12-فبراير-2016

احتجاجات الأطباء في مصر(محمد الراعي/الأناضول)

مع أي موقف تعلن صفحة "آسف يا ريس" إنها ضده. منذ اليوم الأول لثورة 25 يناير، الموقف الذي يتبناه أنصار حسني مبارك، ستكون ضده دون تفكير، ليس لأنه خطأ، إنما فقط لأن أبناء الدكتاتور الأعظم، الذي لا تزال روحه معلّقة بين السماء والأرض، ووجهه الكئيب يحيط بأي قرار رسمي يمنع طيور مصر الجريحة من الطيران. والطيور الجريحة اليوم هم الأطباء.

لم يصل غضب الأطباء إلى رفع "الكارت الأحمر" في وجه النظام، لا يزال محصورًا بين الدولة وجناح لها لديه رصيد ضخم من الكراهية، وهو الداخلية

زملاؤهم في السجون بلا سبب ودون حكم قضائي إلى الآن، حمدي عبيد ومحمود الحوت وأحمد النيلي، أعضاء نقابة الأطباء، وأمناء الشرطة يضربون بعضهم، وطاهر مختار، رمز الثورة بالإسكندرية، دخل السجن، ولم يعلن عن موقفه، أو ميعاد خروجه، أو أسباب احتجازه "الغامضة".

لكن ما الذي جرى أمام دار الحكمة؟

نجحت نقابة الأطباء في عقد جمعيتها العمومية الطارئة بعد اكتمال النصاب القانوني لانعقادها، وبعد حضور 10 آلاف طبيب، رغم أن العدد المقرر لاتخاذ أي قرار هو ألف طبيب فقط، ووافقت "عمومية الأطباء" بالإجماع على إقالة وزير الصحة، مع تحويله للجنة التأديب بالنقابة بسبب "موقفه المتخاذل"، وإعلان الإضراب الجزئي عن العمل بنسبة موافقة 44 في المئة، وهو المشهد الأول.

وزير الصحة في المصيدة

يمكن أن تعتبرها ثورة جزئية ضد وزير لا يدافع عن أولاد مهنته، ولا يملك الحد الأدنى للذكاء والخبث المهني، أنت لكي تستمر في وظيفتك سواء كنت وزيرًا أو غفيرًا لابد أن تدافع عن "أولاد كارك"، الذين كانوا السبب في دخولك مقر الوزارة، ويمكن، في أي لحظة، أن تعزل. أنت طير "مكسور الجناح" سيضحي به النظام بعد وقفة احتجاجية واحدة ترفع لافتات ضدك، فالدولة الآن هشّة، ومن الهشاشة أنها أضعف من أن تدافع عن رجالها، ولك في طرد عبد الواحد النبوي من وزارة الثقافة عبرة، لقد أغضب المثقفين، رأوا فيه رجلًا جاهلًا يقطع رؤوسهم لكي يستفرد بالثقافة والوزارة فعزلوه، وقرار العزل لم يكن رئاسيًا، إنما خرج من أوساط المثقفين.

سيخرج قرار عزل الدكتور أحمد عماد الدين أيضًا من احتجاجات الأطباء أمس، واليوم، وغدًا. والإضراب مستمر حتى عزل وزير الصحة، وهل يمكن أن تقف الدولة في وجه أطباء غاضبين يهددون بإغلاق مستشفيات الحكومة إذا لم تركع الحكومة لهم؟

منى مينا وحسين خيري.. جيفارا والذين معه

المشهد الثاني بطلته الدكتورة منى مينا، وكيل نقابة الأطباء، التي كسبت رصيدًا من عداوة وزارة الصحة، والنظام، وفي المقابل، يعتبرها الأطباء "سيدة الأطباء الأولى"، ولا تريد أن تخسر زملاء المهنة أو تكسب عداوة المجتمع، الذي لا يزال متعاطفًا معها، أيضًا، فقالت في تصريحات صحفية: "الأطباء مطالبون بإقرار إجراءات تصعيدية، لكن بشكل تدريجي، خوفاً من قيام الإعلام بالوقيعة بين الأطباء والمجتمع".

واستقبل أعضاء الجمعية العمومية الطارئة لنقابة الأطباء، الدكتور حسين خيرى، النقيب العام، بالهتاف: "الإضراب هو الحل.. الطبيب عمره ما يتذل"، وهو ما استقبله خيري بقوله: "كل الشعب ينتظر قرارنا.. نريد أن نكون نموذجاً، وجميعنا نراهن على اتخاذ الجمعية العمومية القرار الصائب".

وأضاف خيري: "القرار لكم.. كلنا نشهد لحظة فارقة، إما للأفضل وتحسين أوضاعنا، أو الرجوع إلى ما هو أسوأ"، مؤكداً أنه صمم على دعوة "الجمعية العمومية" للانعقاد، رغبة منه في التمسك بحقوق الأطباء، وتابع بقوله: "الحدث غير مسبوق، لم أشهده من قبل، حتى يوم الانتخابات، وأتمنى وصول رسالتنا للجميع".

وأكد نقيب الأطباء، أن مجلس النقابة تعرض لضغوطات غير مسبوقة، منذ إعلان موقفه عن واقعة اعتداء أمناء الشرطة على الأطباء بالمطرية، وقال: "رغم هذه الضغوط، إلا أن أعضاء المجلس، أصروا على الحصول على حق أطباء المطرية، وحفظ كرامة أطباء مصر".

وتابع خيري: "المجلس استقبل أعداداً كبيرة من الأطباء، ووفوداً من جميع المحافظات، ومن كل النقابات والجمعيات الأهلية، التي أعلنت تضامنها مع الأطباء"، مؤكداً أن الجمعية العمومية ستقرر سبل التصعيد، مع الأخذ بعين الاعتبار، عدم الإضرار بالمريض.

وفي بيان للنقابة، أكدت أن الفترة الأخيرة شهدت تجاوزات متكررة فى حق الأطباء بعدد من المستشفيات التابعة لوزارة الصحة، مشيرة إلى أن ذلك بمثابة انعكاس طبيعي لغياب التأمين الكافي لها، والعاملين بها، مشيرة إلى أن تلك الاعتداءات جاءت متزامنة مع إصدار مجلس الوزراء، قراراً بإنشاء "هيئة التدريب الإلزامي" للأطباء، الذي "يتضمن العديد من السلبيات، ويتغول على سلطات الجامعات المصرية، ونقابة الأطباء والزمالة المصرية".

البحث عن أدلة براءة المساجين.. مطلب رئاسي

النظام لم يحدد علاقته بنقابة الأطباء، أطلق على قياداتها من يقول إنهم إخوان، ولديهم أجندات أجنبية، ويتلقون تمويلا لتنفيذ مخططات قلب النظام

النظام لم يحدد علاقته بنقابة الأطباء، أطلق على قياداتها من يقول إنهم إخوان، ولديهم أجندات أجنبية، ويتلقون تمويلات لتنفيذ مخططات قلب نظام الحكم، ولم يسأل نفسه، هل ما يقال حقيقي؟ كذب وصدّق قوله، وتعامل مع حسين خيري ومنى مينا على هذا الأساس، لم يحاول احتواءهم أو فهمهم منذ اليوم الأول، فانفجروا فيه، وسدّدوا له الطعنات على أكثر من مستوى، مستوى بيع مستشفيات القطاع العام، ثم الاعتداء على المستشفيات، وآخرها سجن الأطباء. السؤال الذي لم يطرحه أحد، ولم يجب عليه أحد: ما الذي كان يريده النظام من نقابة الأطباء؟

أن يهتم بالأنشطة الترفيهية للأطباء، أن يجهز برامج رحلات إلى شرم الشيخ، أن تخصص حصة من ميزانيتها للمصايف، ويدعو لمظاهرات حاشدة تأييدًا لقرارات النظام ضد إرهاب الإخوان حتى لو كان الأطباء غير مقتنعين به، ولهم عليه ملاحظات، فزملاؤهم في السجون بلا سبب، وبلا محاكمة أيضًا، ومن المستحيل أن تقول للأطباء: "لا تتكلموا في السياسة.." ليس لأن حقهم الطبيعي أن يتكلموا في السياسة في وطن يتناول عشاءه برامج "توك شو" وصحفًا مليئة بأخبار سياسية، إنما لأنهم غارقون في السياسة، بداية ممّن يعالجونهم من ضحايا المظاهرات، وحتى الوصول إلى زملائهم الذين في السجون الآن لأنهم أطباء!

ثم إن الرئيس السيسي، أعلى رأس في الدولة، أعلن أكثر من مرة وجود مظلومين في السجون، يعني أن بحث منى مينا وحسين خيري عن أدلة براءة الأطباء المتهمين مطلب رئاسي، وليس شعبيًا أو نقابيًا، فالأطباء مظلومون، ولابد من إخراجهم!

هل يرفع الأطباء "الكارت الأحمر" في وجه النظام؟

لم يصل الغضب إلى نقطة رفع "الكارت الأحمر" في وجه النظام حتى الآن، لا يزال محصورًا بين الدولة وجناح من أجنحتها لديه رصيد ضخم من الكراهية، وهو الداخلية، والخطر الحقيقي على النظام الآن في أن تتحول نقابة الأطباء إلى "كعبة للغاضبين على النظام"، والغاضبين منه، والمعلومات تشير إلى أن التنسيق جارٍ لانضمام نقابات مهنية أخرى إلى صف الأطباء في معركتهم ضد الدولة.

هذه المرة المطالب ليست فئوية أو اجتماعية، إنما يتعلق الأمر بغضب من أمناء الشرطة، الذين طالوا الجميع بوجوههم الكالحة، وأياديهم الغليظة، ولن يخرج الأطباء من الأزمة وحدهم.. سينضم لهم الصحفيون والعمال وضحايا النظام من الفقراء والمهمشين والخارجين من تجارب ظلم واعتداء عشوائي في الشوارع والمواصلات والمقاهي، ويبدأ احتجاج قوي لا يضرب وزارة، إنما يضرب رأس الدولة، خاصة إنه لا أدوات لتفريغ الغضب الآن، لا جرائد معارضة، ولا عضو برلماني ينتقد الحكومة، ولا ملامح حركة معارضة تتحرك ضد النظام، حتى لو كانت قطعة "ديكور" تتحرك برعاية النظام وتحت عينه!

عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية؟

"عيش، حرية، عدالة اجتماعية".. شعار ثورة يناير ومطلبها الأول، الذي لا بد أن يفهمه النظام، فلا أحد الآن وبعد 5 سنوات من الرصيد الثوري، ضد مبارك، والمجلس العسكري، والإخوان، سيرضى بأن تتعامل معه على إنه شعب ضال، لا يجد من يحنو عليه، ومع أول نظرة عطف سيصمت، ويعود خانعًا، خاضعًا، مستكينًا كما كان. لابد أن يشعر النظام أنه في موقف حرج، وهناك كتلة تتشكّل الآن لمعارضته ستخرج من دار الحكمة، ومن حقها أن تغضب، وتعترض، ولابد أن يشعر النظام أن الأزمة في الشارع متضخمة، وتنتظر من يمسّها فقط لتنفجر.

اقرأ/ي أيضًا: 

مصر.. معارك الاستعراض والاستعراض المضاد

مصر.. المدنيون أمام القضاء العسكري!