17-يناير-2016

مطار القاهرة (أ.ف.ب)

"سيادة الفريق اقفل على مصر واقفل أبوابها"، لم يكن أحد يتخيل أن تطبق السلطات المصرية هذه المقولة، التي وجهها الفنان محمد صبحي إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وقت أن كان وزيرًا للدفاع، حرفيًا، كما يحدث اﻵن.

في مصر إن كنت في الداخل وآراؤك السياسية ﻻ تتوافق مع هوى السلطة فأنت ممنوع من السفر، وإن كنت في الخارج وتعارضها فأنت على قوائم ترقب الوصول

إن كنت في الداخل وآراؤك السياسية ﻻ تتوافق مع هوى السلطات الحاكمة فأنت ممنوع من السفر، وإن كنت في الخارج وتعارض السلطات المصرية فأنت على قوائم ترقب الوصول متى قررت العودة، وإن كنت حقوقيًا أجنبيًا وتنتقد انتهاكات حقوق اﻹنسان في مصر فأنت ممنوع من الدخول بدعوى حماية الأمن القومي؛ هكذا يمكن تلخيص ما أصبح عليه الوضع في مصر؛ سجن كبير.

عمر حاذق نموذجًا

فوجئ الشاعر والناشط السياسي، عمر حاذق، بمنعه من السفر إلى هولندا ﻻستﻻم جائزة "حرية التعبير"؛ حيث تم احتجازه، في مطار القاهرة، لأكثر من خمس ساعات، قبل أن يتم إبلاغه بأنه "ممنوع من السفر إلى أن ينهي مشكلته مع الجهة التي ترفض سفره"، وعلم حاذق أن هذه الجهة هي "الأمن الوطني".

وقال حاذق أن ضابطًا بلباس مدني حقق معه ثلاث مرات، خلال فترة احتجازه في المطار، وتم سؤاله عن "عمله وانتمائه السياسي وما إن كان كاتبًا أم لا"، وأنه تم مصادرة هاتفه الخاص، وكاميرا كانت بحوزته، خلال فترة احتجازه.

منع حاذق من السفر، رغم عدم صدور قرار قضائي بذلك، ليس غريبًا إذا وضع في الاعتبار أن الرجل معروف بمعارضته للسلطة الحاكمة في مصر، وحبس عامين بسبب مشاركته في وقفة للمطالبة بإعادة محاكمة قتلة الشاب خالد سعيد، كما كتب مؤخرًا عدة مقالات -لاقت انتشارًا كبيرًا- انتقد فيها أوضاع السجون في مصر، والأوضاع غير الإنسانية التي يعيشها المسجونون.

لا يعد الشاعر عمر حاذق سوى نموذجًا لقائمة طويلة من الممنوعين من السفر؛ تلك القائمة التي رصدت منظمة "هيومن راتس ووتش" منها، خلال عام واحد فقط، 32 اسمًا بينهم سياسيون ونشطاء وعاملون في منظمات غير حكومية، مثل الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، مستشار الرئيس المعزول محمد مرسي، والناشطة أسماء محفوظ، والناشط خالد السيد، ومحمد لطفي، عضو المفوضية المصرية للحقوق والحريات.

ليس المشهورون وحدهم

قال المدون ومدير البرامج السابق بالمعهد المصري الديمقراطي، أحمد بدوي، إنه تم منعه من السفر إلى بيروت، في السادس من ديسمبر/كانون الأول الماضي، للحاق بفرصة عمل في قناة تلفزيونية هناك، وتم مصادرة هاتفه وجواز سفره وبعض من شهادات الخبرة التي كان يحملها.

وأوضح بدوي أنه خلال إنهاء إجراءات سفره في مطار برج العرب، تم المناداة على اسمه، وقام شرطي بزي رسمي، باصطحابه إلى مبنى الأمن في المطار، حيث تم التحقيق معه من قبل شاب بزي مدني عرف، من خلال الحديث معه، أنه ضابط في "الأمن الوطني"، وسأله الضابط عن "علاقته بحركة 6 أبريل، وأماكن سفره السابقة"، ثم تم تفتيش حقيبته ومصادرة هاتفه وجواز سفره وبعض من شهادات الخبرة التي كان يحملها معه.

وأكد بدوي أنه سيتخذ الإجراءات القانونية اللازمة لاستعادة ما تمت مصادرته وأنه متشبث بحقه الدستوري في حرية السفر كأي مواطن مصري، خاصة وأنه لا يوجد قرار قضائي يقضي بمنعه من السفر.

إن كان منع الشاعر عمر حاذق من السفر أمرًا متوقعًا، باعتباره ناشطًا سياسيًا معروفًا وتم حبسه في قضية تظاهر قبل ذلك، فالأمر يبدو غريبًا في حالة المدون أحمد بدوي، الذي لا يحظى بنفس القدر من الشهرة. إلا أنه يمكن اعتبار ذلك مؤشرًا على أن الأمر لم يعد يرتبط بالتضييق على المعارضين البارزين أو من يمكن تسميتهم بـ"قيادات الصف الأول"، وأن الأمر تجاوز هذه الشخصيات ليشمل كل من له توجه سياسي معارض بالمفهوم الواسع للكلمة.

الداخل "مفقود"

قامت قوات اﻷمن في مطار الغردقة، في 29 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بتوقيف الباحث والصحفي، إسماعيل اﻹسكندراني، لدى عودته من العاصمة الألمانية برلين إلى مصر عبر مطار الغردقة، ليتم احتجازه منذ ذلك الوقت إلى اليوم واتهامه بـ"الانضمام إلى جماعة أُسست على خلاف أحكام القانون، والترويج لأفكار تلك الجماعة، ونشر وإشاعة أخبار كاذبة تهدد السلم والأمن الاجتماعي".

وأكدت زوجة الإسكندراني، خديجة جعفر، أن اسم زوجها كان مدرجًا على قوائم ترقب الوصول، بناءً على "مذكرة توقيف" صدرت بحق زوجها من السفارة المصرية بألمانيا، تتهمه فيها بـ"التعاون مع منظمات حقوقية دولية".

توقيف الإسكندراني بهذه الطريقة، فتح الباب على مصراعيه لتساؤلات عن دور السفارات المصرية في الخارج، وهل مهمتها تتبع أبناء الجالية ورصد أنشطتهم وما إن كانوا معارضين أم مؤيدين للسلطة الحاكمة أم خدمتهم وتسهيل أعمالهم؟ كما أرسل هذا الحادث رسالة واضحة إلى المعارضين في الخارج بأن أنشطتهم مرصودة وأن عودتهم منتظرة.

ليس المصريون وحدهم

منعت السلطات المصرية الكاتبة التونسية المعروفة، آمال قرامي، من دخول مصر، مطلع يناير/كانون الثاني الجاري، رغم أنها جاءت إلى مصر بدعوة رسمية من مكتبة الإسكندرية -التابعة لمؤسسة الرئاسة- لإلقاء محاضرة حول "تقييم مناهج البحث في التطرّف والإرهاب".

وكشفت الأستاذة الجامعية المتخصصة في الحضارة الإسلامية وقضايا النوع الاجتماعي أنها اكتشفت إدراج اسمها في قائمة الممنوعين من دخول مصر بسبب "تهديد الأمن القومي".

وقالت قرامي أنها احتجزت في مطار القاهرة الدولي لما يقرب من ست عشرة ساعة، وأنها وجدت نفسها في "خانة الإرهاب"، وتساءلت "هل تكون مقالاتها بجريدة الشروق المصرية طيلة السنوات الثلاث الأخيرة مزعجة إلى هذا الحد؟".

لم تكن قرامي أول الأجانب الممنوعين من دخول مصر؛ حيث رفضت السلطات المصرية السماح للمدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش، كينث روث، والمديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، سارة ليا ويتسن، بدخول البلاد في 10 أغسطس/آب 2014.

وكان من المقرر أن يستعرض كينث روث وسارة ليا ويتسن، مع جمع من الدبلوماسيين والصحفيين، في القاهرة، آخر تقرير لهيومن رايتس ووتش، والمكون من 188 صفحة، حول عمليات القتل الجماعي في مصر في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2013 (أحداث فض اعتصامات ومظاهرات أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي).

منع النشطاء الحقوقيين من دخول مصر، يبدو متماشيًا مع المنهج الذي تسير عليه السلطات المصرية، والذي يمكن تلخيصه في "القفل على مصر"

رسالة أخرى تبعث بها السلطات المصرية الحاكمة إلى نشطاء حقوق الإنسان الأجانب والمنظمات الحقوقية الدولية التي تنتقد انتهاكات حقوق الإنسان في مصر؛ لن تدخلوا. ورغم أن هذه الرسالة قد تكون أسوأ رسالة يتم توجيهها إلى الخارج، إلا أنها تبدو متماشية مع المنهج الذي تسير عليه السلطات المصرية، والذي يمكن تلخيصه في "القفل على مصر".

الصورة الكبيرة

منع النشطاء والمعارضين من السفر، وتتبع المسافرين منهم في الخارج أو وضع أسمائهم على قوائم ترقب الوصول، يمثل زاوية واحدة من الصورة التي ترسمها السلطة الحاكمة في مصر، فيما يتمثل الإطار الكلي للصورة في رغبة هذه السلطة في التحكم في حياة الأفراد، في الداخل والخارج، ومصادرة الحق في حرية التنقل عبر فرض قيود جديدة على السفر، وخاصة على الفئات العمرية التي تقع بين 18 و45 عامًا، حيث وضعت السلطات المصرية قائمة تضم 16 دولة يمنع السفر إليها بدون موافقة "الأمن الوطني"، وتشمل القائمة دولًا منها العراق وتركيا وسوريا وجنوب أفريقيا وقطر وماليزيا وإندونيسيا والسودان.

وتعد أغلب هذه الدول من الدول القليلة التي يسمح للمصريين بالسفر إليها ودخولها بسهولة، فيما يواجه أغلب المصريين صعوبات كبيرة في الحصول على تأشيرة إلى الدول الأوروبية وأمريكا وكندا.

___________

اقرأ/ي أيضًا: 

مصر..ستنتصر الحياة للمشاغب

في مصر..عدو الحريات رئيسا للجنة "حقوق الإنسان"