09-أغسطس-2016

لاعبات كرة الشاطئ المصرية والألمانية أثناء منافستهم فى أولمبياد 2016

لطالما كان "بعض" ممن يسمون أنفسهم بالتنويريين في مصر لا علاقة لهم بالتنوير من قريب أو بعيد، وهم مثار للأسى والبؤس أحيانًا أو هم من مثيري الشفقة معظم الوقت. في وقت قريب نُشر في جريدة زوددويتشة الألمانية صورة للعبة كرة الشاطئ يلعب فيها الفريق الألماني مرتديًا البكيني في مقابل الفريق المصري بلباس يناسب الثقافة المصرية.

والحقيقة أننى كنت أنتظر تعليقًا عنصريًا من أحد المنظرين الألمان إلا أنني لم أجده لكن وجدته من الدكتور خالد منتصر أحد أعضاء طائفة التنويريين في مصر حيث أقصى ما يمكن للتنوير أن يفعله من خير وسلام على أهل مصر هو وضع صور النسوة اللاتي يرتدين غطاء الرأس جوار صور مدرسة سان مارك في مصر بالستينيات حيث فتيات يرتدين ملابس مهندمة ومحتشمة دون غطاء رأس.

الحقيقة أنني لا أرى في مصر متنورين ولا غير متنورين، ولا حتى هناك نصيب لليسار في مصر، اللهم إلا أقل القليل الذي أجد ضميره أهم محركاته، أما ما يحدث في مصر فهو برنامج تحقق لقيم الصورة الذهنية لليسار والتنويريين دون تحقق للقيمة.

والقيمة في هذا السياق تقتضي -بما يتضمن ذلك معرفة مسبقة بظروف تأهيل الرياضيين في مصر- أن يثني السيد خالد منتصر على الرياضيات المصريات لأنه يعرف جيدًا أن الدولة لا تصرف على الرياضيين في مصر وأن الرياضي يتحمل مسؤولية تأهيله الشخصية لأن الميزانية الرياضية في مصر تذهب إلى موظفي الوزراة والبعثات وإلى مكافآتهم ومظاهرهم. فكان من الأولى الإشادة بالشغف الذي كانت تلعب به اللاعبات حتى وإن لم ينتصرن وهو يعرف جيدًا أننا في مصر نضع كل شغوف ومجتهد على مقصلة التصنيف والمعايير.

اقرأ/ي أيضًا: ريو 2016: أفضل 8 رياضيين عرب في تصفيات ألعاب القوى

ما يحدث في مصر هو برنامج تحقق لقيم الصورة الذهنية لليسار والتنويريين دون تحقق للقيمة

فمنذ نُشرت الصورة على موقع الفيسبوك كان للتنويريين رأي وللذكوريين من الإسلاميين رأي ومن حارسات مملكة الرجل رأي آخر. التنويريون جُل ما استطاعوا أن يخرجوه من أفواههم هو المسخرة على اللاعبة التي لا يناسب لباسها أجواء البحر وتعوق حشمتها اللعب -رغم أن هذا ليس صحيحًا- والذكوريون حاسبوا اللاعبات على جسدهن أكثر من لعبهن وساندهم في ذلك نسوة رأين العيب فقط، ولم ير أحد كيف لعبت الفتيات، وحده يورجين شميدر في جريدة زوددويتشه يرى أن الفريق المصري كان يلعب بمرونة كبيرة ولم يخض الرجل مطلقًا في الزي أو الدين!

لعل هذا هو المدخل الأهم في تفسير المنظومة القيمية التي تحكم الهيكل المهلهل الذي بات يسميه المصريون بالإيديولوجيا، ويعتنقونه ويصنفون أنفسهم على حسب مقاييسه، ويقدسونه على القيم التي تقبل الآخر في الدين أو في أصول التعايش التي ينجح الغربيون في تبيينها إلى حد كبير أحيانًا ويخفقون كأي ثقافة في أحايين كثيرة.

لا يُستثنى من هذه العنصرية جُل التيار الإسلامي في مصر الذي بات أكثر تقوقعًا على نفسه من ذي قبل نظرًا لما يتعرض له من عنف وحشي من قِبل سلطة غبية، تأكل كل من يقترب من كرسي العرش أو من ينافسها عليه. في النهاية فإن التعليقات على موقف صغير كموقف صورة اللاعبات ذاك كفيل بأن تشعر بالغثيان وأنت تسمع أن هناك استقطابًا، استقطاب قائم على تباين الأفكار وقيم تحث على تفضيل فريق على آخر.

ويقع بين مطرقة تقديس جسد المرأة -بصفتها مصدرًا للجمال والمتعة ورمزًا للطبيعة الخ الخ- وسندان من يرون أن تنورة قصيرة في لعبة اسكواش مؤذية ومؤلمة وتثير الجنس المكبوت والتحرش، تقع فتيات يبحثن عن حياة أخرى يُحاسب فيها المرء على كفاءته وإنجازه ومجتمع يتقبله بصفته إنسانًا أولًا وليس قطعة حلوى يجب حمايتها من الذباب!ً

اقرأ/ي أيضًا:
5 حقائق لا تعرفها عن الألعاب الأولمبية
أولمبياد ريو.. ستة رياضيين يمثلون فلسطين
تاريخ المنشطات في الأولمبياد: الوجه السيئ للتحدي