12-مايو-2018

فشل النظام المصري في فرض سردياته عن الديمقراطية (Getty)

ألترا صوت - فريق التحرير

أصدر المركز العربي لأبحاث ودراسة السياسات، النسخة السادسة من استطلاع مؤشر الرأي العربي الدوري، الذي بدأ تنفيذه ميدانيًا من كانون الأول/ ديسمبر2017 إلى نيسان/أبريل 2018 في 11 بلدًا عربيًا، كانت مصر واحدة من بين تلك الدول التي شكلت حالة للتوقف عند النتائج العلمية التي صدرت منها.

ترى أغلبية الشارع المصري في إسرائيل عدوًا لمصر وللعرب

الوضع الاقتصادي السيئ دافع للهجرة

في القسم الأول، ومن حيث تقييم الوضع الاقتصادي في مصر، يلفت الانتباه أن 32% من المصريين رأوا أن الوضع الاقتصادي العام سيئ وسيئ جدًا، بينما اعتبر 61% منهم أنه جيد، وبشكل عام فإن عدم الاستقرار هو العنوان الحقيقي للحالة الاقتصادية في مصر، في ظل تصاعد كبير ومتسارع في أسعار السلع الأساسية، منذ تعويم الجنيه المصري في تشرين الثاني/نوفمبر 2016، الذي قلب حياة كثير من المصريين رأسًا على عقب والزيادات المتتالية في أسعار الوقود التي تلتها. وكل هذا بسبب سياسيات ما أسمته الحكومة المصرية بـ"الإصلاح الاقتصادي".

الوعي الشعبي تجاه إسرائيل والقضية الفلسطينية

على الرغم من أن السياسة الرسمية المصرية تجاوزت التطبيع إلى التحالف، وحتى استضافة احتفال دولة الاحتلال الإسرائيلية بعيدها السبعين في فندق الريتز كارلتون منذ عدة أيام، وتوجيه دعوات رسمية إلى أعضاء برلمانيين وصحفيين وسياسيين ووزارء وشخصيات مصرية عامة، إلا أن الرأي العام الشعبي في مصر لا يزال يرى أن إسرائيل هي مصدر التهديد الرئيس، حيث يرى 59% من المصريين أن إسرائيل هي عدوهم الأول، رغم كل مظاهر الاحتفاء والتطبيع والتحالف. وهو أيضًا ما يفسر أن 85% من المصريين يرون أن القضية الفلسطينية هي قضية كل العرب وليس الفلسطينيين وحدهم، وفقًا لما ورد في بيان المؤشر العربي.

اقرأ/ي أيضًا: إسرائيل تحيي ذكرى تأسيسها في قلب القاهرة.. الاستبداد يجاهر بعداء فلسطين

دور المجالس التشريعية في الرقابة على أداء الحكومات

كانت النتائج في هذا المحور محيرة، حيث رأى 30% من المستطلعين في مصر، أن هذه المجالس تقوم بواجبها في الرقابة على الحكومة، على الرغم من أن مجلس النواب المصري أقر اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية العام الماضي، والتي بمقتضاها تم الإقرار بسيادة السعودية على جزيرتي تيران وصنافير المصريتين، و على الرغم من أن الإقرار تم في أجواء مشحونة بين المؤيدين والمعارضين إلا أن أنه تم بموافقة أغلبيتهم، وليس هذا المثال الوحيد على استخدام السلطة لهذه الكيانات كشكل من أشكال الديكور الديمقراطي.

جاء  الموقف الشعبي  المصري مناهضًا لإسرائيل رغم التطبيع الرسمي من قبل النظام معها

الديمقراطية لا تعني الأمن فقط

يدور مصطلح الديمقراطية حول ثلاث محاور رئيسة في مصر، أولها ضمان الحريات السياسية والمدنية بنسبة 30%، بينما يرى 24% أن الديمقراطية تعني المساواة والعدل بين المواطنين، على اختلاف انتمائاتهم. وقالت نفس النسبة من المستطلعين إن الديمقراطية تكمن في الحكم الرشيد الديمقراطي، أي أن الوعي الجمعي متعطش إلى العدل والمساواة والحكم الرشيد، الذي يقف على مسافة واحدة من الجميع.

 ويظهر هذا المحور أنه على الرغم من أجواء الاستقطاب العاصف التي عاشها المصريون منذ ثورة يناير عام 2011،  إلا أن السنوات الأخيرة أثبتت أن سرديات النظام التي تخير المصريين في باطنها بين الديمقراطية والأمان، فشلت فشلًا ذريعًا. أما القدرة على انتقاد النظام، والتي كانت تساوي 5.3 على مقياس من 1 إلى 10، فقد كان متوقًعا أن تجيء متدنية، نظرًا للتصاعد الكبير في اعتقال أي شخص يعبر عن رأيه ولو بشكل سلمي، مثل معتقلي الدفوف في مصر، أو بشكل مهني مستقل على غرار الصحف التي تعمل على غير هوى النظام، مثل صحيفة مصر العربية التي اعتقل رئيس تحريرها عادل صبري الشهر الماضي، بتهمة إدارة موقع دون تصريح، إلى جانب تهم أخرى ملفقة رغم أن الموقع يعمل منذ خمس سنوات.

عدم الاهتمام بالشأن العام.. سمة عامة متفاقمة

 ورد في بيان المؤشر العربي عن الاهتمام بالشؤون السياسية، أنه "على الرغم من أن الرأي العام العربي يؤيد الديمقراطية ويفضلها ويقيم مستوى الديمقراطية في البلدان العربية تقييمًا غير إيجابي؛ فمن الواضح أن العزوف عن الانخراط السياسي أو "اللامبالاة السياسية" هو السائد. وقد يكون هذا متوقعًا أخذًا بعين الاعتبار أن قدرة المواطن على انتقاد الحكومات بحرية في وضع متدنٍ. ولعل نتائج مصر هي أفضل تمثيل لهذا الواقع".

اقرأ/ي أيضا: المركز العربي يعلن نتائج استطلاع المؤشر العربي 2017/ 2018

والحقيقة أن نسبة المهتمين بالشأن العام السياسي في مصر انخفضت من 41% في عام 2011 إلى 30% في هذه الدورة، بينما وصلت نسبة غير المهتمين بالشأن السياسي إلى 70% هذا العام مقارنة بـ59% في عام 2011، وهو ما يعكس تغيرًا جوهريًا في التفاعل مع الشأن العام بسبب القمع والضغوط السياسية والأمنية على المواطنين، كما انعكست حالة اللامبالاة على المشاركة في الانتخابات النيابية التي لاقت عزوفًا كبيرًا، بحيث رصد المؤشر 44% من المصريين غير الراغبين في المشاركة في تشكيل الحياة النيابية في مصر باعتبارها لعبة توازنات تحكمها معادلات أخرى لا تضع المواطن أساساً لها.

الانترنت في مصر: المصريون يتصفحون رغم الحجب

في هذا المحور، كان 41% من المصريين يستخدمون الإنترنت بشكل يومي وهي نسبة لا يُستهان بها وخاصة ممن باتوا يعتمدون عليه في إنجاز أعمالهم، أما في معرفة الأخبار السياسية فإن المعظم يفضل التلفاز كوسيلة أهم لمعرفة الأخبار السياسية، بينما يفضل 23% البحث على الإنترنت، وعلى الرغم من أن الحكومة المصرية حجبت أكثر من 400 موقع، تضم مواقع دولية وصحفية من بينها موقع ألترا صوت، مثل موقع مراسلون بلا حدود وموقع هيومان رايتس ووتش، وغيرها، إلا أن هناك تحايلًا على الحجب، ومتابعة للحدث، و تفاعلًا على مواقع التواصل الاجتماعي.

اتسمت الصورة العامة عربيًا، ومن ضمنها في مصر، بأن العزوف و"اللامبالاة السياسية" تهيمنان على قطاعات واسعة من الجمهور

الدين والسياسة

يرى المصريون أنه ليس من حق أي جهة تكفير الذين ينتمون إلى أديان أخرى، ويؤيدون هذه المقولة بنسبة تصل إلى 94%.

أما الواقع التشريعي في مصر، فهو لا يكفر الديانات الأخرى، ولكنه اكتفى بوضع الرأي تحت المسائلة باسم حماية الأديان من الازدراء، فهناك المادة 98 من قانون العقوبات والتي تنص على "أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تتجاوز خمس سنوات، أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تتجاوز ألف جنيه، كل من استغل الدين فى الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة، لقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها، أو الإضرار بالوحدة الوطنية".

وهذا القانون هو نفسه الذي حكم على ثلاثة طلبة أقباط بالسجن خمسة سنوات وإيداع الرابع دار الأحداث نظرًا لحداثة سنه، "على خلفية تصوير مقطع تمثيلي ساخر يتهكم على بعض ممارسات تنظيم الدولة الإسلامية في بلاد العراق والشام". و هو شكل من أشكال استخدام السلطة لقمع الرأي باسم حراسة الدين.

داعش ابن شرعي لكل الخطايا

في القسم الأخير يعالج بيان المؤشر، رؤية وفهم الشارع العربي لنشوء داعش. ويتمتع التنظيم بوجود ملموس ومؤثر لا يمكن إنكاره في شبه جزيرة سيناء المصرية، وقد وجه ضربات موجعة في شبه الجزيرة المصرية، كان أكبرها مجزرة بئر العبد في مسجد الروضة التي راح ضحيتها 450 شخصًا من بينهم أطفال.

وفي ضوء مثل هذه الحوادث وغيرها الكثير في مصر، بات فهم ظاهرة داعش فهمًا مركبًا لا يمكن إرجاعه إلى منبع واحد جوهري، حيث يرى 42% من المصريين أن داعش نتاج للتعصب والتطرف الديني، ويعزونه أيضًا إلى واقع سياسي واجتماعي ديني تعاني منه المنطقة العربية كلها.

في النهاية تعكس  نتائج المؤشر المتعلقة بمصر واقعًا صعبًا على المستوى الأمني والسياسي والاقتصادي والحقوقي، وفي ذات الوقت تعكس تطلعًا لحياة أفضل وسقف حريات أعلى وعدالة اجتماعية، وتشير إلى وعي بالقضايا العربية رغم تهمشيها وعزلها بفعل السياسيات الرسمية.

مصر في المؤشر العربي

 

اقرأ/ي أيضا:

المؤشر العربي: كيف ينظر العرب إلى داعش؟

هل يثق المواطن العربي بمؤسسات دولته؟ المؤشر العربي