11-يوليو-2017

تنفق أنظمة عربية ملايين الدولارات لاقتناء برامج تجسس أجنبية على الإنترنت (Getty)

كانت الحكومات العربية فيما قبل تفرض رقابتها التقليدية بنجاح على المجال العام، فتتمكن بسهولة من تقزيم الأصوات المعارضة والمنتقدة للسلطة، لتحُول بذلك دون وصول تأثيرها إلى الرأي العام، لكن مع طفرة الإنترنت والأجهزة الرقمية باتت هذه الأنظمة تواجه وسطًا جديدًا يصعب التحكم فيه، بحيث أصبح الناس بمختلف شرائحهم الاجتماعية يعبرون عن مواقفهم السياسية وينتقدون السلطات الرسمية بطريقة لم تعهدها من قبل، دون أن تستطيع تكميم الأفواه كما كانت تفعل سابقًا.

إلى أن جاءت رياح الثورات العربية، التي أطاحت بأنظمة سياسية ببلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفطنت بعدها الحكومات العربية للخطورة التي تأتي من الإنترنت، وشبكات التواصل الاجتماعي بالخصوص، لتلجأ حينئذ بحماس إلى الشركات التكنولوجية الأجنبية لاقتناء برامج تجسس، لعلها تفرض رقابتها أيضًا على هذا الوسط الجديد.

مصر.. تجسس على المواطنين بتمويل إماراتي

منذ 2010 توجهت السلطات الأمنية المصرية نحو شركات بيع أنظمة التجسس، ولم يكن مفاجئًا أن تظهر في الفضيحة التي كشفتها المجلة الفرنسية "تيليراما" مؤخرًا، حيث اشترت مصر نظامًا يستخدم التكنولوجيا الرقمية للتجسس على المكالمات الهاتفية والرسائل الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي، من شركة "أماسيس"، بتمويل إماراتي قدره 10 ملايين يورو.

يعتبر النظام المصري زبونًا وفيًا للشركات الأجنبية المتخصصة في برامج التجسس، ومولت الإمارات هذه الصفقات بـ10 ملايين يورو

ويعد النظام المصري زبونًا وفيًا للشركات التقنية الأجنبية المتخصصة في بيع برامج التجسس، إذ عَقد صفقات مع شركة "هاكينج تايم" الإيطالية، بقيمة 518 ألف يورو في الفترة بين 2010 و2014، من أجل تمكينها من برنامج «RCS» المختص في اختراق الرسائل النصية، وفقًا لما كشفت عنه تسريبات الشركة التي تعرضت للاختراق في 2015.

اقرأ/ي أيضًا: ضغوط أمنية على أوبر وكريم في مصر.. إما بيانات العملاء وإما الحظر

واشترت أيضًا الحكومة المصرية في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك برنامج "FinFisher Suite" من شركة "جاما" البريطانية، بقيمة 388 ألف يورو، وهو برنامج يستخدم للتجسس على الرسائل والمحادثات الصوتية والبيانات المفعلة في الحاسوب أو الهاتف الذكي، بالإضافة إلى قدرته على تشغيل تقنية التقاط الصوت والصور عن بعد.

وحسب موقع "بازفيد" الأمريكي، فقد اشترت الحكومة المصرية، من خلال شركات محلية وسيطة، برامج من شركة "بوكوات" الأمريكية سنة 2014، بغرض التجسس على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، كما سبق للمرصد العربي للحقوق والحريات أن ذكر أن الحكومة المصرية اشترت برنامج "NarusInsight" التجسسي، من شركة "ناروس" الإسرائيلية، للتنصت على المواطنين عبر الإنترنت والاتصالات الهاتفية.

الإمارات.. إنفاقٌ سخي على برامج التجسس الإسرائيلية

وفقًا لتحقيق حديث أجرته "بي بي سي"، فإنّ شركة "بي إيه إي سيتستمز" البريطانية، باعت برامج تجسسية، بهدف مراقبة رسائل المعارضين والناشطين وتحديد أماكن تواجدهم، لحكومات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من بينها الحكومة الإماراتية.

والعام الماضي، نشرت مجلة فورين بوليسي تقريرًا، ذكرت فيه أنّ الإمارات تنفق بسخاء على برامج تجسس إسرائيلية، إذ اقتنت برنامجًا يسمى "بيغاسوس" بصفقة تتراوح ما بين 10 ملايين إلى 15 مليون دولار، من أجل التجسس على الناشطين. ويسمح هذا البرنامج لمشغله بقراءة البريد الإلكتروني وتسجيل المكالمات الهاتفية، وكذا اعتراض الرسائل النصية، بما فيها الرسائل على البرامج المشفرة مثل فايبر وواتساب،  كما يمكن من خلاله تشغيل كاميرا الهاتف والميكروفون عن بعد.

ويذكر أيضًا المرصد العربي للحقوق والحريات، أن مؤسسة الإمارات للاتصال (اتصالات)، دخلت صفقات مشبوهة مع الشركات العالمية المتخصصة في بيع برامج التجسس، مثل شركة "جاما" البريطانية، و"بلوكوات" الأمريكية، وشركات أخرى.

المغرب.. 20 مليون درهم على برنامج تجسس واحد

المغرب هو الآخر يعتبر زبونًا لشركات التجسس التجارية، إذ أظهرت التسريبات الخاصة بشركة "هاكينج تايم" الإيطالية، أن المغرب أنفق منذ 2011 أموالًا كثيرة في اقتناء برامج للتجسس على هواتف أندرويد، واختراق البريد الإلكتروني، لصالح مؤسستي الدفاع الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني الحكوميتين.

استثمرت الحكومة المغربية أكثر من 20 مليون درهم في نظام تجسس واحد لمراقبة حركة المرور على الإنترنت

وكانت شركة "هاكينغ تايم" قد تعرضت إلى قرصنة سنة 2015، سُرّب على إثرها وثائق تظهر المتعاملين معها من البلدان العربية وغيرها. وتشتهر الشركة ببيع برنامجها "DAVINCI"، الخاص بالتجسس على المحادثات الصوتية، وبرنامج "PGP" القادر على تشغيل الميكروفون والكاميرا عن بعد.

كما كان المغرب حاضرًا ضمن البلدان التي اشترت تقنيات تجسسية من شركة "بي إيه إي سيتستمز" البريطانية، كما سبق لمؤسسة "الخصوصية العالمية" أن كشفت عن أنّ الحكومة المغربية استثمرت مليوني دولار، أي أكثر من 20 مليون درهم، في نظام مراقبة اسمه "إيغل" أي النسر، لأداء الرقابة ورصد حركة المرور على الإنترنت باستخدام "علبة التفتيش العميق" (Deep Packet Inspection)، خلال سنة 2016، حسبما نقل عنها موقع "لكم" الإلكتروني.

تونس.. تحسّن في مجال الحريات

كانت تونس أول زبون لنظام "إيفدنت" الذي تقدمه شركة "بي إيه إي سيتستمز" البريطانية، وذلك في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، فوفقًا لمسؤول تونسي سابق، فإنّ شركة "إي تي آي" قامت بتركيب النظام، وقدّمت جلسات تدريبية حول النظام. ويعمل النظام من خلال مفاتيح، بوضع اسم المعارض في خانة مخصصة، لتظهر كافة المواقع والمدونات وشبكات التواصل الاجتماعي الخاصة به.

ويتيح نظام "إيفدنت" لمشغليه من الحكومات، القيام بعمليات مراقبة جماعية لاتصالات مواطنيها، وتحديد مواقع الناس من خلال بيانات هواتفهم المحمولة، كما يستطيع التجسس على المكالمات والرسائل، حتى لو كانت مشفرة بواسطة برامج معينة، ويمكنه كذلك تمييز الأصوات، وبالتالي معرفة هويات المتكلمين بناءً على قاعدة بيانات صوتية.

اقرأ/ي أيضًا: إنترنت تونس زمن بن علي.. بوليسية إلكترونية أيضًا

غير أنه بعد الإطاحة بنظام بن علي، باتت تونس تعرف تحسنًا مطردًا في مجال الحريات، إذ صنفتها منظمة "فريدوم هاوس" الأولى عربيًا في مؤشر "حرية الإنترنت" في تقريرها لعام 2016، لتصبح أول مرة ضمن لائحة البلدان الحرة. وفي السنوات الأخيرة، عززت تونس حرية التعبير وتحصين حرية الصحافة وحماية الخصوصية بحزمة من القوانين، جعلتها متقدمة على باقي البلدان العربية.

الجزائر.. حذر من موجة الثورات العربية

ظهرت الجزائر كذلك في لائحة زبائن شركة "بي إيه إي سيتستمز" البريطانية، باقتنائها نظام "إيفدنت"، الذي يمكن بواسطتها مراقبة بلد بأكمله بشكل دقيق، من خلال القدرة على التجسس على أي شخص يقوم بمكالمة هاتفية أو يستخدم الإنترنت، مع إمكانية معرفة موقعه بالتحديد.

انتعاش المعارضة على الإنترنت بعد الثورات العربية، دفع الحكومة الجزائرية إلى اللجوء لتقنيات التجسس الأجنبية

ويكشف ذلك عن تخوف السلطة الجزائرية من المعارضة، التي انتعش نشاطها على شبكة الإنترنت بعد الثورات العربية، فلجأت إلى الاستعانة ببرامج التجسس التي تعرضها الشركات التكنولوجية الأجنبية للبيع. ويُذكر أن الجزائر تصنف ضمن البلدان "غير الحرة"، حسب تقرير منظمة "فريدم هاوس" الأخير.

اقرأ/ي أيضًا: مخاوف من الإعلام الإلكتروني في الجزائر

هذا وتشن المنظمات الحقوقية والدولية حملات للضغط على الحكومات الأوروبية، من أجل إلزام الشركات التقنية بعدم بيع برامج تجسسية للبلدان القمعية، خشية استغلالها في ملاحقة الناشطين الحقوقيين والتضييق على عمل الصحفيين، وتكللت بعض هذه الحملات بالنجاح، إذ تم فرض حظر على شركة "هاكينغ تايم" الإيطالية من التعامل مع زبناء خارج الاتحاد الأوروبي، كما يتابع القضاء الفرنسي حاليا شركة "اماسيس" المختصة في بيع برامج التجسس.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مشروع لمحاصرة الفضاء الإلكتروني في مصر!

فيديو: شرطة الإنترنت