العلاقات: تعاون أم تحفظ؟

تواجه العلاقات المصرية-السورية مرحلة دقيقة تتسم بالحذر والتريث. فبينما تحاول دمشق إثبات حسن نواياها، تفضل القاهرة تبني نهج الخطوة بخطوة، مستندة إلى تجاربها السابقة في التعامل مع الأزمات الإقليمية. وفي ظل التحديات الجيوسياسية التي تواجه المنطقة، قد يكون التعاون التدريجي بين البلدين خيارًا تفرضه الضرورات الاستراتيجية، شريطة أن تتوفر الضمانات الكافية لضمان استقرار سوريا وعدم تحولها إلى مصدر توتر جديد في الإقليم.