04-نوفمبر-2016

اختطاف الأطفال صار كابوسًا يطارد العوائل المصرية(فايد الجزيري/NurPhoto)

قبل أيام قليلة، تقدمت النائبة البرلمانية آمال رزق الله بطلب إحاطة إلى مجلس النواب المصري حول ظاهرة اختطاف الأطفال، حيث أكدت النائبة في طلبها ازدياد وقائع اختطاف الأطفال في محافظات مصر المختلفة في الفترة الأخيرة، حتى باتت تثير رعب العائلات.

رصد المجلس القومي للأمومة والطفولة 125 حالة خطف واتجار بالأطفال في مصر خلال الربع الأول من العام الحالي

الاختطاف صار كابوسًا يطارد العوائل المصرية، قضية رأي عام تثار من وقت لآخر ويتم الترويج لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتتلقّفها وسائل الإعلام والبرامج التلفزيونية لتكون موضوعًا لتحاليل تختلف منطلقاتها وأسبابها الحقيقية (الإعلامية منى عراقي نموذجًا).

اقرأ/ي أيضًا: الأسرة الجزائرية في دوامة اختطاف البراءة

المجلس القومي للأمومة والطفولة رصد عددًا كبيرًا من حالات اختطاف الأطفال خلال الربع الأول من العام الحالي، فتحدث عن 125 حالة خطف واتجار بالأطفال. ويأتي ذلك وسط اتهامات من الأهالي بتكاسل وتغافل الأجهزة الأمنية عن القيام بدورها لحفظ الأمن المجتمعي، في الوقت الذي  تحشد كل وسائلها وأدواتها في سبيل الأمن السياسي وامتهان كرامة المصريين يوميًا.

الخطف العادي

في مصر، صار شيءًا عاديًا أن يتغيّب طفل عن منزله، فيكتشف أهله أنه تم اختطافه من قبل عصابات تبتزهم للمطالبة بفدية مالية، وإذا قوبل طلبهم بالرفض فربما يكون مصير الطفل أن يصير متسولاً أو يقوم بالأعمال غير المشروعة وربما يكون هدفًا للاعتداء الجنسي أو ضحية جديدة في مسلسل الاتجار بالبشر.

وتأتي المطالبات الأخيرة مع انتشار الظاهرة إلى الدرجة التي دفعت عددًا من المواطنين ونشطاء حماية الطفل لإنشاء مبادرات وصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصًا "فيسبوك"، للإعلان عن المفقودين ونشر صورهم وبياناتهم حتى يسهل الوصول إليهم، وفي بعض الحالات يعلنون عن مبالغ مالية ضخمة حال العثور عليهم.

"أطفال مفقودة" واحدة من أشهر تلك الصفحات ويصل عدد متابعيها إلى أكثر من 800 ألف متابع. وتعمل الصفحة علي نشر صور المفقودين والمتغيبين والمختطفين على صفحات الإنترنت، كما تقوم بعمل حملات توعية بأساليب الخطف المختلفة، وتدعو لمنع ظاهرة تسول الأطفال، كما تقوم بنشر معلومات حول تربية الأطفال.

في هذه الصفحة يمكن أن يقضي المرء ساعات طويلة في قراءة حكايات مؤلمة وكارثية عن حوادث اختطاف لأطفال، كما يمكنه مطالعة نصائح خبراء وأصحاب تجارب سابقة لتفادي خطف الأبناء. مجتمع من الفزع و"البارانويا" والتأسّي المشترك.

اقرأ/ي أيضًا:  نهال.. قصة اختطاف جديدة تخيف الجزائريين

منار التي اشترتها عاقر

بصوت مرتبك، تتذكر السيدة رباب محيي واقعة اختطاف ابنتها، وتقول لـ"ألترا صوت": "كانت منار قد أتمت لتوها عامها الثالث. وفي يوم 18-11-2015 تركتها تلعب مع أطفال الجيران أمام منزلنا، غير أنني في لحظة غير مفهومة شعرت بالخوف عليها، فخرجت لألقي نظرة، لم أجد ابنتي. بحثت عنها وسألت الأطفال فلم تصلني إجابة شافية. ذهبت لتحرير محضر اختفاء بقسم مدينة نصر حيث نعيش (أحد أحياء مدينة القاهرة)، لكنهم رفضوا تحرير المحضر قبل مرور 24 ساعة على واقعة الاختفاء".

وتضيف: "انتظرنا يومًا كاملاً وفي اليوم التالي حرّرنا المحضر، ولكن لم نر تفاعلاً أو اهتمامًا حقيقيًا من عناصر الشرطة تجاه الحالة، فاضطررت لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي. قمت بعمل إعلان عن الواقعة على إحدى الصفحات المخصصة للمساعدة على إيجاد الأطفال المفقودين في مصر، وساعدني أحد معارف زوجي للظهور في أحد البرامج التلفزيونية، التي ناقشت ظاهرة خطف الاطفال في إحدى حلقاتها".

توضح: "بعدها بدأت أتلقى مكالمات من أشخاص يزعمون معرفتهم مكان ابنتي، أو على الأقل شاهدوها، إلى جانب مكالمات أخرى كانت تأتي من أشخاص يحاولون ابتزازنا لطلب المال. ظللنا نبحث طيلة 8 أشهر في أنحاء مصر كلها من دون أي نتيجة، ومع كثير من اللحظات المؤلمة التي تكتشف فيها مآسي أطفال آخرين أو تتوهّم أنك قد وصلت أخيرًا إلى مكان طفلك المحبوب. وفي يوم من الأيام، أرسلت إلينا إحدى السيدات صورة منار، وقالت إنها شاهدتها عند جارة لها لم يعرف عنها أنها أنجبت أطفالاً من قبل. كانت منار في محافظة الشرقية وتم إبلاغ شرطة مباحث المحافظة بالمعلومات الجديدة، وبعد قيامها بالتحريات استطاعت الوصول إلى ابنتي. حين رأيت منار في سراي النيابة لم أتمالك نفسي وبكيتُ طويلاً، تغيّرتْ ملامحها قليلاً وعلاها الشحوب ولم تتذكرني في بداية الأمر".

لاحقًا، أخبر رجال الشرطة أسرة منار بحكاية اختطافها والطريقة التي تمت بها، حيث قامت باختطافها إحدى عاملات النظافة في أحد المستشفيات القريبة من منزلها، ثم باعتها لشقيقتها العاقر بمبلغ 5000 جنيه، وظلت منار حبيسة المنزل طيلة فترة احتجازها التي امتدت لسبعة أشهر، قامت خلالها السيدة التي "اشترتها" بحرقها في أماكن مختلفة من جسدها واستبدلت اسمها القديم باسم جديد، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل حاولت استخراج شهادة ميلاد جديدة تثبت بنوّتها لها، لكنها لم تستطع. تقول الأم: "حين عثر عليها رجال الشرطة، كانت ابنتي نائمة على الأرض، بلا غطاء، وبملابس مهلهلة، ليست ملابس طفلة ولكنها ملابس داخلية تعود للسيدة التي اشترتها".

وفي النهاية أشارت السيدة رباب إلى "قصور القوانين المعمول بها وعدم كفايتها لحماية الأطفال وضرورة مطالبة وزارة الداخلية بتغيير بعض القوانين الخاصة بتغيّب الأطفال، ومنها إتاحة الفرصة لعمل محاضر فور تغيب الطفل وليس بعد مرور 24 ساعة، حتى يتم إنقاذ الأطفال قبل أن يصيبهم أي مكروه".

قصور السلطة التنفيذية

يبقى الأطفال في مصر أكثر الفئات عرضة لكافة الانتهاكات، فالدولة تقف عاجزة أمام حماية أطفالها الذين يمثلون حوالي 40% من سكانها

قطعت مصر شوطًا طويلاً فيما يختص بالتشريعات المتعلقة بحقوق الطفل وحمايته، حيث كانت من أوائل الدول التى صادقت على اتفاقية حقوق الطفل عام 1989، والتي تضم كافة البنود المتعلقة بحماية الطفل من كافة أنواع الاستغلال، وتحديد سن محددة للطفل، بالإضافة لوجود مجموعة كبيرة من القوانين المصرية لتنظيم حماية الطفل من عمليات الخطف أو الاتجار، أو الاستغلال، أو التعذيب، وبالرغم من كل ذلك يبقى الأطفال فى مصر أكثر الفئات عرضة لكافة أنواع الانتهاكات، فالدولة تقف عاجزة أمام حماية أطفالها الذين يمثلون حوالي 40% من سكانها.

وبحسب مراقبين، يقع العائق الأكبر على السلطة التنفيذية في مصر، وليس السلطة التشريعية، لأن القوانين موجودة بالفعل ولكن لا يتم تفعيلها والعمل بها بشكل كاف. إضافة إلى أن كثير من الجهات التنفيذية مثل وزارة الداخلية وغيرها، تفتقر للمهارات الأساسية في التعامل مع قضايا الأطفال، حيث من المتواتر أن تتضمن قضايا حبس الأطفال تعقيدات كأن يكون هناك طفل تم اختطافه واستغلاله وتعذيبه، ثم إجباره على الانضمام إلى تشكيل إجرامي، ليقوم بدوره بخطف أطفال آخرين، مثل تلك القضايا تعتبر معقدة، حيث يتورط الضحية فى اصطياد ضحايا آخرين.

علاوة على ذلك، تواجه مصر مشكلة كبيرة فيما يختص بقضايا الطفل حين يتعلق الأمر بأماكن احتجاز الأطفال، وذلك لعدم توفر أماكن كافية لاحتجاز الأطفال في أقسام الشرطة المصرية، وينص القانون على ضرورة عدم احتجازهم مع بالغين تفاديًا لأي خطورة ممكنة، ولكن العكس هو ما يحدث في كثير من القضايا التي يتورط فيها أطفال.

وخلال العام الحالي قامت الدولة بتغليظ عقوبة الاختطاف، حيث تضمنت موافقة قسم التشريع في مجلس الدولة على تعديل نص المادة (290) من قانون العقوبات، لتسري في مواجهة من يقوم بالخطف، "سواء كان المخطوف طفلاً أو رجلاً أو أنثى".

وتطرّق التعديل لزوايا أكثر تفصيلاً، مثل تجريم وعقاب خطف الأطفال حديثي الولادة، وخطف الأطفال الذكور دون 18 عامًا بالتحايل أو الإكراه، وجعل عقوبته السجن المشدد، كما تناولت المادة 289 تجريم خطف الأطفال من غير تحايل أو إكراه، وفرّقت في العقاب بين أربع حالات، أولاها إذا كان سن المخطوف أقل من 12 سنة تكون العقوبة السجن المشدد الذي لا تقل مدته عن 5 سنوات، والثانية إذا بلغ 12 سنة ولم يبلغ 18 سنة تكون العقوبة السجن غير المشدد، والثالثة إذا كان المخطوف أنثى تكون العقوبة السجن المشدد، الذي لا تقل مدته عن 10 سنوات، والرابعة إذا اقترنت جريمة الخطف بجريمة مواقعة المخطوف، أو هتك عرضه، تكون العقوبة الإعدام أو السجن المؤبد.

ثورة يناير هي المسؤولة؟

وبعيدًا عن طريقة تعامل الأجهزة الامنية مع حوادث اختطاف الأطفال، يمكن ملاحظة أن ثمة رأي شائع بين الخبراء الأمنيين المحسوبين على الدولة يقول إن التشكيلات الإجرامية شهدت نشاطًا واسعًا بعد ثورة 25 يناير 2011 وحالة الانفلات الأمني التي أعقبت أحداث العنف، كما أنها أصبحت أكثر إدراكًا لانشغال الأمن فى مختلف الأحداث السياسية، وخاصة خلال السنوات الخمس الماضية. كما أنه وفقًا لأحد المسؤولين الأمنيين يعتبر تسليط الضوء على حوادث الاختطاف من خلال مواقع التواصل الاجتماعي سببًا أساسيًا في انتشار  الظاهرة، لأنها، بحسب تحليله، تقوم بتضخيم المعدلات ونسب الجريمة وقضايا خطف الأطفال بشكل عام.

وبحسب هؤلاء الخبراء قامت العصابات الإجرامية باستغلال الفرصة، وانطلقت لممارسة جميع أعمالها بأعصاب باردة مطمئنة، مما فتح الباب أمام أفراد لا ينتمون لتشكيلات إجرامية، وغير مسجلين لدى الشرطة، وليس لهم أي سوابق، بأن يقوموا أيضًا بعمليات خطف أطفال، وطلب فدية، وهؤلاء يقومون بالجريمة بسبب من توفر الفرصة فقط، وهذا ما يُطلق عليه "مجرم بالصدفة"، حيث يعتبرون عملية الخطف فرصة سيحصلون من خلالها على مبالغ مالية ضخمة، وينتهي الأمر.

وفي سياق متصل، تشير إحصاءات غير رسمية إلى أن العصابات التى تحترف عمليات الخطف، غالبًا ما تستهدف أطفال العائلات الغنية، التي تمتلك أراضي أو أموالاً، ويتم رصد خط سير الأطفال، وذلك أثناء خروجهم من المدرسة، أو أثناء وجودهم بمفردهم في أي مكان، وتحديد الفرصة الأفضل لخطفه، وتوفير مكان ناءٍ، وبعيد جغرافيًا عن مكان الخطف، ليحتفظوا بالطفل، وفي كثير من الحالات تستخدم العصابة هاتف الطفل للتواصل مع ذويه، طالبين مبالغ مالية، أو أن يتواصلوا مع العائلة من خلال خطوط تليفونية مختلفة، خوفاً من تعقبهم، والتوصل لأماكنهم. في الوقت ذاته، يرى خبراء أن هناك جانبًا من التقصير يقع على كاهل الأسرة في معظم حوادث الاختطاف، حيث تكشف كثير من الوقائع، على حد تعبيرهم، عدم مراعاة الأسرة لشؤون أطفالها أو حمايتهم بالشكل الكافي.

اقرأ/ي أيضًا: 

أطفال العراق.. ثمن خلافات الساسة

القتال خيار طلابي يمني