19-ديسمبر-2016

تراجعت نسب السياحة بسبب أزمات أمنية واقتصادية متراكمة تسبب بها نظام السيسي (كريس مغراش/Getty)

يعتاد المصريون على وقع الألم. تكاد يومياتهم تكون متشابهة. وتمر الأعياد ثقيلة. فهي على الرغم من كونها، مواسم للفرح، إلا أنها تفضي بهم إلى الأسى. تتراكم فيها الهموم السياسية والأمنية والاقتصادية دفعة واحدة. وليست السنوات الأخيرة، منذ الانقلاب العسكري، إلا صورة واضحة لما آلت إليه حياة المصريين. وتكاد الأعياد الميلادية، تمر بخجل في هذه الأيام. لا سيما أن وقع التفجير الإرهابي، الذي استهدف الكنيسة البطرسية، لا يزال حاضرًا، بكل التباساته ومخاوفه وطبعًا تأثيراته الاقتصادية على بلد منهك في الأصل من أزمة الجنيه وغلاء السكر والاضطرابات المتواترة في القطاعات الصناعية والمهنية، بعد تدخل القبضة العسكرية في معظم مفاصل الدولة واستلامها كبريات المشاريع التنموية المتصفة بالفساد.

قضى تفجير الكنيسة البطرسية على آمال المصريين بعودة السياحة ونشاطها على أبواب الأعياد الميلادية

يقول شادي الشامي، وهو مالك أحد البازارات السياحية في الغردقة، أن التفجير "قضى على آخر آمال مصر في استعادة السياحة مرة أخرى". مشيرًا إلى أن "السياحة بدأت تعود تدريجيًا خاصة من جانب العرب مؤخرًا، لكن التفجير محا ما رتّبنا له طوال الأشهر الماضية، فألغيت أغلب التذاكر والرحلات وحجوزات الفنادق"، يقول الرجل بأسى. ويوضح أن موسم الصيف جاء بما يسدّ جوع العاملين بالسياحة، لكن بحلول الدراسة انتهت الأيام الجميلة: "الفقر عاج وأغلب العاملين بالسياحة اشتغلوا سائقي سيارات عمومية وبعضهم ترك المهنة مؤقتًا".

تترجم الأرقام ما يقوله مالك البازار لسياحي، فإيرادات النشاط لهذا العام (2016)، لا تزيد عن خمسة مليارات دولار، بينما وصلت في عام 2015 إلى 6.1 مليار دولار، وهو الرقم الذي لا يعدّ ضخمًا مقارنة بحصيلة السياحة المصرية قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير، التي وصلت إلى أربعة عشر مليارًا.

أقرأ/ي أيضًا: صور وفيديوهات.. الغلابة في مصر على صفيح ساخن!

خلال العام الماضي، شهدت السياحة المصرية عددًا من التحولات ارتبطت بحوادث إرهابية. وبدأ العام بمعاناة من توابع كارثة الطائرة الروسية، التي انفجرت فوق منطقة الحسنة بسيناء، وراح ضحيتها 224 راكبًا، ما أدّى إلى اتخاذ روسيا قرار بوقف الرحلات الجوية إلى القاهرة، رغم الصداقة السياسية التي تجمع البلديْن، وتبعه قرار بريطاني مماثل، بعد أن أكدت جهات تحقيق موسكو سقوط الطائرة على إثر عمل إرهابي أدّى إليه خطأ أمني بمطار شرم الشيخ سمح بمرور عبوة ناسفة داخل الطائرة.

شكّل الأمر خطرًا على الجميع، حيث تراجع عدد السياح الوافدين إلى مصر خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري بنسبة 41% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ليصل إلى 3.8 ملايين سائح فقط، وهو ما يمكن تفسيره بأنّ أغلب الوافدين إلى الغردقة وشرم الشيخ من المواطنين الروس، الذين تناسبهم تكاليف السياحة الرخيصة في مصر.

تبع ذلك إعلان ألمانيا وإيطاليا مصر من الدول غير الآمنة، وجاء تفجير طائرة "مصر للطيران" العائدة من مطار شارل ديغول في باريس إلى القاهرة، ليؤكّد أن الطائرات المصرية ليست آمنة هي الأخرى، وهو ما قطع أرجل سياح أوروبا عن مصر بالتزامن مع حادث مقتل الطالب الإيطالي ريجيني، ولا تزال هناك عدّة روايات حول مقتله، وأغلبها يشير بأصابع الاتهام إلى جهة أمنية.

تراكمت الأزمات في مصر في العام 2016 وتأثر قطاع السياحة بالحوادث السياسية والأمنية المضطربة

إلى جانب الحذر من الطائرات المصرية، الذي تبعه حملات تضامن وتشجيع ودعاية لخطوط مصر للطيران، حلّ ارتفاع سعر الدولار مقارنة بالجنيه المصري رسميًا، ما يعرف بتعويم الجنيه، بمضاعفة أسعار التذاكر، ما قاد شركات السياحة إلى التعامل مع خطوط طيران أجنبية تقدّم خدماتها بأسعار أرخص، خاصة أن الخطوط المصرية تعدّ الأغلى في الظروف العادية، رغم ترتيبها العالمي المتدني.

فيما لم تشفع خريطة الخارجية الأمريكية، المعنية بتصنيف الدول الآمنة للسفر والسياحة، لقطاع السياحة المصري، رغم أنها اعتبرت القاهرة آمنة في موسم الكريسماس، وعطلات رأس السنة، وجاء النصف الأول من كانون الأول/ديسمبر بحادث تفجير الكنيسة البطرسية الملحقة بكاتدرائية العباسية، أهم كنائس مصر، الذي أسفرت التحقيقات عن اعتباره حادثًا انتحاريًا، ليدفع أغلب السياح إلى إلغاء حجوزات السفر والفنادق لقضاء الكريسماس في مصر.

وبشَّرت الحكومة الروسية، حليفة القاهرة، بعودة السياحة الروسية إلى مصر في أكثر من مناسبة، إلا أن شيئًا ما منع إتمام ذلك بنجاح حتى بعد زيارة عدة وفود أمنية روسية لمطارات مصر لمتابعة تأمينها وإعداد تقارير عن مراقبة الفنادق والمطارات والثغرات الأمنية تقضي عدّة أيام في مصر وتغادر مع وعد بأن "الأمور تسير على ما يرام". وفتح غياب السياحة الأجنبية عن مصر الباب أمام وفود داخلية ومناطق جديدة للسياحة في مصر، نظرًا لقلة أثمانها مؤخرًا، وأبرزها "دهب" و"نويبع" و"رأس شيطان"، التي تستقبل يوميًّا عددًا كبيرًا من المصريين. إلا أنه، رغم ذلك النشاط يبقى مؤقتًا، ولا يزال عام 2016 هو عام السياحة الأسوأ منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير.

اقرأ/ي أيضًا:

كيف يستغل النظام المصري حادثة الكنيسة؟

ما هي أبرز أحداث مصر في العام 2016؟