05-ديسمبر-2020

تظاهرة ضد حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، في أيلول/سبتمبر 2019 (جوزيف عيد/أ.ف.ب/Getty)

في الوقت الذي يعيش فيه لبنان أزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة، وفي ظل الارتفاع الحاد والمستمر في سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة اللبنانية، تحولت الأوراق النقدية "البنكنوت" بالليرة اللبنانية إلى مادة للسخرية والتندّر. تفاقمت السخرية من العملة اللبنانية، أو ظرفها، حين  أعلن "مصرف لبنان" أنه سيضع ورقة نقدية جديدة من فئة 100 ألف ليرة في التداول اعتبارًا من يوم الاثنين 7 كانون الأول/ديسمبر الجاري. يأتي هذا الإصدار النقدي تزامنًا مع فعاليات ذكرى مرور 100 عام على إعلان دولة لبنان الكبير.إذ أشار مصرف لبنان إلى أن الورقة النقدية الجديدة تقترن بتوقيع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والنائب الأول للحاكم وسيم منصوري.

تعرض الإصدار النقدي الجديد في لبنان، بقيمة 100 ألف ليرة، لسخرية واسعة نظرًا للتصميم الفني والقيمة الشرائية شبه المعدومة أيضًا

كما تزامن إعلان الإصدار النقدي الجديد، مع اتهامات بالفساد طالت حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مؤخرًا، إضافة لدوره في تعمية التدقيق الجنائي، الذي كان يُفترض به أن يكشف مصير مليارات الدولارات التي اختفت في الوزارات والإدارات الرسمية في لبنان.

اقرأ/ي أيضًا: فرنسا تهدد بإقفال عشرات المساجد والقضية تثير تفاعلًا على مواقع التواصل

وكانت صحيفة وال ستريت جورنال الأمريكية قد ذكرت قبل أيام إنّ المسؤولين الدبلوماسيين الأمريكيين وغيرهم من المسؤولين الرسميين والدبلوماسيين الغربيين يمارسون ضغوطًا على المصرف المركزي في لبنان، كجزءٍ من حملة دولية لتهميش "حزب الله"، ومعارضة الفساد والتخفيف من الأزمات الاقتصادية والسياسية التي يشهد عليها لبنان.

في ذات الوقت واصلت المصارف اللبنانية تفعيل قرارتها التي تحدّ من قدرة المودعين على الوصول إلى أموالهم، وزاد بعضها القيود على قيمة السحب المسموح بها أسبوعيًا. كما أعلن رياض سلامة  في مقابلة تلفزيونية قبل يومين، تنصّله من تهم الفساد الموجّهة إليه. وعاد وأكّد للمودعين أن ودائعهم موجودة، كذلك شكّك بالأرقام التي تحدثت عن تهريب مليارات الدولارات خارج لبنان خلال الازمة.

الجزء الأكبر من اللبنانيين لم يقنعه كلام سلامة بطبيعة الحال، بل وتعزّزت القناعة لديهم بأن حاكم مصرف لبنان هو الواجهة المالية والنقدية التي " شرعنت " الفساد والسرقات خلال هذه الحقبة، وما اتهامهم له بالمساهمة في إفشال عمل شركة "ألفاريز دي مارسال" الموكل إليها التدقيق الجنائي، سوى ترسيخ الفكرة لديهم بأن حاكم مصرف لبنان هو رأس الحربة في عمليات السرقة الممنهجة التي يواجهها اللبنانيون.

اقرأ/ي أيضًا: تحذير أممي من وصول معدلات الجوع في اليمن إلى أرقام قياسية

ويعيش اللبنانيون اليوم قلقًا حقيقيًا بعد الحديث عن نية الحكومة رفع الدعم جزئيًا أو كليًا عن بعض السلع الأساسية التي كان مصرف لبنان يدعمها في العقود الأخيرة، وذلك بسبب تناقص احتياطي الدولار الأمريكي في المصرف المركزي.

وفي حال أتخذ القرار برفع الدعم، سترتفع أسعار الخبز، الأدوية والمشتقات النفطية لأكثر من ثلاثة أضعاف. يعي المواطن اللبناني جيدًا أن كابوسًا حقيقيًا ينتظره إذًا، وأن الأشهر الصعبة التي عاشها مؤخرًا، ستكون مجرد نزهة في مقابل ما سيشهده مستقبلًا.

بالاستناد على كل ما سبق، يمكن فهم ردة فعل الناشطين والمغردين الغاضبة على قرار إطلاق الورقة النقدية الجديدة، والطريقة الاحتفالية التي تم فيها هذا الإطلاق، ما يخلق شعورًا أن المسؤولين عن الوضع النقدي في لبنان يعيشون في عالم آخر، ولا يأبهون للمعاناة التي تلحق بالقسم الأكبر من المواطنين. اللبنانيون يخافون اليوم من الوصول إلى نموذج مشابه لبعض الدول التي انهارت تمامًا فيها العملة الوطنية، حيث بات يتوجب عليك إحضار كمية كبيرة من الأوراق النقدية للحصول على قارورة حليب أو كيلوغرامًا من التفاح.  

وقد عبّر الناشطون عن غضبهم ورفضهم لإطلاق الورقة النقدية في هذا التوقيت، واعتبروه انسلاخًا عن الواقع، وتكريسًا لحالة الإنكار التي يعيشها الحكام في هذا البلد. وقد لجأوا إلى السخرية من هذه الورقة في الشكل وفي المضمون. ففي الشكل بدت الورقة لهم باهتة ولا تحمل أي ذوق فني، فيما كان توقيع رياض سلامة عليها بخط أكبر وأوضح من المعتاد ليزيد نفورهم منها. أما في المضمون، فقد سخروا  بشكل أساسي من القيمة المالية الحقيقة لهذه الورقة، قيمتها الشرائية، حيث توازي المئة ألف ليرة اليوم حوالى 12 دولارًا أمريكيًا فقط لا غير، بعدما كانت تساوي أكثر من 60 دولارًا قبل سنة تقريبًا.

اقرأ/ي أيضًا:

كيف أثرّت الأزمة الاقتصادية على نمط حياة المواطن اللبناني؟

متحف باسل الأسد.. صناعة تاريخ "الجزمة"