10-يونيو-2017

التعيينات الإعلامية في مصر لرجال الرئيس ومسانديه (محمد الشاهد/أ.ف.ب)

الكعكة قسّمت وانتهى الأمر، والثمن أن توافق على اقتحام نقابتك وتعارض قرارات أغلبية الصحفيين، ولا تخالف أو تناقش ليرضى عنك الرئيس ورجاله. هذا مختصر ثلاثة أشهر مرت بها مصر وانتهت بترتيب رجال السيسي لأكثر الملفات انتقادًا منه خلال حكمه ألا وهو "الإعلام والصحافة"، بدأ بالسيطرة على القنوات والصحف الخاصة من خلال الأذرع الإعلامية للسيسي (رجال أعمال موالين للجيش)، وانتقل لتشكيل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام، برجال لكل العصور.

بدأ نظام السيسي بالسيطرة على القنوات والصحف الخاصة وانتقل لتشكيل مجالس وهيئات الإعلام معتمدًا على رجاله

ثم أتى التشكيل الجديد لرؤساء إدارة ورؤساء تحرير الصحف القومية، وأخيرًا تولي ضياء رشوان الهيئة العامة للاستعلامات المنوط بها التعامل مع الإعلام الأجنبي وإصدار تصاريح العمل للمراسلين الأجانب، وخلال الترتيبات، حجب النظام عددًا من المواقع الإلكترونية التي تنقل صوتًا معارضًا، ليسيطر نظريًا، كما يبدو، علي جميع روافد الإعلام والصحافة في مصر.

اقتحام نقابة الصحفيين.. كلمة السر

التعيينات في عالم الصحافة المصرية، لمن وافق وأيد اقتحام وزارة الداخلية لنقابة الصحفيين في أيار /مايو من العام الماضي، عندما اقتحمت مجموعة من الشرطة نقابة الصحفيين وألقت القبض على الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا ليتم الدعوة لاجتماع لعمومية النقابة في 4 أيار/ مايو واتخذ الاجتماع نحو 18 قرارًا من ضمنها منع نشر اسم وزير الداخلية والاكتفاء بنشر صورته كنيجاتيف، وكسر حظر النشر في قضية الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا، واعتذار رئاسة الجمهورية، باعتبار الرئيس هو المخول بحكم سلطاته الدستورية.

وفي المقابل دشنت جبهة معارضة تحت اسم "جبهة تصحيح المسار" وشارك فيها أعضاء من مجلس النقابة، الذين وافقوا من قبل على القرارات ثم تنكروا لها وعدد من الصحفيين المقربين من جهات أمنية، واعتبرت الجبهة أن المطالب الـ18 تصعيدية وغير مبررة.

واتهم نقيب الصحفيين وقتها يحيى قلاش، وجمال عبد الرحيم وخالد البلشي، أعضاء مجلس النقابة، بإيواء مطلوبين للعدالة، حكم عليهم بعد ذلك بالسجن مع إيقاف التنفيذ، وقفز عبدالمحسن سلامة، القيادي في جبهة تصحيح المسار، والمشفوع بتأييد مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الوطني للصحافة والإعلام، لمنصب نقيب الصحفيين في الانتخابات الأخيرة. وأقدم النقيب الجديد على دعوة وزير الداخلية لزيارة النقابة، وكان للزيارة رد فعل واسع رافض.

اقرأ/ي أيضًا: عام على اجتماع 4 مايو...السيسي يحكم قبضته على الصحافة المصرية

مكرم وجبر.. عودة رجال كل الأنظمة

مكرم محمد أحمد، كان حل الدولة لمواجهة موجة الاحتجاجات في أوساط الصحفيين، حيث قام بحملة مضادة وأيد الدولة بكل ما أوتي من قوة فكان المقابل قرارًا جمهوريًا برئاسة المجلس الأعلى للإعلام والصحافة، كما طرح اسم كرم جبر، رئيسًا للهيئة الوطنية للصحافة، ما اعتبره البعض عودة لـ"رجال كل الأنظمة".

اسم مكرم لم يكن يغيب كثيرًا عن الأضواء، النقيب الأسبق كان ضيفًا دائمًا على الفضائيات، للنيل من ثورة 25 كانون الثاني /يناير 2011، وعمل على انتقاد جميع المشاركين في الثورة وكذلك كان منتقدًا شرسًا لحكم الإخوان، بالرغم من أنه كان كثيف الحضور الإعلامي زمن حكمهم.

الغريب كان طرح اسم كرم جبر، الذي اختفى بشكل ما من بعد الثورة والتي أعقبها ترك منصبه كرئيس لمؤسسة روز اليوسف الحكومية، وتفرغه لكتابة المقالات وتقديم بعض البرامج التلفزيونية. لكرم جبر موقف ثابت رافض للثورة ومؤيد لحكم مبارك، الذي يعد أحد أذرعه- ولم يكن لديه مانع بالطبع في تأييد نظام السيسي.

تشكيل المجلس الوطني للصحافة ضم في عضويته عددًا من الصحفيين والمتخصصين المعروفين بقربهم من الدولة، من أبرزهم محمد عبدالهادي علام، وشارل فؤاد، والدكتور محمود علم الدين، وضياء رشوان، ومحمد الهواري، وعبدالله حسن، وعلاء ثابت، وعبد القادر شهيب.

اقرأ/ي أيضًا: نقابة الصحفيين المصرية في حضن النظام

ماذا عن بقية المؤسسات الحكومية؟

يتولى عبد المحسن سلامة إضافة إلى رئاسة النقابة، رئاسة مجلس إدارة الأهرام وهو أمر مخالف لقرارات جمعيات عمومية سابقة

أولوية المجلس الوطني للصحافة كانت تغيير إدارات الصحف القومية (الحكومية) ورؤساء تحريرها، وبالطبع كانت الاختيارات منصبة على من اختار صف الدولة وجبهة تصحيح المسار، على رأسهم عبد المحسن سلامة نقيب الصحفيين الذي تولى رئاسة مجلس إدارة الأهرام، خلفًا لأحمد سيد النجار الذي تقدم باستقالة مسببة.

اختيار عبد المحسن، يشير البعض لمخالفته قرارات جمعيات عمومية سابقة من بينها الجمعية العمومية الطارئة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، والتي جاء فيها التزام نقيب الصحفيين بعدم تولي عمل إداري أو صحفي أعلى مما انتخب وهو يشغله، وإذا لم يستقل طواعية، تسحب ثقة الصحفيين تلقائيًا بمجرد قبوله المنصب، وتجتمع الجمعية لانتخاب نقيب آخر. كما لحق ذلك جمعية عمومية في آذار /مارس 2013 لتؤكد على التزام كل من يشغل منصب النقيب وعضوية المجلس بعدم تولي أي عمل إداري أو صحفي أعلى مما انتخب وهو يشغله.

وبالرغم من تلك القرارات وقع تعيين، إضافة لسلامة، عدد من أعضاء المجلس وهم علاء ثابت في منصب رئيس تحرير صحيفة الأهرام، ومحمد شبانة في رئاسة تحرير جريدة الأهرام الرياضي، في حين اختير خالد ميري، وهو عضو مجلس النقابة أيضًا، رئيسًا لتحرير الأخبار، كما تم اختيار إبراهيم أبو كيلة رئيسًا لتحرير جريدة الرأي.

وفي ذات السياق، أسندت باقي المناصب لعدد من الموافقين علي اقتحام النقابة وأعضاء جبهة تصحيح المسار، ومن أبرزهم علي حسن، كرئيس مجلس إدارة وتحرير لوكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية، وجمال الكشكي، كرئيس تحرير الأهرام العربي، وأحمد ناجي قمحة، والذي عين رئيسًا لتحرير مجلة السياسة الدولية والديمقراطية.

رشوان.. في هيئة الاستعلامات

كان عدم اختيار ضياء رشوان، النقيب السابق، في منصب قيادي في التغييرات الصحفية الأخيرة سؤالًا محيرًا خاصة مع الدور الكبير الذي لعبه خلال أزمة الصحفيين مع الداخلية ولكن جاء الرد سريعًا بتعيينه على رأس الهيئة العامة للاستعلامات، ويعتقد البعض أن استبعاد رشوان من الصحف القومية يعود لخلافاته السابقة مع مكرم محمد أحمد، والمستمرة منذ سنوات ولم يشفع لهما تواجدهما في معسكر واحد مع السيسي لرأب الصدع.

ويرى البعض أن المنصب الذي تولاه ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، يعد "ترضية" له بعد عدم توليه منصب رئيس مجلس إدارة الأهرام والذي كان يطمع فيه رشوان، والذي رفض مكرم حصول رشوان عليه واختار "سلامة" المطيع له.

ويواجه ضياء رشوان في موقعه الجديد تحديًا كبيرًا فالهيئة تلقت منذ عزل مرسي الكثير من الانتقادات الداخلية "للتقصير في مواجهة حملات جماعة الإخوان ومعارضي 3 يوليو 2013"، وامتدت الانتقادات لها وخاصة عندما عهد للهيئة مسؤولية التحضير الإعلامي للمؤتمر الاقتصادي العالمي في 2015 وقد حملت لافتات وملصقات المؤتمر العديد من الأخطاء اللغوية والصور التي لا تعبر عن المجتمع المصري، كما حمّلها البرلمان الجديد المشكل في عهد السيسي، مسؤولية عدم القدرة على مواجهة الانتقادات الخارجية لحقوق الإنسان في مصر وطالبت لجنة حقوق الإنسان في البرلمان بإسناد الهيئة لإعلاميين من ذوي الخبرة.

ورشوان واحد من أبرز الصحافيين المصريين خلال العقدين الآخرين، ويعد من أبرز الشخصيات العامة المرتبطة بالعمل الإعلامي والصحفي، كان له قبل ثورة 25 يناير مواقف معارضة لنظام مبارك وفي نفس الوقت على قرب من جماعة الإخوان بحكم تخصصه كخبير في الإسلام السياسي، وخاض في 2009 معركة انتخابات نقابة الصحفيين في مواجهة مرشح الدولة في ذلك الوقت مكرم محمد أحمد، ولكن رشوان عقب ثورة 25 يناير صار في رئاسة مركز الأهرام للدراسات، والذي يعد أحد أهم المناصب في مؤسسة الأهرام، واستطاع الوصول لمنصب نقيب الصحفيين في 2013. وارتبطت فترة ضياء بالكثير من الانتقادات لأداء النقابة في مواجهة الهجمة الأمنية الشرسة من الدولة ضد الصحافة والصحفيين ووفاة عدد من الصحفيين خلال المظاهرات التي تلت 30 يونيو.

عبد الفتاح السيسي، باختياره تعيين ضياء رشوان رئيسًا للهيئة العامة للاستعلامات، وضع الأخير أمام اختبار صعب، فالهيئة تسيطر على الإعلام الأجنبي بالكلية في مصر وتصدر التصاريح والموافقة على عمل المكاتب والوكالات الأجنبية، ويمتد نشاطها من خلال 64 مركزًا إعلاميًا في مصر، ونحو 16 مكتبًا، في دول متفرقة أغلبها أفريقية.

اقرأ/ي أيضًا:

الإعلام المصري.. خارطة مشبوهة

"عسكرة" الإعلام المصري.. لم تعد الموالاة كافية!