18-مارس-2023
Egypt

الحكومة المصرية قالت إن عضوية مصر في الاتفاقية "لا تنطوي على قيمة مضافة". (GETTY)

رغم الحديث المتزايد حول أهمية الأمن الغذائي العالمي والمخاوف المرتبطة به بعد الحرب الروسية الأوكرانية، أعلنت مصر نيتها الانسحاب رسميًا من اتفاقية تجارة الحبوب الدولية التابعة للأمم المتحدة نهاية حزيران/يونيو القادم.

بررت وزارة الخارجية المصرية قرارها في بيانٍ قدمته لوكالة رويترز قالت فيه إن القرار اتخِذ بعد تقييم مشترك أجرته وزارتا الخارجية والتموين والذي توصل إلى أن عضوية مصر في الاتفاقية "لا تنطوي على قيمة مضافة".

الحكومة المصرية قالت إن الاتفاقية لا تنطوي على قيمة مضافة، في حين عبر مسؤولون دوليون عن دهشتهم من القرار المصري المفاجئ. 

من جهته، عبر المدير التنفيذي للمجلس الدولي للحبوب والمشرف على الاتفاقية أرنو بيتي لرويترز عن اندهاشه قائلًا إن هذا القرار "حدث دون سابق إشارة" وأن عدة وفود من الدول الأعضاء بالمجلس تشعر "بالاندهاش والحزن إزاء هذا القرار"، مشيرًا إلى أن "بعض الأعضاء سيطالبون مصر بإعادة النظر في قرارها".

اتفاقية تجارة الحبوب

تُعتبر اتفاقية تجارة الحبوب ( (GTCالمعاهدة الدولية الوحيدة التي تغطي تجارة الحبوب العالمية وتنظّم حركتها، وهي معاهدة تابعة للأمم المتحدة أُبرِمت عام 1995 بين 33 دولة، ووقعت عليها مصر منذ انطلاقها.

تتكون الاتفاقية من 34 مادة رئيسية، تهدف إلى تعزيز التعاون الدولي في تجارة الحبوب، وتشجيع التوسع في التجارة الدولية لتأمين أكبر تدفق ممكن لهذه التجارة، والمساهمة في استقرار أسواق الحبوب الدولية.

وبموجب الاتفاقية فإن على الدول المانحة تقديم كمية محددة سنويًا من المساعدات الغذائية للدول النامية إما على شكل حبوب أو نقدًا لشراء هذه الحبوب.

Egypt
انسحاب مصر من الاتفاقية اعتبره خبراء اقتصاديون خطوة صحيحة قانونيًا. (GETTY)

ووفقًا لنص المادة 29 من الاتفاقية، يجوز لأي عضو الانسحاب منها في نهاية أي سنة مالية عن طريق تقديم إشعار كتابي بالانسحاب قبل 90 يومًا على الأقل من نهاية السنة المالية، وهو ما أقدمت عليه مصر في خطوة اعتبرها خبراء في الاقتصاد تحدثنا إليهم خطوة صحيحة من الناحية القانونية.

أسباب الانسحاب ومبررات القرار

تفاوتت الآراء بين تأييدٍ واستنكار للقرار باعتبار مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، واقتصر الرد الرسمي المصري في البداية على تصريحات مختصرة. لكن وزير التموين والتجارة الداخلية المصري الدكتور علي المصيلحي تحدث لوسائل إعلام مصرية السبت وقال إن مصر انسحبت لأنها وجدت أن تكلفة الاشتراك في الاتفاقية أكبر من الفائدة التي تحصل عليها. مضيفًا أنه "قررنا الانسحاب من الاتفاق توفيرًا للعملة الصعبة".

من جهته، صرّح مستشار وزير التموين الأسبق الدكتور نادر نور الدين لوسائل إعلام مصرية أن انسحاب مصر جاء نتيجة ضعف الاتفاقية وعدم قدرتها على ضبط السوق العالمية، بل إنها كانت عاجزة عن تحقيق مصالح منتجي الحبوب والمستوردين في نفس الوقت.

وأشار في تصريحاته إلى أن هدف الاتفاق لم يتحقق في أزمات سابقة مما أدى إلى تضرر الدول المستوردة، ومن بينها مصر، بصورة كبيرة.

رشاد عبده لألترا صوت: مصر لم تستفد من الاتفاقية التي خدمت الدول المصدرة أكثر من خدمتها للدور المستوردة.

يرى أستاذ الاقتصاد ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية الدكتور رشاد عبده أن الاتفاقية كانت تخدم أهداف الدول المصدّرة أكثر من خدمتها للدول المستوردة، وقال في حوار مع ألترا صوت إن "مصر لم تستفد من الاتفاقية ولم تقم بمساعدتها، وخلال الأزمة الروسية الأوكرانية ومشكلة شح الحبوب لم تقدم أي شيء، بل بالعكس اجتهدت مصر ببناء علاقات مع دول أخرى كالهند.. فالاتفاقية لم تساعد مصر لذا قررت الانسحاب".

يضيف الدكتور رشاد أن مشكلة مصر كباقي الدول النامية هي عدم توفر العملة الأجنبية، كما أنها لا تملك سياسات اقتصادية ثابتة ومستقرة، ولا تستعين بالأكفأ بل تستعين بـ "أهل الثقة"، قائلًا إنه "بما أن مصر تعاني من نقص العملة الأجنبية فلمَ لا تبحث عن حلول أخرى مع دول ستتيح التعامل بالجنيه أو الروبل؟". وأكد على أن القرار سيكون إيجابيًا ولصالح الاقتصاد والشعب المصريين.

من جهة أخرى، يرى الخبير والمحلل الاقتصادي الأردني حسام عايش أن قرار انسحاب أي دولة من أي اتفاقية هو قرار سيادي للدول، ويُتَخَذ بناء على مصالحها وحاجاتها ومدى الفائدة من هذه الاتفاقية. فأحيانًا توقع الدول على الاتفاقيات أو تنسحب منها، وأحيانًا أخرى تُجمّد العضوية فيها، فالأمر له علاقة بكيفية قراءة المشهد العالمي خلال اتخاذ القرار. كما وضح أن الكثير من التغيرات طرأت على السوق العالمي أهمها تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي، وأيضًا القيود التي بدأت الدول بفرضها لحماية أمنها القومي بالذات في مجال الغذاء، وصولًا إلى ارتفاع الأسعار وارتفاع معدلات التضخم والكلف الإضافية، إذ إن جميعها أثرت بشكل مباشر على الأسواق العالمية، مما دفع الكثير من الدول إلى أن تتخذ قراراتها بما يتناسب مع الحالة الغذائية الحالية، وتوقعاتها المستقبلية بشأن مآلات الأزمات العالمية.

حسام عايش لألترا صوت: قرار الانسحاب قرار سيادي يحمل رسائل سياسية واقتصادية مشفرة لروسيا.

يقول عايش لألترا صوت إن "مسألة استيراد الحبوب وبالذات القمح تشكل خيطًا رفيعًا من الاستقرار الاجتماعي والمعيشي بالنسبة لمصر، فهي تعتبر مسألة أمن قومي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وعلى هذا الأساس تتخذ الدولة المصرية قراراتها بما يتعلق بالاتفاقيات الدولية التي تنضم إليها أو تنسحب منها".

ومن وجهة نظر عايش، فإن انسحاب مصر له عدة أهداف، أولها هو أنه ربما أن هذه الاتفاقية كانت تقيّد حركة مصر في مجال مشترياتها وتحملها أعباء إضافية من خلال الرسوم وتكاليف العضوية والحصص، الأمر الذي لا يمكن لمصر تحمله في هذه الظروف الصعبة التي أصابت الأسواق العالمية.

وثانيًا، أن هذه الخطوة ربما تعتبر رسالة مشفرة وفيها ما يحمل من المعاني السياسية والاقتصادية الكثير، فهي رسالة لروسيا بأن مصر لا زالت تعتمد على السوق الروسي في حاجاتها الأساسية من الحبوب بالذات القمح. كما وضح أن مصر تستورد 50% من حاجتها من الحبوب من روسيا و 30% من أوكرانيا، لذلك فهي رسالة مفادها أنها ما زالت تتفهم الموقف الروسي من الأزمة الأوكرانية وتساندها أو أنها لا تتبنى الموقف الأمريكي باعتباره الموقف الذي يُفترض أن تتبناه، وأنها لم تعد تقبل بالسياسة الأمريكية تجاه النظام المصري وانتقاداته للانتهاكات ضد حقوق الإنسان في البلاد.

ويضيف عايش أن السبب الثالث وراء الانسحاب، يكمن في أن الاتفاقية لم تعد فاعلة بسبب التغيرات السياسية والاقتصادية التي تجتاح العالم.

من أين ستؤمن مصر احتياجاتها من الحبوب؟

يقول الدكتور رشاد إن مصر ستؤمن احتياجاتها من الحبوب من خلال علاقاتها التي بنتها مع الدول الأخرىن مثل روسيا، باعتبارها أكبر مستورد للقمح في العالم. ويضيف إنه "حتى لو لم تستطع روسيا أن توفر احتياجات مصر لأي سبب من الأسباب، فإن مصر قد بنت علاقات طيبة مع الأرجنتين وصربيا وغيرها من الدول بهدف تنويع إمداداتها".

من ناحية أخرى، يرى عايش أن صانع القرار الاقتصادي المصري قرأ القرار من ناحية الأسعار، فربما من خلال هذا الانسحاب تحصل على الحبوب وبالذات القمح من روسيا بأسعار مخفضة، أسوة بما تقوم به روسيا تجاه الهند والصين ودول أخرى تستورد النفط من روسيا بأسعار تقل عن الأسعار العالمية بحوالي 30 إلى 40 دولارًا.

مصر
صانع القرار الاقتصادي في مصر ربما يهدف إلى الحصول على الحبوب من روسيا للتأكيد أن مصر لا تتبنى الموقف الأمريكي تجاه الحرب الروسية- الأوكرانية. (GETTY)

ويوضح عايش أنه "ربما ترى مصر أن كلفة الحبوب التي ارتفعت كثيرًا إلى حوالي 425 دولار للطن ستحصل عليها من روسيا بأسعار أقل، وهذا سيخفض كلفة المستوردات عليها من الحبوب وبالذات القمح، وسيساهم بشكل أو بآخر بتقليل إنفاق الاحتياطي من العملات الأجنبية"، الأمر الذي سيدعم استقرار الجنيه المصري.

ويضيف أن "هناك مصادر حرة يمكن أن تؤمن مصر منها احتياجاتها كروسيا وأوكرانيا ورومانيا وأستراليا وأوروبا وربما الولايات المتحدة، فمصادر بيع الحبوب لا ترتبط بالتوقيع على هذه الاتفاقية من عدمه".

مآلات القرار على الاقتصاد والشعب المصري

يقول تجار لرويترز إنهم لا يتوقعون أي تأثيرعلى سوق الحبوب نتيجة هذا القرار، لكن مصدرًا دبلوماسيًا يرى أن خروج مصر من منظمة متعددة الجنسيات "أمراً مثيراً للقلق".

يؤكد الدكتور رشاد أن الاقتصاد المصري لن يتأثر نتيجة الانسحاب من الاتفاقية بل ويرجو أن تنخفض أسعار الحبوب في السوق المصري، لأن مصر لن تضطر للضغط على احتياطي العملة الأجنبية التي تمتلكها بل ستلجأ للروبل الروسي وغيرها من العملات، ولن يكون هناك نقص في السلعة لذا سينخفض سعرها بالمحصلة.

حسام عايش: النظام المصري ربما يرسل رسالة مفادها أنه لم يعد يقبل بالسياسة الأمريكية تجاه النظام المصري وانتقاداته للانتهاكات ضد حقوق الإنسان في البلاد.

ويقول عايش إن مصر تعاني من عجز كبير في ميزانها التجاري، إذ إن مستورداتها أكبر بكثير من صادراتها، لذلك فهي حريصة على البحث عن مصادر ستؤمن لها الحصول على احتياجاتها دون أن يؤثر ذلك على الاحتياطي من العملات الأجنبية، ولذلك فهي ربما تراهن على حصولها على الحبوب إما بالدين أو بالتقسيط وإما بأسعار مخفضة.

في المحصلة، يجيب الخبير الاقتصادي الأردني عايش عن التساؤلات عما إن كانت هذه الخطوة إيجابية أم سلبية قائلًا إن "الأمور محكومة بنتائجها"، ويضيف أن خروج مصر من الاتفاقية لن يؤثر على مستورداتها باعتبارها المستورد الأكبر للقمح في العالم بل بالعكس ربما يربك الموقعين الآخرين على هذه الاتفاقية، لأنها لاعب أساسي واستراتيجي فيما يتعلق بتجارة القمح الدولية.